عبر دبلوماسية «القمة» وجولات رئاسية متلاحقة مصر تعيد اكتشاف دورها في القارة السمراء 4 محطات

الحدث الاثنين ٢١/أغسطس/٢٠١٧ ٠٤:٥٥ ص
عبر دبلوماسية «القمة» وجولات رئاسية متلاحقة

مصر تعيد اكتشاف دورها في القارة السمراء

4

محطات

القاهرة- خالد البحيري

4 محطات أفريقية هي تنزانيا ورواندا والجابون وتشاد، حطت فيها الطائرة الرئاسية المصرية الأسبوع الفائت، تضاف إلى عدد من الجولات والزيارات على مدى الأعوام الثلاثة السابقة، تكشف عن تطور نوعي في السياسة الخارجية المصرية تجاه القارة السمراء بعد سنوات من القطيعة غاب فيها عمقها الاستراتيجي عقب محاولة اغتيال الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك في أديس أبابا العام 1994.

إرث عبد الناصر

الخبراء والمراقبون للتحركات المصرية في أفريقيا يؤكدون عزم القاهرة على الاستفادة من إرث الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر ومجهوداته في دعم الأشقاء وحركات التحرر الوطنية والوقوف إلى جانب الشعوب الأفريقية بما تملكه مصر من ثقل حضاري وتنوع ثقافي.
مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق للشؤون الإفريقية، السفير محمد حجازي قال إن هناك أسبابًا كثيرة وراء زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي لـ «
تنزانيا، الجابون، تشاد وروندا»، أهمها أن دبلوماسية القمة هي أحد أدوات ومفاتيح التعامل مع أفريقيا، فأفريقيا هي قارة «الحكماء»، وبالتالي يتأثر القائد الأفريقي بلقاء زميله، مما يجعله يتأثر أيضاً بدبلوماسية القمة والتي حُرم منها العمل الأفريقي على مدار الفترة الزمنية الأخيرة.
وأكد أن لقاء الزعماء والقادة معاً هو بمثابة مفتاح لحل العديد من القضايا، وهو مدخل يثري دعائم التعاون الاقتصادي والاستثماري والتجاري، لافتاً أنه لابد من المفتاح السياسي على مستوى القمة، إذ إن هناك الدبلوماسية التقليدية لوزارة الخارجية بالإضافة للدبلوماسية البرلمانية التي أضيفت مؤخراً لنشاطنا في أفريقيا، أما دبلوماسية القمة فهي الدبلوماسية الأكثر تأثيرًا لأنها قارة حكماء يتفاهمون حول القضايا المصيرية، أما التعاون التجاري والاقتصادي والاستثماري، فهو يأتي بالتبعية بعد التوافق السياسي التي تحققه مثل هذه الزيارات.

سبب الاختيار

وعن سبب اختيار هذه الدول الأفريقية بالتحديد ليقوم الرئيس السيسي بزيارتها، أضاف: «وقع الاختيار على دولة تنزانيا - على سبيل المثال- إذ إنها دولة حوض نيل رئيسية في المقدمة، وتعداد سكانها يصل يصل إلى 50 مليون نسمة، بالإضافة إلى كونها دولة ثرية للغاية، تحقق معدلات مرتفعة من النمو الاقتصادي، وتقضي على الفساد، وتحقق طفرة اقتصادية كبيرة فمثلاً لديها 11 مليون رأس ماشية ولديها مجازر حديثة».
وتساءل: لماذا لا يأتي رجال الأعمال المصريين إلى تنزانيا ليستفيدوا من هذه المجازر الحديثة؟ فالسوق المصري يستطيع أن يلبي احتياجاته كافةً من السوق التنزاني، وإذا أضفنا إلى ذلك أسواق كينيا والسودان وأثيوبيا والتي تقع على مقربة من حدود مصر الجغرافية، سنجد أننا نعزز جانب الأمن الغذائي بشكل كبير.
واستطرد: «من المهم أن ندفع باستثماراتنا في هذا المجال الحيوي، حتى نلبي احتياجات السوق المصري من هذه المادة الاستراتيجية، كذلك نحن –من خلال هذه الزيارات- نفتح الآن أسواقًا جديدة، ونقوم بعملية إصلاح اقتصادي وتطوير، وذلك لجذب المزيد من الاستثمارات، وبالتالي يتوفر لدينا إنتاج يغطي السوق المحلي ونسعى لتصدير الفائض لأسواق أخرى، والأقرب والأكثر احتياجاً هي الأسواق الأفريقية، والتي نصدّر لها الكثير.
أما عن أسباب زيارة الرئيس السيسي لدولة الجابون، فيؤكد أنه من أهم الأسباب أنها دولة لدينا معها علاقات اقتصادية قوية للغاية، وهي دولة بترولية بامتياز مما يجعلها دولة غنية، وبالتالي تبادلنا التجاري والاقتصادي معها أمر شديد الأهمية، مشيراً إلى أن الرئيس السيسي تحدث خلال وجوده بالهيئة العربية للتصنيع، عن صادرات السلاح المصري لأفريقيا، الذي يضفي على هذه الدول مزيداً من الاستقرار، ومزيداً من التبادل والتعاون العسكري، خاصةً أننا لدينا خطر داهم يهدد القارة الإفريقية كافةً وهو خطر الإرهاب، وبالتالي يعد تدريب الكوادر، وتبادل المعلومات، ودعم الجيوش الوطنية، من أهداف السياسة الخارجية المصرية، لافتاً إلى أن حركة الرئيس السيسي تبدو واضحة في هذا الصدد.
ولفت «حجازي» إلى أن الرئيس السيسي قدم ألف منحة للمتدربين الأفارقة بالمعاهد والكليات العسكرية المصرية، لأن القوى الناعمة لمصر ليست فقط في مجال المعدات العسكرية، ولكن تتمثل أيضاً في مجال تأهيل الفرد وتدريبه وتعليمه، وذلك في سبيل صنع كوادر تقود جيوشها وبلادها، وتقود قطاعات إنتاجية كبرى، وذلك كالوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية.

