المجالس العُمانية.. جزء لا يتجزأ من الحياة التقليدية في السلطنة

بلادنا الثلاثاء ٠٥/سبتمبر/٢٠١٧ ٠٤:١٠ ص
المجالس العُمانية.. جزء لا يتجزأ من الحياة التقليدية في السلطنة

مسقط - العمانية

من بين الملفات التي نجحت السلطنة في إدراجها في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي لليونسكو كتراث إنساني حي ملف «المجالس» إذ يمثل المجلس حيزًا ثقافيًا واجتماعيًا وجزءًا لا يتجزأ من الحياة التقليدية في السلطنة.

وتوصيفًا لعنصر المجلس فهو المكان الذي يجتمع فيه أفراد المجتمع معًا لمناقشة الأحداث المحلية والقضايا وتبادل الأخبار واستقبال الضيوف والترفيه، بالإضافة إلى أنه مكان مهم للمناسبات بمختلف أنواعها الاجتماعية والدينية، وبحسب ما تمت الإشارة إليه في الملف، فإن المجلس هو تقليد عربي قديم استمر دون انقطاع طوال القرون وما يزال يعتبر كمؤسسة مهمة للحفاظ على النسق الاجتماعي حيث تحل فيه القضايا المجتمعية أو الفردية بالإضافة إلى أنه مكان ينبض بالحياة في مناسبات الأفراح والأتراح إذ يجمع الناس لتقديم التعازي، وكذلك تقديم تهاني الزواج وغيرها.

