الخروج البريطاني أو الانهيار؟

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٢١/مايو/٢٠١٧ ٠٤:٤١ ص
الخروج البريطاني أو الانهيار؟

كارل بيلدت

حتى بعد أن تخلت عن امبراطوريتها، ترددت المملكة المتحدة لعقود من الزمن قبل أن تنضم إلى أوروبا. ولكنها فعلت في نهاية المطاف، وخلال نصف القرن الفائت أصبحت من أنصار توسيع الاتحاد الأوروبي وأكبر مؤيدي سياسات الاتحاد الأوروبي الرئيسية مثل السوق الموحدة.

ولكن قريبا يمر عام كامل منذ قررت المملكة المتحدة، بأغلبية ضئيلة، أن تلقي بكل هذا من وراء ظهرها. خلال الأشهر الأحد عشر الفائتة ، قيل لنا مراراً وتكراراً إن «خروج بريطانيا يعني خروج بريطانيا» ــ وهي العبارة التي تجعل المرء عاجزاً عن فهم معنى الخروج البريطاني حقا. ولكن الآن بعد أن استحضرت المملكة المتحدة المادة 50 من معاهدة لشبونة، بدأ الضباب ينقشع. وقد أوضحت المملكة المتحدة بعض أهدافها من ترك الكتلة، وبوسعنا أن نبدأ في تكوين فكرة عن كيفية تنفيذ العملية على مدار السنوات القليلة المقبلة.

بادئ ذي بدء، نحن نعلم أن الطلاق لن يكون سهلا. وبدلا من محاكاة ترتيب على غرار ذلك الذي تبنته النرويج أو تركيا، حيث تحتفظ المملكة المتحدة ببعض القدرة على الوصول إلى السوق الموحدة أو الاتحاد الجمركي، اختارت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي «الخروج الصعب». وأعلنت بوضوح أن السيطرة على الهجرة والخروج من ولاية محكمة العدل الأوروبية هما هدفاها الرئيسيان. ومع اقتراب حزبها المحافظ من الفوز بأغلبية قوية في الانتخابات العامة في الثامن من يونيو ، يكاد يكون من المؤكد أن المملكة المتحدة سوف تبقى على مسارها هذا.

في مفاوضاتها مع الاتحاد الأوروبي، سوف تكون حكومة تيريزا ماي راغبة في مناقشة شراكة جديدة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي جنبا إلى جنب مع شروط الطلاق. ولكن حتى الآن، زود المجلس الأوروبي كبير مفاوضيه ميشيل بارنييه بتفويض لا يتجاوز مرحلة الطلاق في هذه العملية. وهو لا يعتزم توسيع هذا التفويض بحيث يشمل المحادثات حول الشراكة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي في المستقبل إلى أن تقترب المرحلة الأولى من الانتهاء.

علاوة على ذلك، تطالب وزارات مالية الدول السبع والعشرين الأخرى الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بأن تقوم المملكة المتحدة بتسوية التزاماتها المالية المستحقة للكتلة، خشية أن تتحمل فاتورتها في وقت لاحق. ولن يخلو الأمر من مساومات حول ما تدين به المملكة المتحدة؛ ولكن من حيث المبدأ، لن يتمكن الاتحاد الأوروبي من تغيير الكثير بشأن هذه المسألة.
وعلى هذا، يكاد المرء يجزم بأن المملكة المتحدة ستترك الاتحاد الأوروبي رسمياً بحلول نهاية مارس 2019، وأنها لن تتوصل إلى اتفاق نهائي بشأن شراكة جديدة قريباً. وما لم يتم التوصل إلى اتفاق منفصل بشأن شكل ما من أشكال الترتيب الانتقالي، فربما تكون المملكة المتحدة في طريقها إلى خروج بالغ القسوة: تعريفات جديدة، وعلاقات مؤسسية مقطوعة، وتوترات دبلوماسية.
من ناحية أخرى، في ظل مثل هذا الترتيب، يُصبِح بوسع المملكة المتحدة أن ترحل مع تسوية طلاق معقولة تشمل مبادئ توجيهية لشراكة جديدة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، ويمكن مناقشتها في جولة أخرى من المفاوضات. وعلى افتراض حسن النية على الجانبين، فربما تنتهي هذه المفاوضات بحلول العام 2022.

