رحلة أمازون الجديدة

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٢١/أغسطس/٢٠١٧ ٠٤:٠٤ ص
رحلة أمازون الجديدة

أدريان بريدجوتر

تقول أسطورة شعبية متداولة أن نابليون بونابرت إمبراطور فرنسا في القرن الثامن عشر وصف الإنجليز ذات مرة – حاطاً من قدرهم – بأنهم «أمة من أصحاب المتاجر». وبالطبع لم يكن بونابرت مصيباً في وصفه، إذ إن العرب كانوا دائماً هم أصحاب المتاجر الذين تجوب تجارتهم العالم. لا يوجد أبداً وجه للمقارنة بين الأسواق والمتاجر والبازارات في منطقتنا ومراكز التسوق في أي دولة من الدول الأخرى من حيث طبيعتها وتنوعها وعددها.مع حلول عصر الإنترنت، تغيرت الأسواق تغيراً جذرياً في هذا العصر الحديث؛ فقد اعتاد المستهلكون على إمعان النظر في شاشات أجهزة الكمبيوتر بدلاً من التطلع إلى واجهات المحلات التجارية. ففي عصر يفضل المتسوقون النقر على صور المنتجات واستعراضها عبر الإنترنت عن السعي للبحث عنها فعلياً من متجر إلى آخر، كيف ستتشكل ملامح مستقبل التجارة في الشرق الأوسط؟

توصلت هذا العام شركة أمازون العملاقة المتخصصة في الخدمات السحابية والتسوق عبر الإنترنت إلى اتفاقٍ لشراء موقع سوق دوت كوم، أكبر موقع للتسوق عبر الإنترنت في الشرق الأوسط. وقد صرح لاروس غراندينيتي، نائب رئيس شركة أمازون: «تتقاسم أمازون وسوق الفلسفة نفسها؛ فهما تركِّزان على المستهلكين والابتكار والتخطيط طويل الأمد».

