أحلام ربيع التونسي

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٠٣/يوليو/٢٠١٧ ٠٤:٤٠ ص
أحلام ربيع التونسي

باميلا كسرواني

«القوة لا تأتي من المَقدرة الجسدية، لا بل من الإرادة التي لا تُقهر»، قول شهير قد يختصر مسار الشاب التونسي ربيع بن إبراهيم الذي تحول إلى الرحال «الحالم» الذي يجوب وطنه الأم تونس بحثاً عن أسراره أو يحمله معه في رحلاته لاكتشاف العالم.

لا شك في أن الإرادة والعزيمة حققتا العجائب في حياة هذا الشاب البالغ من العمر 32 عاماً. ويخبرنا: «عشت في حي تونسي حياة كريمة ومتوسطة مع والد كان يخدم في الأمن ويكتب الشعر ويرسم ويعزف على آلة العود فيما الوالدة تهتم بالأمور المنزلية. حياة متوازنة إلا أن أكثر ما أثّر بي وبشخصيتي هو أنني ولِدت، مثل والدي، مع مرض مزمن هو داء الربو». ويتابع: «لم أكن أستطيع الركض أو اللعب مع أصدقائي حتى أن مسيرتي الدراسية تأثرت لأنني كنت أغيب عن المدرسة مرات كثيرة. عانت عائلتي الكثير معي وكانت تظنّ أنني سأعيش مع هذا المرض مدى الحياة».

