العاملون الإنسانيون في أفريقيا

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٠٩/أغسطس/٢٠١٧ ٠٤:٤٥ ص
العاملون الإنسانيون في أفريقيا

فاتوماتا نافو تراوري

إن حجم المعاناة الإنسانية التي تجتاح الصومال المبتلاة بالجفاف حاليا يكاد لا يوصف. فمن الصعب أن نجد الكلمات المعبرة عن الدمار والبؤس اللذين يمسكان بتلابيب هذا البلد الذي يمر الآن بفترة مطولة من أدنى معدلات هطول الأمطار على الإطلاق. وقد شاهدت قطعان مهزولة من الماشية تسقط بلا حياة على الأرض، وكنت حاضرة عندما تبخر مستقبل الناس أمام أعينهم.

ولكن إذا لم يكن بوسع الكلمات أن تصف حجم الأزمة، فإنها قادرة على الأقل على توجيه استجابة العالَم. وفي هذا الصدد، اسمحوا لي بتحري الوضوح التام: فما لم يعمل المجتمع الدولي على إجراء إصلاح شامل لنهجه في تسليم المساعدات في أفريقيا، فسوف تستمر دورة المعاناة بلا نهاية.

الواقع أن كارثة الصومال الحالية ليست فريدة من نوعها. فالملايين من الأفارقة، في أكثر من عشرة بلدان، يواجهون معاناة مماثلة، حيث يؤدي الحصاد الفاشل والصراعات المستمرة إلى تفاقم حالة انعدام الأمن الغذائي. وتشير بعض التقديرات إلى أن المزارعين في شرق أفريقيا فقدوا ما يصل إلى 60% من مواشيهم ــ مصدرهم الرئيسي للدخل ــ في النصف الأول من العام 2017. وفي مواجهة هذه المشاق المربكة، أشعر بقدر من الغضب أعظم مما أشعر به من الحزن.
وينبغي للعالَم أن يكون غاضبا أيضا. فقد حُرِم العديد من الناس الفخورين الأشراف من سبل عيشهم واضطروا إلى الاعتماد على وجبة واحدة ضئيلة يوميا، أو لا شيء على الإطلاق. والأسوأ من هذا أن تجنب هذه المآسي كان في حكم الممكن؛ إذ أننا كنا نعلم بقدوم هذه الأزمات.
الواقع أن الجفاف والجوع من الكوارث التي تتقدم ببطء، ويمكن تجنبها بالتخطيط الكفؤ والموارد الكافية. ولكن مرة تلو الأخرى، كانت المساعدات الإنسانية تأتي إلى أفريقيا منقوصة، كما حدث في الصومال في الفترة 2011-2012؛ وفي النيجر في العام 2005؛ وفي إثيوبيا خلال ثمانينيات القرن العشرين. وآنذاك، كما هي الحال الآن، كان انعدام الأمن الغذائي متوقعا لفترة طويلة قبل أن يشعر الناس بأولى قرصات الجوع. ولكن التحذيرات لم تُسفِر عن استجابة عالمية فعّالة.
وبوصفي طبيبة بشرية أدرك حقا كيف يؤثر الجوع، وسوء التغذية، والكوليرا، وغير ذلك من الأمراض المرتبطة بالجفاف على الأفارقة، وخاصة صِغار الأطفال والأمهات المرضعات والحوامل. ومن الممكن أن يخلف الجوع تأثيرات خطيرة على الصحة البدنية والذهنية ربما تكون غير قابلة للعلاج، وكثيرا ما تُبقي الناس حبيسي حياة كاملة من الفقر. ويتعين علينا أن نغير هذا المسار، قبل اندلاع الأزمة التالية، من خلال تحويل الغضب إلى عمل. بادئ ذي بدء، يتعين على مجتمع المساعدات أن يتبنى نهجا أكثر ذكاءً في استجلاب وتخصيص الموارد مثل الغذاء والتمويل. كانت المنظمات الإنسانية كتلك التي أتولى إدارتها تعمل دوما بالاستعانة بموارد بشرية ومالية محدودة، وكان المنتظر منها أن تقوم بالمزيد من العمل بموارد أقل. لكن ألم يحن الوقت للقيام بالمزيد من العمل بالاستعانة بموارد أكثر؟ تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن الصومال، ونيجيريا، واليمن، وجنوب السودان سوف تحتاج إلى ما مجموعه 6.3 مليار دولار هذا العام لتجنب المجاعة على نطاق واسع. وحتى الآن، بعد انقضاء نصف العام، لم يُجمَع سوى ثلث هذا المبلغ.
