فيضان رقمي في الشرق الأوسط

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ١٩/يونيو/٢٠١٧ ٠٤:٥٠ ص
فيضان رقمي في الشرق الأوسط

باميلا كسرواني

خلال السنوات الأخيرة، ظهر جلياً الاهتمام الذي توليه حكومات المنطقة العربية لريادة الأعمال الرقمية والابتكار، مصطلحات باتت تتصدر وسائل الإعلام وتتصدر عددا كبيرا من الفعاليات لاســيما بفضــل سعي هذه الحكومات المتواصـــل لدمجها في استراتيجيتها الاقتصادية.

في هذا الصدد، رأت العديد من المبادرات الجديدة النور لاسيما العام الفائت على غرار إطلاق الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة في المملكة العربية السعودية ومسرعات دبي المستقبل في الإمارات العربية المتحدة والإعلان عن تمويل حكومي بقيمة 300 مليون دولار من قبل الشركة العمانية لتطوير الابتكار وصندوق التكنولوجيا العماني في السلطنة.
هذه بعض من المبادرات الجديدة التي أتت لتنضم إلى مبادرات أخرى من أجل ضخّ الملايين من الدولارات في برامج تهدف إلى تحفيز نمو الشركات الناشئة والاستثمار. ولا بد من الإشارة إلى أن العام 2016 يُعد عاماً قياسياً بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من حيث تمويل الشركات الناشئة التي تعمل في مجال التكنولوجيا. فتمّ إطلاق أكثر من 30 مركز استثمار جديدا، واستثمار أكثر من 900 مليون دولار في العام 2016 فقط، أي أكثر من قيمة كل الاستثمارات التي أجُريت بين 2013 و2015.
وما زالت التجارة الإلكترونية تُهيمن على المشهد الاستثماري إلا أن مجالات جديدة بدأت تنال أيضاً اهتمام المستثمرين بما فيها التكنولوجيا الصحية والتكنولوجيا المالية، وإنترنت الأشياء والأجهزة الذكية.
وفي خطوة لتقييم هذا المشهد الاستثماري، أطلقت عرب نت بالشراكة مع مؤسسة محمد بن راشد لتنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة النسخة الثانية من تقرير «الاستثمارات الرقمية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا»، الذي يشمل لمحة موجزة عن تحليل شامل للمستثمرين والاستثمارات في الشركات الناشئة التقنية في المنطقة. وتغطي هذه النسخة من التقرير أكثر من 150 مؤسسة تمويل و760 صفقة تمّ عقدها بين عامي 2013 و2016 وتحلّل الاتّجاهات الناشطة على أساس سنويّ.
ولكن، قبل الغوص في تفاصيل هذا التقرير، لا بد من التوقف عند اتجاهات التمول العالمية. وهنا، يظهر جلياً انخفاض نشاط رأس المال المغامر في جميع أنحاء العالم بنسبة 24 % ليبلغ عدد الصفقات التي عقدت 13.665 صفقة فقط، في حين شهد العام 2016 استثمارا كبيرا لإجمالي رأس المال المغامر بلغ 127.4 بليون دولار على مستوى العالم. وتبدو قيمة الاستثمارات جيّدة نسبيًّا مقارنةً بالسنوات الفائتة إذ وصلت إلى ما يقارب ضعف إجمالي الاستثمار العالمي في رأس المال المغامر الذي شهده العام 2013 مع انخفاض بنسبة 10 % فقط في قيمة الاستثمارات على أساس سنويّ. ولكنّ الانخفاض الكبير في عدد الصفقات يشير إلى أنّ العام 2016 كان عاما صعبا على استثمارات رأس المال المغامر.
ومع ذلك، تبقى التوقّعات إيجابية للعام 2017 مع الإعلان عن أموال جديدة وموسّعة، بما في ذلك صندوق الاستثمار في تقنيات الواقع الافتراضي والواقع المعزز بقيمة 1.5 بليون دولار من «إتش تي سي» والجهود الجديدة التي تبذلها مايكروسوفت في التركيز على مجال الذكاء الاصطناعي.
خلافاً لواقع الحال في العالم، ازداد عدد المستثمرين في مجال التكنولوجيا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشكلٍ كبير، حيث وصل إلى نحو 30 صندوقا جديدا سنويًّا في العامين الفائتين (2015-2016). وتجذب الإمارات العربية المتحدة 40 % من أصل 30 شركة تمويل تأسّست في العام 2016. ولكن، في الوقت نفسه، تمّ إغلاق 6 صناديق في الفترة التي أنجز فيها البحث.
