تنفيذ: حساب الأرباح والخسائر

مقالات رأي و تحليلات الخميس ١٨/مايو/٢٠١٧ ٠٤:٥٩ ص
تنفيذ: حساب الأرباح والخسائر

سمعان كرم

في مثل هذه الفترة من كل عام تقدم شركات القطاع الخاص حساباتها الختامية للعام المنصرم، وتقدم الشركات العامة حساباتها على صفحات الصحف مبينة ميزانياتها وخصوصاً حساب الأرباح والخسائر لعملياتها وأعمالها. وهي مسألة ضرورية لإطلاع أصحاب الشركة ومساهميها، وملزمة بموجب القانون الضريبي. والعملية هذه هي بمثابة صورة ضوئية تؤخذ في لحظة ما من مسيرة الشركة، تلك المسيرة التي تقوم وتطول إلى سنوات وسنوات ولا تنتهي عادة بعملية تجارية واحدة.

وبرنامج «تنفيذ» يشبه شركة قامت كي تطول مدتها ولا تنتهي مهامها بمشروع أو مشروعين. وحيث أنها شركة عامة إذ إن المساهمين فيها هم من المسؤولين الحكوميين والتجار والمهنيين وروَاد الأعمال والخبراء والأكاديميين والاستشاريين والمواطنين والوافدين والشباب (حتى ولو كانت مساهمتهم متواضعة مع الأسف) والجمعيات، فقد وجب إعلان حساب الأرباح والخسائر من فترة إلى أخرى. والخطوة الثامنة من برنامج «تنفيذ» تشمل إصدار التقرير السنوي، والذي سيبين ما أنجز إن شاء الله وما لم ينجز.

بهذا الصدد وحتى صدور «ميزانية تنفيذ»، ما هو حسابنا اليوم للأرباح والخسائر؟
لقد وضعنا رأس مالٍ مكوَن من سنة تحضير تم خلالها اختيار تجربة ناجحة في ماليزيا، نستلهم منها ما ينفعنا وينطبق على اقتصادنا ونترك ما غير ذلك، وقمنا بمختبرات على مدى ستة أسابيع صرف خلالها المشاركون حوالي خمسين ألف ساعة من وقتهم للخروج بالمبادرات التي صدر مؤخراً كتاب يوصفها. والسؤال الآن ماهو المردود حتى يومنا هذا؟
ولاكتمال الصـــورة والمقاربة، عندما تقيم شركة ما يأخذ المختصون بعين الاعتبار عناصر معنوية مثل سمعة الشركة، والثقـــة بعلامتها التجارية، وطاقتها المستقبلية وقدرتهـــا على الابتكار والتحول والديمومة.كذلك عند تقييـــم البرنامج يجب إلقاء الضوء على عناصر معنوية بغاية الأهمية.
إن المردود الموازي للمبادرات والذي لن تذكره التقارير هو كبيرُ ومهم. فعندما دخلنا المختبرات، وكان في كل منها عشرات المشاركين، كنا فكرياً غرباء عن بعضنا البعض وكل منا آت بأفكاره الخاصة، مقتنعاً ومتمسكاً بها، لا بل يحاول إقناع الغير بها قبل حتى الاستماع الى آراءٍ أخرى في نفس الموضوع. حتى إن البعض غضب ونفذ صبره منذ الأيام الأولى للبرنامج. أما الذين ثابروا تعلموا كيف يستمعون لبعضهم البعض فتتقارب أفكارهم وتتضح رؤيتهم المشتركة. هذا النوع من الحوار الذي يبدأ بفكرة عامة ثم يصار إلى مضغها وتفكيكها وتحليلها وتحسينها وإثرائها عبر الحوار المنظم والمنهجي، بإدارة اختصاصيين، هو نهج جديد لا تحققه حلقة عمل واحدة، أو منتدى أو ورقة عمل ولا حتى وسائل التواصل الاجتماعي. ذلك الهبوط من أعالي العاميَات والتوصيات الرنَانة إلى درك التفاصيل الصغيرة والدقيقة ورسم خريطة الطريق لتنفيذ كل منها، هو ما تميَزت به عملية الانتقال من عصف الأذهان العفوي والفوضوي الى النتيجة الواضحة والمكتملة المعالم. هذا أول مردود حصلنا عليه ولن نتخلَى عنه بحواراتنا المستقبلية إن شاء الله. وأضحينا لا نعير أي اهتمام للتوصيات العامة التي تطلق من حين إلى آخر عن المؤتمرات والاجتماعات واللجان المتعددة، إن لم ترافقها خطة لتنفيذها.
والمردود الثاني هو اكتشاف الخامات والمواهب الشابة. يوماً بعد يوم وعلى مرور ستة أسابيع برزت تلك الكفاءات وخرجت من خجلها وصمتها عندما أعطيت الفرصة الحقيقية للتعبير وإبداء الرأي وإظهار المعرفة. تم ذلك بحرية واسعة بعيداً عن وجود الرئيس ورب العمل. واكتشف القطاع العام كيف يفكر القطاع الخاص والعكس وتلاقت الأفكار والهمم لما فيه مصلحة البلاد. تم كل ذلك في المختبرات.
وعندما باشرنا بتنفيذ المبادرات من خلال فريق عمل لكل مبادرة، واستضفنا خبراء وموظفين من جهات حكومية مختلفة للاستعانة برأيهم أو الحصول على دعمهم اكتشفنا أنهم لم يتعودوا على الحوار العلمي المنفتح فكانت لقاءاتنا بهم بمثابة تجربة فريدة لهم ولنا. وإذا كان برأينا أن الحوار بين القطاع العام والقطاع الخاص ضعيفاً فوجئنا بأن الحوار بين هيئات القطاع العام شبه معدوم. فاكتشفوا بعضهم البعض ونتجت عن ذلك ثروة من الأفكار الجيدة. كم من الطاقات الصامتة في الوزارات والكفاءات المهدورة! بيد أن الحل بسيطُ جداً ويتلخص بجمعهم مع بعضهم البعض وإدارة جلساتهم على نمط إدارة برنامج «تنفيذ» فيخرجون بالنتائج الباهرة.
وصدور كتاب «تنفيذ» مهما كان فيه من تقصير يبقى إنجازاً كبيراً في احتساب الأرباح والخسائر. فهو يجعلنا جميعاً أن ننظر في اتجاه واحد في قطاعات ثلاثة مستهدفة واثنين داعمة. والمفيد فيه أنه إذا تم تنفيذه نعرف مسبقاً نتائجه: سبعة عشر بليون ريال عماني من الاستثمارات وتوفير سبعين ألف وظيفة جديدة منها ثلاثون ألفاً للقوى العاملة الوطنية خلال الخطة الخمسية التاسعة 2020.
والمردود الكبير هو نظرة العالم الخارجي إلينا. إذ نحن مثل الكثير من الدول نمَر بأزمة ندرك أن حلّها هو في التنويع الاقتصادي والابتعاد عن الاعتماد على النفط والغاز فقط. خلال البرنامج وبعده لاقت أعماله اهتماماً بارزاً من السفارات العربية والأجنبية لتنقل إلى حكوماتها ما توصلنا إليه. وهذا الأمر مهم جداً لتعزيز ثقة المستثمرين والدائنين والمواطنين.
كلها عوائد جاء بها برنامج «تنفيذ» يصعب قياسها ولن تذكر في التقارير الدورية مع أنها حدثت واكتسبت فعلاً. لكن خطر خسارتها وهدرها يكمن في عدم تطبيق المبادرات في وقتها المحدد.