من المرجح أن تكون أي شراكة جديدة ناشئة شبيهة بالترتيب بين أوكرانيا والاتحاد الأوروبي: شيء من قبيل اتفاقية تجارة حرة عميقة وشاملة، إلى جانب اتفاقيات إضافية تغطي قطاعات معقدة مثل النقل والزراعة. ولكن في حين كانت اتفاقية التجارة الحرة العميقة والشاملة نعمة للاقتصاد الأوكراني، فإن أي اتفاق مماثل مع المملكة المتحدة يمثل خطوة كبيرة إلى الخلف، خاصة وأنه سوف يتطلب نظاما حدودياً جديداً ومن شأنه أن يعطل سلاسل القيمة المتكاملة التي تعتمد عليها العديد من الشركات البريطانية.

وستضطر المملكة المتحدة أيضا إلى إنشاء عدد من الهيئات الجديدة لإدارة القضايا التنظيمية التي يشرف عليها الاتحاد الأوروبي حاليا، مثل السلامة النووية، واختبار المستحضرات الصيدلانية، والطيران، والمعايير الغذائية. ولأن واحدة من أهم أولويات المملكة المتحدة هي الحفاظ على علاقاتها الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي ــ لا توجد علاقة أخرى على نفس القدر من الأهمية ــ فإن أي هيئات أو وكالات جديدة تنشئها لابد أن تدعم المعايير التي سوف يطالب بها الاتحاد الأوروبي. وإلى جانب ذلك، سوف يكون لزاماً على المملكة المتحدة أن تلاحق ترتيبات فردية مع كل الدول غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والتي هي طرف في أي من الاتفاقيات التجارية الثمانية والأربعين بين الاتحاد الأوروبي والعالَم الخارجي.

ذات يوم دارت أحاديث كثيرة حول اتفاقية تجارة حرة بين الولايات المتحدة وبريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي. ولكن الحماس تراجع، والآن يستمع المرء إلى أحاديث عن انضمام المملكة المتحدة إلى شكل ما من أشكال الاتفاقيات التجارية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في وقت لاحق.
من بين الأولويات الأخرى على أجندة المفاوضات هناك ما يقرب من خمسة ملايين من مواطني الاتحاد الأوروبي الذين وجدوا أنفسهم فجأة على الجانب الخطأ من التقسيم الجديد، والذين سوف يحتاجون إلى معالجة حقوقهم الفورية وآفاقهم المستقبلية. ويقيم أغلب هؤلاء في المملكة المتحدة، كما يساهم أغلبهم في اقتصاد المملكة المتحدة. على سبيل المثال، يوظف بنك باركليز وحده نحو 3000 مواطن من دول الاتحاد الأوروبي الأخرى.
بيد أن الشيطان يكمن في التفاصيل. إذ تُصِر حكومة تيريزا ماي على رغبتها في التحكم في الهجرة، ولكن لا أحد يريد حقا أن يرى حواجز جديدة تتعلق بالتأشيرة في أوروبا. وفي كل الأحوال، سوف تضطر شركات عديدة إلى البدء في إجراء تعديلات، وخاصة في صناعات السيارات والفضاء، والتي تتسم بالتكامل بشكل كبير عبر الحدود. الواقع أن شركة لويدز أوف لندن تقوم بالفعل بالتأسيس لعملياتها داخل الاتحاد الأوروبي؛ كما أعلن بنك جولدمان ساكس عن نقل بعض الوظائف بعيدا عن لندن.
وأنا آمل مخلصا أن يتجنب الجميع الخروج الوحشي في ربيع 2019، وأن تتحقق «الشراكة العميقة الخاصة» التي تتحدث عنها المملكة المتحدة بحلول ربيع 2021. ولكن بعد المحادثات الحادة في الأسابيع الأخيرة، لا يستطيع المرء أن يجزم بأي نتيجة عن يقين.
أما عن بقية دول الاتحاد الأوروبي، فلا يجوز لنا أن نغفل عن حقيقة مفادها أننا في احتياج إلى بعضنا بعضا. ففي غضون عشرين عاماً من الآن، سوف نمثل ما لا يزيد على 4% من سكان العالم. ويتعين على الاتحاد الأوروبي ــ وفي القلب منه المحور الفرنسي الألماني المتجدد ــ أن يتعامل مع التحديات الأخرى العديدة التي تواجهه، وأن يرسم خريطة واضحة لمستقبله.
ويَصدُق نفس القول على المملكة المتحدة، التي يتعين عليها أن تقرر ما إذا كانت لا تزال تريد أن تكون جزءاً من أوروبا وإن كان خارج الاتحاد الأوروبي؛ أو أن الخروج البريطاني يعني الانهيار والتفكك في حقيقة الأمر.

وزير خارجية السويد في

الفترة ما بين 2006 وأكتوبر 2014