وبما أن عنصر المجالس الذي تم إدراجه في ديسمبر العام 2015م في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي لليونسكو بالمشاركة مع دولة الإمارات والسعودية وقطر يعدّ جانبًا مهمًا من التراث الثقافي غير المادي للدول المرشحة للعنصر، فكان لا بد أن يكون الملف محققًا للمعايير الأربعة التي حددتها اتفاقية اليونسكو لعام 2003م، التي يجب أن يكون عليها العنصر، لذلك فقد تم تصنيفه ضمن معيار الممارسات الاجتماعية والطقوس والأحداث الاحتفالية، وكذلك كفضاء ثقافي حيث يتم سرد الروايات الشفوية والقصص الشعبية والقصائد بالإضافة إلى كونه من المعارف والممارسات المتعلقة بالطبيعة والكون من حيث إنه الفضاء الذي يتبادل فيه الناس المعارف المتعلقة بمختلف مظاهر الطبيعة كالمطر والمراعي والنباتات والطب التقليدي والأوبئة وما إلى ذلك.
وكتوصيف شكلي للمجلس التقليدي فعادة ما تكون مساحته كبيرة مع وجود السجاد على الأرض ووسائد وضعت على الجدار ليتكئ عليها الناس، أما في الأماكن الصحراوية فيكون عبارة عن خيمة.
وفي الوقت الحالي أصبحت للعديد من المجالس كراسي بدلًا من الوسائد، إضافة إلى التغييرات الأخرى كالديكور الداخلي الحديث والملحقات الخدمية الأخرى، وهناك أنواع مختلفة من المجالس فمنها للأسرة أو العشيرة أو القبيلة وهذا يعتمد على موقع المجلس وحجمه، وبحسب الوقت الحالي فإنه لا يخلو منزل في الدول الأعضاء بالملف من مجلس خاص، وعادة ما يكون في واجهة المنزل ويُدار من قِبل الأسرة، أما المجالس العامة فهي كبيرة وتكون في أماكن بارزة في القرية ويتشارك الأهالي وأفراد المجتمع في إدارتها من مختلف الجوانب.
وقال عضو مجلس الدولة سعادة المكرم محمد بن حمد المسروري في تصريح لوكالة الأنباء العمانية إن «المجالس رغم انتشارها حاليًا في محافظات السلطنة إلا أنها قليلة جدًا قياسًا بما كانت موجودة في الماضي، إذ كانت السبلة العُمانية موجودة في كل قرية وحارة بل وتجد في أجزاء من كل حارة سبلة يلتقي فيها أبناء الحي السكني يمارسون فيها ما نسميه الآن الديمقراطية والإدارة المباشرة والإدارة التقليدية لخدمة الأحياء والقرى والمدن على حد سواء، فكان للسبلة العُمانية دور محوري سواء في المجال الثقافي والتعليمي إذ كانت مكانًا لتعليم الناشئة كونها تتحول أحيانًا إلى مدرسة لتحفيظ القرآن الكريم وعلوم الحديث الشريف وأيضًا مجالسة كبار السن والاستماع إلى مضان الحكمة منهم والاستماع إلى الكثير من الأشعار وأدبيات المجتمع وينشأ الناشئة في تلك المجالس على تلك القيم ويتشربون مجمل المبادئ والآداب والتقاليد الأصيلة للمجتمع».
وأضاف سعادته أنه في المجال الاقتصادي كان للسبلة دور كبير جدًا خاصة في مجال إدارة موارد الأفلاج وإدارة الأوقاف العامة وتوجيهها وإدارة الأسواق، مشيرًا إلى أن إنشاء المجالس البلدية في السلطنة لم يأتِ من فراغ وإنما جاء انطلاقًا من دور أساسي من أدوار السبلة العُمانية وهو ما يشكر عليه حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -أعزه الله- الذي أعاد للسبلة العُمانية أدوارها ومكانتها، وهناك أيضًا الدور الاجتماعي إذ تتم في السبلة الزيجات وعقد الصلح بين المتخاصمين وقسمة المواريث ونزل لابن السبيل والعديد من الأدوار المجتمعية والدينية التي كانت تقوم بها.
وأكد: «ما زلنا نعول على أن تقوم السبلة العُمانية أو المجالس حاليًا على قلتها بالأدوار الحقيقية التي كانت تنهض بها السبلة العُمانية مع الأخذ في الاعتبار التجديدات التي حدثت في فصل السلطات وجزء من تلك الاختصاصات أخذتها المجالس الحديثة كمجالس الشورى والدولة والبلدي ولجان البلدية». وأضاف أن السبلة نهضت في ماضي الأيام وحتى منتصف ثمانينيات القرن العشرين بالعديد من المهمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية والثقافية، مشيرًا إلى أن مصطلح (المجلس العام) حاضرًا و(السبلة العمانية) ماضيًا يتداخلان في مضمون كليهما المجتمعي وأدوارهما المشتركة المؤدية إلى خدمة مجتمع محيط بهما.
وأوضح سعادة المكرم محمد بن حمد المسروري أن السبلة تعتبر مكانًا للتعارف بين الأجيال وتقوية صلة الرحم واكتساب طرائق الاحترام والتقدير للآخر والإصغاء إلى حديث الكبار وتبادل الحجج بين المتحدثين، ويتعلم الأبناء عادة الصمت في المجالس وحسن الاستماع مع وضعية الجلوس اللائقة بهم بين آبائهم وإكرام الضيف والسهر على خدمته وحسن استقباله وسؤاله عن العلوم والخبر بالطريقة المتعارف عليها في المجتمع، والسبلة فوق ذلك مصدر الهام للشباب للاضطلاع بمهمات الحفاظ على الوطن والذود عن حياضه والشعور الصادق بالانتماء إلى ثراه وعناق هامته.
ويقول المهندس سعيد بن محمد الصقلاوي المهندس المعماري والباحث في التاريخ والعمارة العُمانية إن السبلة أو ما يسمى حاليًا «المجلس» والتي كانت موجودة في محافظات السلطنة كافة كانت في التخطيط القديم دائمًا بجانب المسجد وكانت تؤدي دورًا اجتماعيًا ودينيًا وثقافيًا ودورًا إداريًا للإدارة المحلية للتشاور والتناظر حول ما يتعلق بمصالح الناس والمجتمع إضافة إلى دورها كمأوى لعابري السبيل والضيوف.
وأكد أن «حب العُمانيين لهذا الإرث وتعلقهم بالسبلة العُمانية القديمة ودورها يدفعهم إلى بناء المجالس العامة حاليًا والمحافظة على هذا الموروث وتجميله والتنافس في بنائها وأيضًا النقد البناء للمجالس التي يرونها في المحافظات الأخرى والتي قد تشوبها عمرانيًا بعض الأمور إذ يبدي بعض الناس ملاحظاته أما مباشرة لأصحاب المجلس أو مباشرة للمجتمع للإسهام برأيه في جمال رونقها أو في إضافة جوانب خدمية يرى أنها ضرورية في سبيل إكمال دورها.
وقال إن السبلة قديمًا كانت غرفة واحدة وأصبحت الآن أكثر اتساعًا وتضم خدمات أخرى كغرفة الطعام ومطبخًا صغيرًا ودورات مياه إذ كانت تعتمد سابقًا على المسجد وأصبح الاهتمام بها يتزايد ويتطور عن السابق إذ كانت السبلة القديمة تُبنى على ارتفاعات منخفضة والآن تُبنى على ارتفاعات أعلى، والسبلة القديمة كانت تُبنى بأعمدة في الوسط تعوق الحركة والرؤية والآن أصبحت مفتوحة.
كما كانت السبلة القديمة تقوم على الجلسة على الأرض والآن هناك الكراسي أو الدكة المرتفعة التي تسهل الوقوف والحركة وبالتالي هناك تطور من الجانب الوظيفي ومن الجانب المعماري إذ تقوم السبلة حاليًا على الكثير من الجوانب الجمالية بحيث تكون مريحة للزائر وأصحاب المكان وتزيين أسقفها وجدرانها بالإضافة إلى استبدال الأرضيات من الحصير والزوالي بحيث أصبحت الآن تعتمد على الرخام والبلاط والسيراميك وتتطور بشكل يتناسب مع تطور الإنسان العُماني الذي يتطور ويضيف إلى السبلة من تطوره وفكره وثقافته.
وأكد أنه لاستكمال أهمية المجالس ودورها ينبغي أن تقام بجانبها مجالس للنساء لتمارس نفس دور مجالس الرجال وتخفف عن الأهالي عبء إقامة الأفراح والتعزية في المنازل وستشكل إيجابية اقتصادية بالإضافة إلى دورها الاجتماعي، معربًا عن يقينه أنه في المرحلة المقبلة ستتم إضافة مدرسة للقرآن الكريم ومكتبة ثقافية وغرف للضيوف ستكون الحاجة داعية في بعض الأحيان إليها وسيتحول المجلس من مجرد غرفة فقط للاستقبال والاجتماع إلى مركز ثقافي حقيقي ليكتمل دوره الثقافي والتنويري ويكون أكثر إشعاعًا وأهمية.