وقال رونالدو مشحور، الرئيس التنفيذي وأحد المؤسسين لسوق دوت كوم: «نشترك مع أمازون في العديد من المبادئ ذاتها التي يقوم عليها عملنا، ويُعتبر هذا الاستحواذ خطوة هامة في تعزيز وجودنا بقطاع التجارة الإلكترونية لخدمة عملائنا على مستوى المنطقة. وبانضمامنا إلى أسرة أمازون، سنتمكن من تعظيم قدراتنا على تسليم السلع والمنتجات وتنويع اختيارات العملاء بشكل كبير، إلى جانب أننا سنحذو حذو أمازون في سجلها الحافل من تمكين البائعين».
ليست التجارة الإلكترونية في العالم العربي بالبساطة التي تبدو عليها! فلا يوجد حلٌ جاهزٌ يتيح لأمازون تعميم نموذج عملها واسع النطاق عبر موقع سوق دوت كوم، وجني أرباح أكبر. وعلى الرغم من التوقعات بأن أمازون ستعزز من وجودها في الأسواق حيث كان لسوق دوت كوم ثقلها (وهي مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة)، فثمة مسائل شائكة تحتاج إلى علاج عندما يتعلق الأمر بالتجارة الإلكترونية في العالم العربي.لا تحظى أجزاء كبيرة من العالم العربي برفاهية استصدار بطاقات الائتمان واستخدامها على نحو واسع النطاق. وتمثل هذه المشكلة الأساسية تحدياً حقيقياً للدفع عبر الإنترنت. ومن جانبها، عملت سوق دوت كوم بالفعل على تجاوز هذه العقبة، وذلك من خلال تطوير بطاقتها للدفع المسبق حيث يمكن استخدامها عبر الإنترنت وإعادة شحنها. وسيكون التوسع في هذا النموذج على مستوى أنظمة تكنولوجيا المعلومات العملاقة لأمازون مهمة ضخمة.
كما توجد أيضاً صعوبة الوصول إلى عناوين الزبائن بالشرق الأوسط التي تكون غير مسجلة من الأساس في بعض الأحيان. وللتغلب على هذه المشكلة، أنشأت سوق دوت كوم شبكة من شركات الشحن المحلية التي يعرف مندوبوها شخصياً كل حي من الأحياء. ومرة أخرى، إن دمج هذا النوع من الحلول التي تفتقد الطابع الرسمي في نموذج الأعمال المتكامل لمجموعة شركات متعددة الجنسيات لن يتحقق بين عشية وضحاها.
بالطبع كل هذه خطوات إيجابية، ولكن هل ستكون التقاليد السائدة عصية على أي تأثير حقيقي في المنطقة؟ وفقًا لتقرير صادر من شركة ماكينزي للاستشارات، حوالي 2% فقط من معاملات التجارة في قطاع التجزئة بالشرق الأوسط تجرى عبر الإنترنت اليوم. فهل ستُحدِث هذه الصفقة العملاقة في التسويق الإلكتروني تغييراً حقيقياً بالشرق الأوسط؟ هل من الممكن لشركة بحجم أمازون أن تجلب الأمل للمستهلكين وتجار التجزئة بالمنطقة الذين يسعون إلى التسويق عبر الإنترنت، وتقديم الخدمات لهم؟
قال جيمس نوروود، مسؤول التسويق الأول بشركة تكنولوجيا التسويق «إبيسيرفر Episerver»: «لا يقتصر التعامل مع التجارة الإلكترونية في الشرق الأوسط على توفير التكنولوجيا المناسبة فحسب، بل الأهم هو مراعاة أوجه التنوع والاختلاف في الثقافة السائدة في المنطقة. فعبر معظم بلدان الشرق الأوسط، تظل الثقة العامل الأهم والأوحد لإتمام أي معاملة – سواء كانت صفقة تجارية أو عملية بيع لأحد المستهلكين. وهذه الثقة قائمة على التفاعل المباشر وجهًا لوجه، حيث يعتبر الكثير من العرب المصافحة والمقابلات الشخصية وتجاذب أطراف الحديث جزءاً لا يتجزأ من إتمام عملية البيع».
وأضاف جيمس نوروود: «في إطار الانتقال إلى التجارة الإلكترونية، تختفي هذه المعالم الثقافية الحيوية من رحلة العميل. وعلى ذلك، يلزم تقديم تقنيات لمحاكاتها على الإنترنت على نحو أقرب ما يمكن إلى الحقيقة. وسيكون من الضروري استخدام ميزات التخصيص على الإنترنت والتحيات المُخصصة وخدمات الرسائل الحية من أجل التغلب على هذه المشكلة وتعزيز الاعتماد على التجارة الإلكترونية في منطقة الشرق الأوسط».
يتحدث بوضوح جيمس نوروود من «إبيسيرفر Episerver» من خلال تجربة مباشرة؛ حيث تقدم شركته حاليًا حلول التجارة الإلكترونية لشركات في دولة الإمارات مثل «جميرا الدولية Jumierah International» و»دبي القابضة Dubai Holding».