إنّ ما يقارب نصف مجتمع المستثمرين هم المستثمرون في المرحلة المبكرة. وتمثّل صناديق رأس المال المغامر أكبر مجموعة من المستثمرين الذين يبلغون الثلث (31 %) من المجتمع المحلي. أما مسرعات النمو، فتشكل 23 % تليها صناديق التمويل التأسيسي مع 14 % والمستثمرين الملاك مع 12 %.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن المستثمرين من الشركات وصناديق رأس المال المخاطر كانت القطاعات الأسرع نمواً في مجتمع المستثمرين على مدى السنوات الأربع الفائتة.
ويتركّز مجتمع المستثمرين في ثلاث أسواق رئيسية. وتأتي الإمارات في الصدارة وتواصل نموها تليها السعودية ولبنان حيث حققت هذه الأسواق نمواً من 55 إلى 64 % بين فترة 2013 و2016. في الفترة ذاتها، يبدو أن مهمة الحصول على استثمار في فلسطين ومصر باتت أكثر صعوبة حتى لو أن القاهرة شهدت إطلاق العديد من الصناديق الجديدة التي تضخّ المزيد من رأس المال في الأسواق ما أدى إلى تحسّن طفيف عام 2016.
إذا أردنا أولاً التوقف عند عدد الصفقات المبرمة من حيث الموقع الجغرافي، تبقى الإمارات العربية المتّحدة متقدمة بفارق كبير في ما يخصّ عدد الصفقات لكلّ دولة على مدى السنوات الأربع الفائتة، إذ يصل عدد هذه الصفقات إلى 234 أي ضعف تلك التي تمّ عقدها في الأردن (118) ومصر (101) ولبنان (100) والسعودية (94). أما فلسطين وتونس والمغرب والبحرين، فشهدت ما بين 20 إلى 40 صفقة في الفترة ذاتها.
تستحوذ الإمارات على الحصّة الأكبر من إجمالي الاستثمارات، وذلك لأنّ معظم الشركات في مرحلة النموّ تتّخذ من دبي مقرا لها. وقد تركّز 90 % من كلّ الاستثمارات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في العام 2016 في دولة الإمارات العربية المتّحدة، إذ بلغت استثمارات كريم وسوق.كوم 78 % من الحجم الكلّي للاستثمارات.
وظلّ إجمالي عدد الاستثمارات سنويّا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا متسقاً وتراوح ما بين 200 و220 صفقة كلّ عام منذ العام 2014. إلا أن إجمالي الاستثمارات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا شهد قفزة نوعية بنسبة 70 % في القيمة في العام 2016، ويعود الفضل إلى الجولتين الضخمتين اللتين جمعتهما كلّ من شركة كريم وموقع سوق.كوم.
أما في ما يتعلق بنموذج أعمال الشركات الناشئة التي تحصد أكبر عدد من الاستثمارات، فتبقى الشركات التجارية في الطليعة مع 28 % تليها الشركات الإعلامية (الإعلانات) والبرمجيات التي تشمل ما يقرب من 50 % من جميع الصفقات.
تمثل النساء 13 % من جميع المؤسّسين وفق بيانات العام 2015. بينما تشير بيانات 2016 إلى أنّ التمثيل النسائي بلغ 14 %، أي ما يقارب 1 من 6 من جميع المؤسّسين أو المؤسّسين الشركاء لشركات الأعمال المدعومة من المستثمرين في المنطقة.
وظلّ التوزيع بحسب الجنس بين مؤسسي الشركات الناشئة مستقرا نسبيا بين عامي 2013 و2015 وتراوح بين 10 % إلى 15 %. وكان معدل المؤسِّسات من النساء في الشركات المموّلة عام 2016 أعلى بكثير، إذ بلغ 26 %.
يبقى أن الشركات الناشــئة الرقمية في منطقة الشرق الأوسط نجحت في جذب انتباه إقليمي وعالمي متزايد لاســــيما مع عمل الحكومـــات على دفــع الابتكار قدماً وتزايد عدد الشركات الناشئة وارتفاع شهية المستثمرين.
وقد توصل تقرير «الاستثمارات الرقمية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا» إلى أن الإمارات العربية المتحدة ما زالت في الطليعة من حيث عدد المستثمرين والشركات الناشئة على حد سواء، محافظة على مكانتها كمركز إقليمي للتكنولوجيا والابتكار. ولكن، لا بد أن تُبقي البيئة الحاضنة أعينها مركّزة على لبنان الذي يلقى دعم الاستثمارات المصرفية ويتزايد عدد الصفات فيه من دون أن تنسى المغرب وتونس، إذ ارتفعت قيمة الصفقات المُبرمة على مدار السنوات.

متخصصة في الثقافة والمواضيع الاجتماعية