الدرس القاسي..

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٣٠/مايو/٢٠١٧ ٠٤:٣٥ ص
الدرس القاسي..

لميس ضيف

لساعات طوال؛ وقف الطفل يستجدي المارة في لبنان أن يعطوه ما يدفئ به جسده النحيل. ولساعات تجاهلوه بمن فيهم قس وراهبة مرت به ونهرته!

كان هذا مشهد من مشاهد برنامج الصدمة، الذي يعكس قبح وجمال الأخلاق العربية بعيداً عن المزايدات والنفاق الذي أصبح عباءة لا تفارق شعوبنا. تابعت هذه المشاهد وأنا أغلي غضبا؛ ثم ما لبثت أن تذكرت موقفاً آخر جعلني أوجه غضبي هذا.. لنفسي!

كنت قد كتبت قبل أشهر محذرةً الناس من نساء منقبات من بلد عربي منكوب يطلبون توصيلة في الشوارع وهن يتأبطن أطفالاً ثم يستعطفون من يُقلهن لطلب أموال تقل/‏‏ تكثر حسب رؤيتهن للشخص الذي يتعاملن معه.
وقعت ضحية هؤلاء مرتين. حتى انكشف المستور بسبب تطابق الروايات وغرابة المواقع التي طلبن توصيلهن لها وحقيقة أنهن لا يقبلن تحويلات بنكية «رغم كونهاً عرضاً مغرياً» ويصررن على طلب أموال نقدية «كاش» وتفاصيل أخرى تُغيب العاطفة الجياشة تفاصيلها إلى أن يكون الأوان قد فات.

حسناً؛ مباشرة بعد هاذين الموقفين، اللذان راكمتهما على حوادث أخرى وقعت فيها ضحية للنصب، أوقفتني إمرأة وأنا خارج السلطنة، وكانت تطلب المساعدة في أجرة تاكسي لموقعها مدعيةً أنها لا تملك ما يكفي! ولأن طلب مبالغ صغيرة – عادةً – ما يكون بوابةً لطلب مبالغ أكبر ابتسمت في وجهها وكأني أقول لها «كشفتك» وأنا أمضي في طريقي. استغرقت دقائق لأدرك/‏‏ أستوعب فداحة فعلتي وخطئي. فقد تكون هذه المرأة صادقة وسط قوافل الكذابين. وقد تكون في حاجة حقيقية ولكني أخذتها بذنب سواها! قرصني ضميري فعدت أدراجي أبحث عنها ولكني لم أجدها. فقد كانت خطواتها على ما يبدو أسرع من سياط ضميري!

أعتقد أن ما أود قوله هو أن قلوبنا -كعرب- جُبلت على الرحمة والعطف وحب الخير. ولكن تراكم التجارب السيئة جعلتنا نفقد الثقة في أنفسنا – ناهيك عن سوانا – فقست قلوبنا وتحجرت ضمائرنا وما عدنا نميّز الخبيث من الطيب.
إن الدرس الذي يجب أن نتعلمه هنا. هو أن إنسانيتنا تبدو قبيحة جداً عندما نتجاهل من يسألنا حاجةً أيا كانت. وربما علينا أن نُؤثر أن نكون حمقى ومغفلين -بل وضحايا- على أن نكون قساة القلب نرّد السائل ولا نُغيث الملهوف.

lameesdhaif@gmail.com