لا تبدّلوا رمضان

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٢٥/مايو/٢٠١٧ ٠٤:٢٤ ص
لا تبدّلوا رمضان

جمال زويد

كفى بالموت واعظاً .. جال بخاطري هذا الحديث الشريف للرسول صلى الله عليه وسلم وأنا وسط الساحة المقابلة لإحدى المقابر انتظاراً لأداء صلاة الميت على أحد الأعزاء الذي قضى نحبه هذا الأسبوع، ومن ثم تشييع جنازته في موكب لا يضاهي حزنه إلاّ حزن أقاربه وأهل مسجده الذي كان المتوفي أحد حمائمه رحمه الله. فالموت و فجائيته ومكانة الفقيد ثم رهبة المكان الذي نقف فيه بالقرب من الأموات الذين تحيط بنا قبورهم من كل مكان على مدّ البصر حتى يُخيل إليك كما قال الشاعر إن أديم الأرض من رفاة العباد! وبينما نحن في حضرة هذا الموقف الحزين؛ استذكرت قرب حلول شهر رمضان المبارك الذي كان الأوّلون يترقبون قدومه أشهراً وأسابيع، ولا يفارق دعاءهم قولهم «اللهم بلّغنا رمضان» فيتحيّنون حلوله وانتظاره باعتباره موسماً للطاعات وزيادة القربات وفرصة عظيمة للحصاد، تحلّ بركاته على المكان والزمان، وتتسابق الجموع فيه للخيرات، يستذكرون بكلّ أسى الراحلين من أهلهم وأقاربهم وأحبابهم عن رمضان الفضيل، ويتنافسون على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والاعتكاف وسائر العبادات، فتكون نفحات الفضاء وآفاق السماء إيمانيات وروحانيات لا تتشكّل في غير رمضان. وذلك قبل أن تجري في الأنهار مياه أخرى، فتغيّر مألوف الناس عن رمضانهم، فتتخفّى رهبته، وتتبدّل فسحته وأغراضه، وينصرف عنه أهله الذين باتت جموعاً ليست قليلة منهم لا يرون فيه إلاّ محطة أخرى من محطات الأنس والترفيه في حياتهم التي لا يكتشفون إلا متأخرين مقدار الضياع والهدر التي انقضى منها. إذا فقد أحدنا مالاً أقام الدنيا وأقعدها، وإذا فقد عزيزاً عليه انقلبت حياته لأيام عديدة كدراً وضيقاً؛ فكيف الحال به إذا فقد جزءاً من عمره لا يستطيع تعويضه ولا عزاء له إلا إن كان قدّم عملاً صالحاً ينفعه يوم لا ينفع مال ولا بنون. للأسف الشديد؛ لكل شيء في حياتنا له مكان! للوظيفة مكان، للتجارة مكان، للرياضة مكان، للأسرة مكان، للرحلات مكان، لمشاهدة الأفلام والمسلسلات مكان وكذلك للنوم مكان، للأكل والشرب مكان، كل شيء له مكان إلا حقّ الله ومراقبته في أعمالنا، لا نعرفهما أو نعطيهما من وقتنا إلا في بضع الأوقات الزائدة! تجد الواحد منّا ما أعقله وأذكاه في تدبير شؤون عمله أو تجارته، لكن هذا العاقل المسكين لم يستفد من عقله فيما ينفعه في أُخراه، ولم يقده عقله إلى أبسط أمر وهو طريق الهداية والاستقامة على دين الله، والاستفادة من مواسمه العظيمة.

ما أحرص البعض على وظائفهم وعلى مراكزهم وعلى أموالهم، يفعلون أي شيء من أجل المحافظة عليها. يمكنهم أن يفرطوا في والديهم والبرَ بهما أو حتى الاستغناء عن الإنفاق عليهما في سبيل إرضاء زوجاتهم أو أبنائهم. البعض لا يتردد عن فعل أي شيء إرضاء لمسؤوليه أو اتقاء لمن ينظر إليه من البشر، يحسب حسابه لنظرة الكبار إليه حتى في لباسه والساعة التي في معصمه والحذاء الذي في رجله.

بعضنا يستهين بالمعصية حتى تتتابع المعاصي ويهون أمرها، ولا يدرك صاحبها خطرها، وتتسـرّب واحـدة وراء الأخرى إلى قلبـه، حتى لا يبالي بها، ولا يقدر على مفارقتها ويطلب ما هو أكثر منها، فيضعف في قلبه تعظيم الله وتعظيم حرماته.
وبالتالي يصبح تعظيم الآخرين والخوف من عقابهم لا يقابله أي مراعاة لمن خلق هؤلاء الآخرين ولا يضاهيه أدنى خوف ممن يطلع على السرائر والنيات. وبالتالي تجد المرء يقدم على سائر أموره وأفعاله وأقواله ويغلفها بأعلى درجات الخوف والتردد والاحتياط و... إلى آخره من الأمور التي لا نصيب لمخافة الله فيها .. ها هو رمضان قادم إلينا كفرصة نصحح فيه نظرتنا للحياة، ونعظم من تقرّبنا إلى المولى عز وجل، ولا نجعل من الله أهون الناظرين إلينا.

سانحة:

اللهم بلّغنا رمضان أعواماً عديدة، وأزمنة مديدة، وكل عام وأنتم بخير.