قال أندرو بارتلام، نائب الرئيس لمنطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا بشركة «إنستارت لوجيك Instart Logic»، وهي شركة متخصصة في برمجيات تطبيقات التسليم التي تدعم نقطة النهاية: «إن ضعف الاتصال بالإنترنت وبطء سرعات الاتصال نظراً للبنية الأساسية المتهالكة مجرد جزء من التحدي. وفي عالم التجارة الإلكترونية اليوم، من المعروف على نطاق واسع أن الأداء يؤثر على توجهات العملاء. وقد بدأ تجار التجزئة في الشرق الأوسط يدركون أن إنجازات الذكاء الاصطناعي الواعدة - التي ظلت تحظى بالكثير من الإشادة ولكن لم تتمكن من تقديم شيء لسنوات عديدة - قد بدأت تسفر عن مستويات أعلى من جذب عملاء التجارة الإلكترونية، فضلاً عن رضا الزبائن وولائهم».
وأضاف بارتلام: «إن مراعاة الاعتبارات الثقافية للمنطقة ستؤدي إلى زيادة كل من التجارة الإلكترونية والتجارة عبر الجوال، حيث يفتح البيع بالتجزئة على الإنترنت الباب على مصراعيه أمام التسوق لجميع أفراد المجتمع. واليوم نشهد زيادة في حجم التجارة عبر الجوال وقد أصبح التحدي الرئيسي يتمثل في كيفية التعامل مع مستوى الرضا المتزايد! ولزيادة الزيارات إلى الموقع، تحتاج شركة أمازون ومن داخلها شركة سوق إلى فهم طبيعة الأشخاص الذين يزورون موقعهما، مع الحفاظ على تقديم مستوى ثابت من الأداء لجميع المستخدمين النهائيين».ومع دعم المملكة العربية السعودية الآن لمشروع تجارة إلكترونية مماثل ومنافس باسم «نون دوت كوم Noon.com»، لا يزال المستقبل يتشكل ولكن بصورة إيجابية للغاية. يتطور قطاع البيع بالتجزئة على الإنترنت في منطقة الشرق الأوسط تطوراً ضخماً، وقد يصل حجمه إلى مبلغ 20 بليون دولار بحلول العام 2020 (لم يبلغ سوى 5,3 بليون دولار في العام 2015) وفقاً لشركة الاستشارات الإدارية إيه. تي. كيرني. وفي الواقع، تمثل نسبة 2% من إجمالي حجم تجارة التجزئة رقماً هائلاً من حيث القيمة المطلقة. حيث تربح شركة أمازون المليارات على مستوى العالم من خلال إدارة الطلبات والمخزون والخدمات اللوجيستية بمنتهى الكفاءة لدرجة أنها تنمو وتزدهر من خلال هوامش ربح ضئيلة؛ فهذه الشركة معتادة على تحويل النسب الصغيرة إلى إيرادات كبيرة.من خلال تقييم جميع الملاحظات هنا، ربما يمكننا أن نتطلع بحذر إلى مستقبل إيجابي للتجارة الإلكترونية العربية. ورغم المحاذير والشروط وتحديات الاتصال الثقافي والتكنولوجي، يشير الاتجاه العام إلى تحسن ملحوظ في عادات التسوق على الإنترنت في منطقة الشرق الأوسط نتيجة لعدد من الأسباب الرئيسية، وتظهر هذه الحقيقة على مدى العقود الثلاثة الفائتة، وربما أكثر. كما تشهد المنطقة حالياً انطلاق رائد هذه السوق العالمية، وكذلك إنشاء شركة منافسة تقدر استثماراتها بقيمة بليون دولار على يد كوكبة من أكثر رجال الأعمال تقديرًا واحترامًا بالمنطقة.
منذ عقد مضى، لم يكن هناك سوى عدد قليل جدًا من الناس الذين يثقون في قدرة وأمان هاتفهم الذكي لإجراء المعاملات التجارية من خلاله. واليوم مع مرور الوقت، أصبح الشباب يلجؤون إلى أجهزتهم المحمولة باعتبارها وسيلتهم الأولى (وغالباً الأساسية) للاتصال بالإنترنت. وبطبيعة الحال سيزيد تيسر وتوافر الاتصال بالإنترنت بهذه السهولة من اتجاه المستخدمين لاستعمال جميع الخدمات المتصلة بالإنترنت، بما في ذلك التجارة الإلكترونية.
قبل عقدين من الزمان، لم يكن للإنترنت وجود تقريباً في المنطقة. وكان أي شخص ينجح في إطلاق أي تكنولوجيا جديدة يلجأ إلى الولايات المتحدة الأميركية ويبيعها في السوق الأميركية. ولكن ولى هذا العهد الآن، وأصبحت الشركات متعددة الجنسيات (بما في ذلك شركة أمازون، كما يتضح الآن) تنظر إلى الشرق الأوسط وآسيا وشبه القارة الهندية باعتبارها مناطق نمو رئيسية. وهذا يؤيد شراء أمازون لشركة سوق دوت كوم، كما يؤكد على اتساع حجم ونطاق خططها المتعلقة بالشرق الأوسط.
منذ ثلاثة عقود، لم يكن بالشرق الأوسط كادر كبير من مطوري تطبيقات البرمجيات الناطقين باللغة العربية. ولكن مضى هذا العهد أيضاً الآن، وازداد نمو فريق المهندسين التقنيين بشركة سوق دوت كوم بفضل نجاح الشركة في المنطقة. وبناءً على ما تقدم، يمكننا أن نتوقع توسعات كبيرة في منصة التجارة الإلكترونية، مثل خطط أمازون للسوق العربية لمواصلة تعزيز النمو الإيجابي.

متخصص في شؤون تطوير البرمجيات وإدارة المشاريع والتكنولوجيا