فضلا عن ذلك، وربما الأمر الأكثر أهمية، يتعين على منظمات المساعدات الدولية أن تعيد النظر في الكيفية التي تعمل بها. فمن الواجب عليها أن تزيد من التأكيد على بناء حلول دائمة، وهذا يعني العمل بشكل أوثق مع الشركاء المحليين على الأرض. وهذه ليست فكرة جديدة، ولكنها حل لم يُعمَل به بعد.
تتمتع الأطراف الفاعلة المحلية بوضع أفضل يسمح لها بالوصول إلى أكثر الفئات ضعفا وتهميشا في أي مجتمع محلي. وتُعَد الجهات الفاعلة المحلية القوية عنصرا بالغ الأهمية لإدامة الخدمات لفترة طويلة بعد أن تحول وكالات المعونة المتعددة الجنسيات انتباهها إلى أماكن أخرى. وكل ما تحتاج إليه المكونات المحلية هو الموارد والقدرة على قيادة الجهود في هذا الصدد.
من المؤسف في لحظتنا هذه أن جزءا ضئيلا فقط من تمويل الطوارئ الدولي يذهب مباشرة إلى الوكالات المحلية. وما يزيد الطين بلة قلة الدعم المخصص المتاح لإعانة المنظمات المحلية على النمو والنضج. وبسبب أوجه القصور هذه، كثيرا ما تجد المنظمات المتعددة الجنسيات صعوبة في تسليم المسؤوليات إلى الجهات المحلية بمجرد تلبية الاحتياجات الأكثر إلحاحا.
عندما يلقى المستجيبون المحليون الدعم في أدوار قيادية، تتحقق نتائج غير عادية. ففي الصومال على سبيل المثال، أنشأت جمعية الهلال الأحمر الصومالي العشرات من العيادات الصحية المتنقلة القادرة على خدمة بعض السكان الأكثر ضعفا في البلاد. وقد ساعد الهلال الأحمر، الذي يعمل في مناطق عدم الاستقرار والعنف التي كثيرا ما تكون خارج نطاق الخدمات الصحية الحكومية، في الحد من شدة الحالات الطارئة من سوء التغذية والكوليرا.
وأفضل ما في الأمر أن القدرات المحلية تظل قائمة حتى بعد انحسار مثل هذه الطوارئ. فبفضل ما تقدمه منظمتي وغيرها من المنظمات من تمويل وتدريب، يستطيع الهلال الأحمر الصومالي الآن أن يوفر، على أساس مستمر، دعم صحة الأم والطفل، وبرامج التلقيح، والعيادات الخارجية، وغير ذلك من أشكال الرعاية الصحية المجتمعية. وهذا مجرد مثال واحد للدور الإيجابي الذي تستطيع الجهات الفاعلة الإنسانية المحلية أن تلعبه عندما يجري تمكينها بشكل كامل.
لن يكون تغيير نموذج العمل الإنساني العالمي بالمهمة السهلة؛ ولم يكن أي تغيير على مثل هذا النطاق سهلا قَط. ولكن البديل ــ حلقة لا نهاية لها من الجوع، والمرض، والوفيات التي يمكن منعها ــ غير مقبول. إن معاناة أفريقيا تجعل كثيرين عاجزين عن الكلام؛ ولهذا السبب لابد أن تتحدث عنا أعمالنا بصوت أعلى من كلماتنا.

المديرة الإقليمية للاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر في أفريقيا.