هل تتبلور عقيدة ترامب؟

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١٢/يوليو/٢٠١٧ ٠٤:١٧ ص
هل تتبلور عقيدة ترامب؟

مايكل جيه. بوسكين

يختلف نهج إدارة الصفقــات الذي يتبناه الرئيس الأمريكي دونالد ترامـــب فـــي التعامل مع الاتفاقيات المتعددة الجنسيات تمام الاختلاف عن نهج سابقيـــه. ففي حين كان الرؤساء السابقون ينظرون إلـــى الاتفاقيات الدولية في إطار الاستراتيجية التجـارية الأمنية الأمريكية الأوسع، ينظر ترامب إليها بمعزل. فهو يرى أن العديد من الاتفاقيات التي وقعت عليها الولايات المتحدة جرى التفاوض عليها بشكل رديء، أو أنها مرهقة بشكل مفرط، أو أصبحت عتيقة وغير مناسبة لظروف اقتصادية وأمنية متغيرة.

عندما تولى منصبه، سحب ترامب الولايات المتحدة من الشراكة عبر المحيط الهادئ، وهي اتفاقية أبرمت بين 12 دولة مطلة على المحيط الهادئ والتي كانت لتوجد أكبر منطقة تجارة حرة في العالَم. ولكنه يقول إنه يعتزم التفاوض على معاهدات ثنائية مع هذه الدول ودول أخرى. فبعد أن استمع إلى زعيمي كندا والمكسيك، اختار «إعادة التفاوض» على اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية، بدلا من إسقاطها تماما، كما وَعَد خلال حملته الانتخابية.