إلا أن شيئاً ما في داخل ربيع جعله لا يستسلم. وهنا يقول: «عندما بلغت سنّ المراهقة، لا أدري ما حصل، ربما رفضت أن أرضخ للواقع وبدأت أمارس الرياضة. في البداية، كنت أقوم ببعض التمارين في المنزل ثم بدأت أركض وأُضاعف تدريباتي يوماً بعد يوم مبتعداً عن المجتمع وتأثيراته وتعليقاته السلبية وملتجئاً إلى الطبيعة».
ويضيف ربيع: «عندما بدأت أشعر بجسدي، تغيرت أيضاً شخصيتي لأنني تخطّيت نفسي وبدأت أمارس رياضات مختلفة مثل المصارعة والبريك دانس والجمباز. كل عقليتي تغيّرت ولم تعد الحدود موجودة كما اختفى المرض بعد ثلاث أو أربع سنوات من ممارسة الرياضة».
رحلة تحدّي المرض كشفت لربيع عالماً جديداً ألا وهو الطبيعة إذ كان يلجأ إليها أكثر فأكثر مكتشفاً أماكن ومناطق في بلاده كان يجهل وجودها، طبيعة يُمضي أغلب وقته فيها وتحوّلت من أسلوب إلى مشروع حياة، «الحالم».
ولكن، كيف انطلق هذا المشروع؟ يجيب ربيع: «هذا المشروع ولِد لوحده ولم أكن متحكماً به. كنت أبحث عن مغامرات جديدة كلما تسنّت لي الفرصة. أضع حقيبة الظهر وأمضي يومين في الجبل أو أستكشف مكاناً جديداً في كل مرة. كنت دائماً أجد الراحة في الطبيعة لا المدن».
أماكن ومناطق لم يكن يحلم بها أو يعلم بوجودها، ويشرح لنا « في البداية، كانت عائلتي تنزعج من مغامراتي لأنها لم تفهم سبب هذا الاهتمام. ولذلك، بدأت بالتصوير لأريهم ما أكتشف وأشاهد. وعندما لاحظت انبهار وردود أفعال أهلي، قلت لنفسي لا بد أن أشارك ذلك على شبكات التواصل الاجتماعي. واخترت فيسبوك لأن تونس كلها تستخدمه».
ويتابع قائلاً: «حمّلت العديد من الصور عن فصول وأماكن ومغامرات مختلفة. وخلال بضعة أيام، ازدادت لائحة الأصدقاء والرسائل بشكل هائل. كان الوقع كبيراً وأدركت أن التونسيين يحلمون بالسفر إلى أوروبا ولا يتخيلون روعة بلادهم. في الواقع، بلدنا أجمل من العديد من البلدان الأخرى ويتميّز بتنوعه. في الشمال، نجد الجزر العذراء والشواطئ والغابات. وفي الوسط توجد جبال الأطلس والأخاديد، وفي الجنوب تمتد الصحراء. كل هذه المناطق يمكن اكتشافها في أسبوع واحد».
وبالفعل، حصدت صفحة «الحالم» على فيسبوك أكثر من 53 ألف متابع، ما يعتبره ربيع مسؤولية كبيرة قائلاً: «الناس ينتظرونك ويطرحون الأسئلة ويريدون تفاصيل عن كيفية الوصول إلى موقع ما والمتطلبات اللازمة للرحلة. كل صورة أحمّلها، أجد مقابلها 50 سؤالاً على الأقل. وأنا أحاول الإجابة على جميعها بأسرع وقت ممكن».
مهمة صعبة لاسيما أن ربيع يعمل بمفرده حتى الآن. وإذا كان لا يحتاج إلى معدات كثيرة، فحقيبة الظهر والكاميرا كافيتان ليلتقط ما يراه إلا أن الأصعب هو عند عودته من رحلة المغامرات إذ عليه تحميل الصور وتحرير مقاطع الفيديو أو كتابة المقالات ما يتطلب الكثير من الوقت. وهنا يقول: «عندي الكثير من المواد التي لم أجد الوقت بعد لتحميلها. الشغل بدأ يزداد عليّ».
وهكذا تحوّل حب ربيع للمغامرات إلى صفحة على «فيسبوك» يحاول من خلالها أن ينقل ما يراه للناس. واختار اسم «الحالم» لصفحته ليُثبت لكل من قال له «أنت حالم وبعيد عن الواقع» إنهم مخطئون». يقول ربيع: «أعشق هذه المغامرات وأستطيع أن أمضي حياتي كلها وأنا أقوم بها. أريد أن أجذب الناس وأن أعطيهم الدافع ليكتشفوا مناطق جديدة بأنفسهم. أشعر بالرضا عندما أرى أن العقليات تتبدّل وأن الناس لديهم تفاؤل أكبر بالمستقبل وكل واحد منهم يبذل مجهوداً من ناحيته للتغيير».
وبالفعل كان اهتمام الشباب بمغامرات «الحالم» أكبر وتحوّل أيضاً ربيع إلى محاضر إذ تتم دعوته إلى المؤتمرات والبرامج التلفزيونية والجامعات وهو الذي يريد أن ينقل رسالة واضحة هي حب الطبيعة وأهمية اكتشافها والحفاظ عليها. كما أنه يريد أن يُسلط الضوء على التنوّع في المجتمع التونسي، سواء على صعيد الثقافة والطعام وطريقة اللباس واللهجة. بالإضافة إلى ذلك، يريد ربيع المساهمة في الحد من مشكلة التفاوت بين المناطق. ويقول لنا: «أخذت المناطق الساحلية اهتماماً أكبر من المناطق الداخلية لأنها على الشاطئ وتجذب السياح. أريد التقريب بين المناطق وتحقيق التوافق بينها لاسيما أن المناطق الداخلية فيها الكثير من الطبيعة والجبال والغابات والكهوف وتستطيع أن تدفع العجلة الاقتصادية».
بعض المناطق التونسية منسية حتى من أبناء البلد. ويضرب «الحالم» مثالاً بجزيرة جالطة، شمال البلاد قائلاً «لم أكن أعرف أن هناك دلافين في تونس. ويُضاهي جمال هذه الجزيرة أشهر جزر العالم كما أن الحياة المائية غنية جداً». يريد ربيع أن يكشف هذه المناطق للتونسيين والعالم وإنما أيضاً أن يُسلط الضوء على أهمية الحفاظ على أصالة هذه الأماكن ونمط الحياة فيها.
إلا أن «الحالم» لم يكتفِ بالكشف عن أجمل المناطق في تونس لا بل وسّع آفاقه ليكتشف العالم من خلال مشروع جديد أطلقه بعنوان «باسم تونس». وعنه يقول: «تزوجت منذ سنة وقررنا أنا وزوجتي أننا سنستقرّ في كل قارة نحب اكتشافها. نحن الآن نعيش في ألمانيا ونسعى لاكتشاف أوروبا. حصلنا على وظائف يومية في حين نستغلّ أوقات فراغنا لاكتشاف المناطق المجاورة».
وخلال هذه الرحلات، يحمل «الحالم» دائماً معَه العلم التونسي ليعود محمّلاً بالقِصص والمغامرات التي يشاركها مع متابعيه بعيون مختلفة.
مع نصفه الآخر، جعل من حبه للطبيعة والثقافات الجديدة نمط حياة إلا أنه يبحث عمن يدعمه ليركّز أكثر على ما يقوم به من دون الحاجة إلى الاهتمام بالتفاصيل اللوجستية والمادية اليومية.
حتى الآن، نجح ربيع بتحقيق بعض ما يحلم به وما زال يبحث عن سبل لتحقيق المزيد. ويطلعنا «أريد أن أعدّ فيلماً وثائقياً عن تونس إضافة إلى أن أصبح عالمياً وأن أؤثر بالعالم كله ليقدّروا أكثر الطبيعة وكل ما نملكه الآن». ويتابع «أحاول أن أنقل هذه الرسالة وأعطي صورة أخرى عن العالم العربي وأن أقرب المسافات بين الشعوب والثقافات. ففي تنزانيا، على سبيل المثال، التقيت بأناس مثلنا ولديهم طريقة عيش قريبة منا. حتى أن الفكرة التي كانت لدي عن ألمانيا أو جنوب أفريقيا تغيرت لأن الصورة المنقولة ليست دائماً الصحيحة. أريد أن أنقل رسالة سلام وحب الحياة لأن لا فرق بين تونسي أو ألماني أو أمريكي».
لا يشعر ربيع بالعجلة من أمره، هو الذي يعتبر أن لديه كل الوقت لتحقيق أحلامه الفائتة وبناء أحلام جديدة. إلا أنه يشدد على أهمية هذه المغامرات في حياته قائلاً: «لم أعد أهتم باقتناء سيارة أو منزل أو بالأحلام التي يزرعونها في أنفسنا طوال حياتنا كأننا مربعات إذ يجب على المرء أن يكون طبيباً أو مهندساً. أصبحت أقدّر أبسط الأمور. عندما أتناول الطعام مثلاً، أستمتع بكل لقمة وعندما أمشي على الأرض، أحس بها».
ويضيف: «كل إنسان فريد بتفكيره أو بالظروف التي يعيشها أو بالمهمة التي يريدها. على كل منا أن يبحث في داخله عما يعتبره استثنائياً وأن يناضل من أجله ولا يستسلم. أنا وجدت أن المغامرات في الطبيعة هي أهم شيء في حياتي وكل يوم أكتشف نفسي. لا أسافر حول العالم لا بل في داخلي. تعلمت كثيراً لأنني آمنت بما أقوم به وصادفت أناساً جعلوني أواصل ما أقوم به من خلال متابعتهم لي ورسائلهم».

متخصصة في الثقافة والمواضيع الاجتماعية