وعن دولة تشاد، يقول مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن من أبرز دوافع زيارة الرئيس السيسي لها، هو أنها دولة ملتصقة جغرافياً بالسودان وليبيا، ويجمعنا بهم مشترك مهم وهو الخزان النوبي العظيم، والذي يقع في الركن الجنوبي الغربي من الحدود المصرية، فهي دولة من دول الساحل الأفريقي الإقليمي للصحراء الكبرى، ذلك بالإضافة لأنها واحدة من الدول الخمس التي تواجه الإرهاب، وبالتالي دعم مصر لها وتبادل المعلومات وتدريب الأفراد وكذلك التعاون الاقتصادي معها على صعيد تنفيذ البنية الأساسية للقارة الإفريقية، هو أمر مطلوب.

تعاون استثماري

الخبير في العلاقات المصرية الأفريقية، شريف الخريبي قال لـ»الشبيبة»: إن صورة مصر في الدول الأفريقية اهتزت بعد ثورة يناير 2011 إلا أنها عادت بقوة مع تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي بسبب حرصه على إعادة بناء العلاقات بعد حالة الضعف التي لحقت بها لنحو 20 عامًا.

وأضاف: أن «حجم الاستثمارات المصرية الحالي في أفريقيا يتخطى 10 بلايين دولار، إلا أن تعزيز الشراكة الاقتصادية لمصر في القارة السمراء يواجه تحديات عدة أهمها اتجاه الصين وبعض الدول الأوروبية ضخ استثمارات هائلة في عدد من البلدان الأفريقية ذات الأهمية الجيوسياسية، كما يؤثر الوجود الشرق آسيوي في شرق ووسط أفريقيا، والوجود اللبناني في غربها، بشكل طفيف «لأنهم يعتمدون على النشاط التجاري فقط وليس الاستثماري».
وتوقع أن تتم إزالة العوائق الجمركية بين دول القارة الأفريقية مباشرة بعد إعلان شروط إعادة المنشأ والاحتفال النهائي بإقامة المنطقة الحرة، وهو ما يستدعي إعادة هيكلة استراتيجية شركة مصر للطيران نحو الدول الأفريقية حيث لا تصل خطوطها الجوية إلا لـ7 دول من أصل 27 دولة.. وفي المقابل تصل الخطوط الأثيوبية إلى جميع أنحاء القارة.

نظرة استعلائية

من جانبها أكدت الأستاذ في علم الاقتصاد، والمتخصصة في الشؤون الأفريقية د.سماح المرسي أن زيارات الرئيس السيسي إلى أفريقيا ستؤتي ثمارها في القريب العاجل، إذ إن معدل النمو في الاقتصاد الأفريقي 10% فما فوق، وهناك أولويات للتعامل مع مصر كدولة محورية في القارة السمراء سواء من الناحية الاقتصادية، أو السياسية، وبالفعل لدينا في أفريقيا فرص واعدة وكثيرة للاستثمار، إذ يوجد النفط، والكثير من أنواع المعادن، والموارد طبيعية الأخرى، مثل الغابات والأراضي الزراعية ووفرة المياه الصالحة للشرب والزراعة.
وقالت: «كل من كان يتعامل مع أفريقيا سابقًا، كان يتعامل معها على أساس أنها مخزن للموارد الطبيعية، باستثناء الصين التي تتعامل مع أفريقيا في إطار الشراكات، ومصر حاليًا تسير على نفس النهج الصيني، وهو التعامل من منطلق الإمدادات، من منطلق أنني دولة نامية، ولست دولة صاحبة هيمنة اقتصادية على دول أفريقيا، كما أن الشريك الأفريقي بدأ يدرك هذا الأمر جيدًا، وفضل التعامل مع بعض الدول النامية، كمصر، والإمارات، عن التعامل مع الدول الأوروبية، التي تتعامل معه بنظرة استعمارية إمبريالية، إذ تجد أبشع صور الاستعمار، فالأرباح تعود للشركات الأم، كما أنها لا تبني مصانع كمصنع للغزل والنسيج مثلًا، أو مصانع للسيارات، وهو ما يقلل من فرص القوى العاملة للدول النامية، وغالبًا ما يكون اتجاه الشركات متعددة الجنسيات، إلى مجالات التنقيب، والبحث عن البترول والمعادن، وهو ما أدركته الدول الأفريقية، وأصبحت تتعامل معه بحذر شديد.