ومؤخراً، في أول جولة رئاسية يقوم بها إلى الخارج، اتخذ ترامب بعض الخطوات الأولى الجيدة في الشرق الأوسط. ولكن في خطابه أمام قادة منظمة حلف شمال الأطلسي، أزال سطراً كان ليؤكد صراحة على التزام الولايات المتحدة بالدفاع الجماعي بموجب المادة 5 من معاهدة شمال الأطلسي، الأمر الذي أزعج الحلفاء، بل وحتى بعض كبار مستشاريه. (في وقت لاحق، أعرب أخيراً عن تأييده للفقرة).
لكي نفهم نهج الرئيس ينبغي لنا أن نتجاوز السيرك الإعلامي الضحل المحيط بكل تغريده من تغريداته. وبدلاً من ذلك، يتعين علينا أن ننظر إلى تحليل ترامب ذاته للاتفاقات القائمة في سياق نظرته لقضايا مثل الأمن الوطني ووظائف ودخول الطبقة العاملة.
ولنتأمل هنا القرار الذي اتخذه ترامب مؤخراً بسحب الولايات المتحدة من اتفاق باريس للمناخ، والذي استُقبِل بإدانة واسعة النطاق من جانب القادة الأجانب، وحماة البيئة، والعديد من المسؤولين التنفيذيين، الذين شجبوا جميعاً انسحاب أمريكا من القيادة العالمية.
الواقع أنني لا أتعاطف كثيراً مع المتطرفين على جانبي هذه القضية: أولئك الذين يتصورون أن الانحباس الحراري العالمي مجرد خدعة، وهؤلاء الذين يستخدمون المخاوف من معركة فاصلة وشيكة للدفع في سبيل فرض تنظيمات حكومية غليظة خرقاء للاقتصاد. وقد يتفق أغلبنا على أننا ينبغي لنا أن نستعين بمجموعة واقعية من السياسات في التصدي لمخاطر جسيمة محتملة ناجمة عن تغير المناخ بمرور الوقت، وبتكلفة معقولة.
من جانبه، كان اتفاق باريس للمناخ ليخلف تأثيراً ضئيلاً على المناخ، حتى لو امتثلت كل دولة فعليا لأهداف غير ملزمة لخفض الانبعاثات تحددها لنفسها. فمن الممكن أن تستمر الدول الكبيرة التي تستخدم الفحم كوقود مثل الصين والهند في إطلاق الغازات المسببة للانحباس الحراري الكوكبي حتى العام 2030، وهو ما من شأنه أن يضعف أي انخفاض صاف في الانبعاثات العالمية. والأمر الأسوأ من ذلك هو أن تكاليف هذا التحول في الدول النامية ستقع على عاتق الدول المنتجة للفحم في الاقتصادات المتقدمة وقطاعات التصنيع الكثيفة الاستخدام للطاقة، وسوف تعوض مصادر الطاقة المتجددة المدعومة بكثافة جزئياً فقط عن هذه التكاليف.
في العقد الفائت، خفضت الولايات المتحدة من انبعاثاتها الغازية أكثر من أي دولة أخرى، لأن ثورة التكسير الهيدرولي (المائي) سمحت للغاز الطبيعي غير المكلف بالحلول محل الفحم في توليد الكهرباء، في حين منعت ردود فعل عكسية على جانب الأسعار ضد مصادر الطاقة المتجددة. وسوف يستمر هذا الاتجاه في المستقبل المنظور. وبينما تبدأ دول أخرى في التخلص التدريجي من الفحم بإنتاج أو استيراد الغاز الطبيعي النظيف الرخيص، فسوف تخفض هي أيضا من انبعاثاتها الغازية الضارة.
في الأمد البعيد، تتلخص الطريقة الوحيدة للحد من المشاكل الخطيرة المرتبطة بالمناخ في تطوير استراتيجيات تكيف أفضل، وتكنولوجيات احتجاز وعزل الكربون، ومصادر الطاقة المتجددة التي يمكن إنتاج الطاقة منها بكميات كبيرة من دون إعانات دعم حكومية. ورغم أن التكاليف التجارية لإنتاج طاقة الرياح والطاقة الشمسية تتجه نحو الانخفاض، فإن هذه التكنولوجيات تظل في احتياج إلى إعانات دعم كبيرة وتفويضات استخدام تمثل أقل من 3% من إنتاج الطاقة العالمي.
وبموجب اتفاق باريس، يفترض أن تقدم الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغنية 100 بليون دولار أمريكي كل عام لدعم أنظمة الطاقة النظيفة في الدول النامية، بما في ذلك العديد من الدول التي لم نعد نعتبرها فقيرة. وإذا كان لنا أن نسترشد بالتاريخ، فسوف يجري تحويل حصة كبيرة من هذه المساهمات إلى أغراض أخرى، أو إلى جيوب مسؤولين فاسدين. وعلاوة على ذلك، لم يكن من المرجح في أي وقت أن يخصص الكونجرس الأمريكي مثل هذه الأموال في المقام الأول، بصرف النظر عن قرار ترامب.
الواقع أن رئيس الولايات المتحدة الأسبق باراك أوباما استحضر سلطته التنفيذية المنفردة للتوقيع على اتفاق باريس (كما فعل مع الاتفاق النووي مع إيران). وفي حين كانت التوجيهات الرئاسية السابقة قابلة للإلغاء، سواء على الفور أو في غضون فترة زمنية قصيرة للغاية، فإن الالتزام الذي قطعه أوباما على نفسه بموجب اتفاق باريس ينطوي على عملية انسحاب مدتها أربع سنوات وملزمة لخليفته. وربما لم يكن هذا التوسع الجذري في صلاحيات السلطة التنفيذية ليصمد في وجه الطعن القانوني.
بعبارة أكثر تحديداً، كان اتفاق باريس معاهدة، وكان من الواجب بالتالي أن يذهب إلى مجلس الشيوخ الأمريكي للتصديق عليه، وكان هذا ليتطلب أغلبية الثلثين. والواقع أن حكومات أخرى انضمت إلى الاتفاق تقدمه الآن إلى هيئاتها التشريعية للتصديق عليه بوصفه معاهدة.
من هذا المنظور، يجدر بنا أن نتذكر أن الرئيس الأمريكي الأسبق بِل كلينتون لم يعرض بروتوكول كيوتو على مجلس الشيوخ قط، خاصة وأن 95 عضواً في مجلس الشيوخ وقعوا على قرار ضد البروتوكول. ولهذا، عندما انسحب الرئيس جورج دبليو بوش الولايات المتحدة من بروتوكول كيوتو، اعتمد على نفس الحجة التي يسوقها ترامب الآن لسحب الولايات المتحدة من اتفاق باريس.
ومع ذلك، كان من الأفضل لو بقيت الولايات المتحدة في اتفاق باريس، لأن الاحتفاظ بمقعد على الطاولة كان ليعطي أمريكا قدرا أكبر من القدرة على التأثير على التزامات واتفاقيات المستقبل، بما ذلك ما يتصل بقضايا أخرى. وكان بوسع ترامب أن يضبط هدف الانبعاثات «المحدد وطنيا» للولايات المتحدة والتزاماتها المالية، وربما كان هذا ليزيد حتى من فرص تصديق مجلس الشيوخ على اتفاق باريس.
يرى ترامب في نفسه خبيراً بارعاً في عقد الصفقات. ولكن يتبقى لنا أن نرى ما إذا كانت استراتيجية إعادة التفاوض أو الانسحاب من الاتفاقيات الفردية لتثبت فعاليتها، وما إذا كانت ستعزز الاستقرار العالمي أو تلحق به الضرر. وإذا لم تسفر المقامرة التي يخوضها، من اتفاق إلى آخر، عن نتائج عكسية، فربما تحدد معالم عقيدة جديدة في فهم الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة في العالَم ــ على الأقل في نظر قاعدة ترامب من الناخبين الساخطين المنتمين إلى الطبقة العاملة.

أستاذ الاقتصاد في جامعة ستانفورد، وكبير زملاء مؤسسة هوفر