الشرق الأوسط يتعثر مع ترامب

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٠٣/أغسطس/٢٠١٧ ٠٤:٥٠ ص
الشرق الأوسط يتعثر مع ترامب

كريستوفر هِل

قبل بضعة أيام، اكتملت ستة أشهر من رئاسة دونالد ترامب، ويذكرنا هذا ليس فقط بضآلة إنجازات إدارته محليا، بل وأيضا بمدى ارتباك سياسته الخارجية التي أوجدت مشهدا جيوسياسيا عامرا بالقنابل الموقوتة. وفي الشرق الأوسط، تتجلى بالقدر الأكبر من الوضوح العواقب المترتبة على عجز ترامب الذي يكاد يكون متعمدا في فهم المشاكل المعقدة، وهوسه بمحو إرث سلفه باراك أوباما.

ولنتأمل هنا القرار الذي اتخذه ترامب في أبريل بإطلاق صواريخ كروز على قاعدة الشعيرات الجوية في سوريا، ردا على (مزاعم) استخدام نظام بشار الأسد للأسلحة الكيميائية. فبعيــدا عـــن إيماءة غيـــر مقنعة للإنسانية، يبدو أن الأساس المنطقي الوحيـــد وراء قرار ترامب باستخدام القدرات العسكرية الأمريكية هو أن أوباما -بعد «الخط الأحمــر» الشهير الذي رسمه ضد استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا- لم يرد عسكريا على الهجوم الكيميائي الذي شنه نظام الأسد على الغوطة في العام 2013.

لكن ترامب لم يُظهِر اهتماما كبيرا باتباع الهجوم العسكري بالدبلوماسية. ثم في وقت فائت من هذا الشهر في قمة مجموعة العشرين في هامبورج بألمانيا، أشار إلى أن الولايات المتحدة ربما تنضم إلى روسيا على نحو أو آخر في فرض وقف إطلاق النار في جنوب غرب سوريا، وهو ما قد يخدم كنموذج لأجزاء أخرى من البلاد، فيمهد الساحة بالتالي لعملية سلام في نهاية المطاف.
لا أحد يتمتع ولو حتى بفهم سطحي للموقف في سوريا قد يتصـــور أن عمليـــة الســلام ربما تنشأ عن وقف إقليمي لإطلاق النار. كانت حكومة الأســـد تستعين بالحلفاء -حزب الله اللبنانـــي، وإيــران، وروسيا، بل وحتى تركيا (فــي بعـــض الجـــوانب)- للقتال نيابـــة عنهـــا لسنوات. وعلى النقيض من ذلك، لم تتلق المعارضـــة السورية سوى مساعدات متقطعة، وما زالت مجزأة كما كانت عندما بدأت الحرب الأهلية.
لا أحد يعلم ماذا يدور في خلد ترامب عندما يتعلق الأمر بحدود سوريا أو حكمها في المستقبل. فهل تحظى حقوق الأقليات بالحماية في دولة منقسمة، حيث مؤسسات المجتمع المدني قليلة، وحيث تنتشر المجموعات العِرقية والدينية بكثرة؟ وماذا عن الحدود؟ إذا كان العالَم تعلم أي شيء من تجربة العراق، فهو أن الديمقراطية تتطلب مؤسسات صامدة وحكم فعّال، وليس مجرد انتخابات.
كان هدف إدارة أوباما في سوريا يتلخص في تحديد الجماعات المتمردة الراغبة في محاربة الأسد ومساعدتها. وعلى النقيض من ذلك، أوقفت إدارة ترامب المساعدات العسكرية لجماعات المعارضة المعتدلة تماما، بعد أن استنتجت فيما يبدو أن مثل هذه القوى لا وجود لها. وقد قدمت دعما ضمنيا لمحادثات السلام في أستانا في كازاخستان، والتي توسطت فيها إيران وتركيا وروسيا. ولكنها لم تُبد أي إشارة إلى أنها قد تتولى زمام المبادرة فتطرح عملية سلام من جانبها، أو تحاول حتى التأثير على المداولات الجارية في أستانا.
وبالحكم استنادا إلى الأشهر الستة الأول في المنصب، يستطيع المرء أن يفترض بقدر كبير من الثقة أن الأسد سيبقى في السلطة في الوقت الحاضر. ويبدو أن ترامب يواجه نفس المشكلة التي واجهت أوباما عندما حاول أن يشرح للشعب الأمريكي أن النظام في سوريا من شأنه أن يساعد في إيقاع الهزيمة بالجماعات المتطرفة مثل (داعش). وكما يخشى العديـــد مــن السوريين بحق، فإن إبعاد الأسد فــي غياب أي فكرة واضحة حول ترتيبات المستقبل ربما يمهـــد الطـــريق لنشـــوء نــوع جديد «دولة» متطرفة.
الواقع أن التطرف الديني ظاهرة شرق أوسطية إلى حد كبير. وهو ليس ببساطة نتيجة لأنظمة جائرة في دول بعينها، ولن يختفي فجأة إذا اختفت هذه الأنظمة. فقد أوجد تنظيم (داعش) لنفسه مواطئ قدم أخرى في المنطقة ربما تكون بعيدة بُعد المغرب العربي. وبعيدا عن سوريا، يفضل ترامب أن يكون كبير الخيال. ففي شهر مايو، عندما حضر اجتماع مجلس التعاون الخليجي في الرياض، امتدح المملكة العربية السعودية باعتبارها الحليف الأكبر لأمريكا في المنطقة. ونظرا لخلافاتهم مع إدارتي أوباما وجورج دبليو بوش، كان السعوديون متلهفين على صديق جديد في البيت الأبيض، وقد استقبلوا ترامب بتزيين شوارع الرياض بملصقات ضخمة لوجهه.
خلال مداولات مجلس التعاون الخليجي، أجمع الكل على اعتبار إيران السبب الأصلي لكل المشاكل في المنطقة (برغم أن السعوديين وجهوا الدعوة إلى العراق، الذي يوحي غالبا بأنه ليس سوى وكيل إيراني). ومن المؤكد أن هذا الخطاب المناهض لإيران كان متماشيا مع خطاب ترامب. ولكن يبدو أن احتضان ترامب للمملكة العربية السعودية يستند أيضا إلى ما هو أبعد من مجرد إيران.
ينظر العديد من مؤيدي ترامب إلى المملكة العربية السعودية باعتبارها العنصر المفقود في السلام الإسرائيلي الفلسطيني. إذ يفرض السعوديون نفوذا ماليا على فتح، الحزب الفلسطيني الحاكم في الضفة الغربية، وهم منفتحون على تهميش حماس، التي تحكم غزة. وتتلقى حماس الدعم من جماعة الإخوان المسلمين،
إذا كان ترامب يعتزم وضع بصمته على الشرق الأوسط حقا، فربما يُحسِن صنعا إذا وضع التعقيدات التي تتسم بها المنطقة في الحسبان، ولم يتصرف وكأنه ما زال يخوض حملة انتخابية ضد أوباما أو هيلاري كلينتون. وفي إعادة صياغة لمقولة أبقراط نستطيع أن نقول: المبدأ الأول للدبلوماسية هو عدم إحداث المزيد من الضرر.

مساعد وزير الخارجية الأمريكي السابق لشؤون شرق آسيا

وعميد كلية كوربل للدراسات الدولية في جامعة دنفر