المنافسة في الاقتصاد الرقمي

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٢٩/مايو/٢٠١٧ ٠٤:١٥ ص
المنافسة في

الاقتصاد الرقمي

داليا مارين

يحفر الاقتصاد الرقمي خطوطاً فاصلة جديدة بين رأس المال والعمل، من خلال السماح لشركة واحدة، أو عدد قليل من الشركات، بالاستحواذ على حصة متزايدة الضخامة في السوق. ولأن الشركات «الخارقة النجاح» تعمل على المستوى العالمي، وتهيمن على الأسواق في دول متعددة في وقت واحد، فقد تزايد إلى حد كبير خلال السنوات الخمس عشرة الفائتة فقط، تركيز الأسواق في مختلف اقتصادات مجموعة العشرين المتقدمة والاقتصادات الناشئة الكبرى.

ولمعالجة هذه الظاهرة، ينبغي لمجموعة العشرين أن تعمل على إنشاء شبكة المنافسة العالمية لاستعادة المنافسة ومعالجة التفاوت في الدخل بين رأس المال والعمل. ومع تحول حصة أكبر من إجمالي الدخل إلى رؤوس أموال عبر العديد من دول مجموعة العشرين، فسوف تسعى شبكة المنافسة العالمية إلى عكس اتجاه الانخفاض لحصة العمل في الناتج المحلي الإجمالي.
خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، كان نحو 70%من الناتج المحلي الإجمالي الوطني يذهب إلى دخل العمل، وتذهب النسبة المتبقية (30%) إلى دخل رأس المال. وقد وصف جون ماينارد كينز استقرار حصة العمل باعتباره أمراً أشبه بالمعجزة. ولكن القاعدة تعطلت منذ ذلك الوقت. ففي الفترة بين منتصف ثمانينيات القرن العشرين واليوم، انخفضت حصة العمل في الناتج المحلي الإجمالي العالمي إلى 58%، في حين ارتفعت حصة رأس المال إلى 42%.

في الاقتصاد الرقمي اليوم تدفع قوتان بارزتان الانحدار العالمي في حصة العمل في إجمالي الدخل. القوة الأولى تتمثل في التكنولوجيا الرقمية ذاتها، والتي تنحاز عموماً نحو رأس المال. وكان تقدم علوم الروبوتات، والذكاء الاصطناعي، وتعلم الآلات من الأسباب التي أدت إلى تسارع وتيرة إزاحة الأتمتة (التشغيل الذاتي) للعمال.
أما القوة الثانية فهي أسواق الاقتصاد الرقمي التي ترفع شعار «الفائز يحصد النصيب الأعظم»، والذي أتاح للشركات المهيمنة اكتساب قدرة مفرطة على زيادة الأسعار من دون خسارة العديد من الزبائن. وتدين الشركات الخارقة اليوم مكانتها المتميزة للتأثيرات الشبكية المترتبة على التكنولوجيا الرقمية، والتي بفِعلها يصبح المنتج أكثر جاذبية مع ازدياد عدد مستخدميه. ورغم أن إطلاق منصات البرمجيات والخدمات عبر الإنترنت قد يكون مكلفاً، فإن توسيع هذه المنصات غير مكلف نسبياً. وبالتالي، تستطيع الشركات التي جرى إنشاؤها بالفعل أن تستمر في النمو بالاستعانة بعدد أقل من العمال مقارنة بما كانت تحتاج إليه في الماضي. وتساعد هذه العوامل في تفسير لماذا دَفَع الاقتصاد الرقمي صعود شركات ضخمة ولا تحتاج إلى عدد كبير من العمال، فبمجرد ترسيخ مكانة هذه الشركات وهيمنتها على سوقها المختار، يسمح الاقتصاد الجديد لها بملاحقة تدابير مناهضة للمنافسة والتي تمنع المنافسين الفعليين والمحتملين من تحدي أوضاعها الراسخة. وكما يثبت خبراء الاقتصاد ديفيد أوتور، وديفيد دورن، ولورانس كاتز، وكريستينا باترسون، وجون فان رينين، فإن الصناعات الأمريكية صاحبة التركيز الأسرع نمواً للأسواق شهدت أيضا أكبر انخفاض لحصة العمل في الدخل.
ويُفضي تركيز السوق المتزايد على هذا النحو إلى توسيع الفجوة بين الشركات التي تمتلك الروبوتات (رأس المال) والعمال الذين تحل محلهم الروبوتات (العمل). ولكن مواجهة هذا الأمر تتطلب إعادة اختراع مكافحة الاحتكار في العصر الرقمي. بيد أن السلطات الوطنية المعنية بالمنافسة في دول مجموعة العشرين غير مجهزة بالقدر الكافي في الوضع الراهن لتنظيم الشركات التي تعمل على المستوى العالمي.
وعلاوة على ذلك، لا تستطيع مجموعة العشرين أن تثق ببساطة في أن المنافسة العالمية قادرة بنفسها على تصحيح الميل نحو تركيز السوق المتزايد. فكما أثبت أندرو برنارد للولايات المتحدة، وكما أظهر تييري ماير وجيانماركو أوتافيانو لأوروبا، تحابي التجارة الدولية الشركات الخارقة الكبرى. والواقع أن العولمة ربما توفر المزايا للشركات الأكبر والأكثر إنتاجية في كل صناعة، فيؤدي هذا إلى توسعها ــ وإرغام الشركات الأصغر حجما والأقل إنتاجاً على الخروج من السوق. ونتيجة لهذا، تصبح الصناعات خاضعة على نحو متزايد لهيمنة الشركات الخارقة مع حصة متدنية من العمل في القيمة المضافة.

رئيسة قسم الاقتصاد الدولي في جامعة ميونيخ