سامحكم الله يا مَن تعرفون أنفسكم..

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١٣/سبتمبر/٢٠١٧ ٠٤:٢٥ ص
سامحكم الله يا مَن تعرفون أنفسكم..

لميس ضيف
خلال يومين وصلني فيديو لشخص مغمور، لم أرَه ولم أسمع به يومًا رغم متابعتي الحثيثة للإعلام المصري، وهو يتناول القضية البورمية من زاوية مغايرة مركِّزًا على أنّ الحرية الدينية مكفولة في بورما، وأنّ ما يحصل فيها إرهاب مدعوم أمريكيًا وليس بتطهير عرقي أو اضطهاد ديني كما يزعم الزاعمون. والعجيب أن هذه الأطروحات جرى تداولها وكأنها كشفٌ عظيم وتحليل عميق. ولم أجد تبريرًا لكثافة تداول هذا الفيديو إلا أنّ مَن تجشموا عناء نشره -سامحهم الله- كانوا يبحثون عن مبرر لجبنهم وبخلهم وتقصيرهم في حق إخوتهم في الدين والإنسانية. وإلا: كيف تصدّق طرحًا تافهًا كهذا وتتجاهل عشرات التقارير الحقوقية التي صدرت من جهات ذات موثوقية والتي تؤكد أن الروهينجا هم أكثر الأقليات اضطهادًا على وجه الأرض، بل وكيف تربط بينهم وبين مشروع أمريكي لضرب نقل الغاز في حين أن عمر قضيتهم ممتد منذ العام 1784 عندما ضمّت بورما بالقوة دولة “آركان” المستقلة لها، واستعبدت أهلها،

وبعد أن عوملوا كمواطنين من الدرجة الرابعة في بورما لعقود، تم تجريدهم في الثمانينيات من جنسياتهم أيضًا، لتُضاف تلك المعاناة لزنجيل النظام المستبد الذي يحرمهم من الرعاية الصحية والتطعيم والتعليم ويضيِّق عليهم بشتى الطرق بهدف تهجيرهم. وفي العام 2012 اغتصب أحد المسلمين امرأة آركانية وقتلها ما أدى لقتل مجموعة من الروهينجا على يد البوذيين فاندلعت أحداث عنف طاحنة بين المسلمين والبوذيين عجز الجيش -المتحيّز- عن السيطرة عليها.
أنْ تشكل مجموعات مسلحة مقاومة ترفع شعار الانفصال مثل مجموعة “اليقين” ومن قبلها حركة المجاهدين التي أسست في 1947، أمرٌ طبيعي في ظل هذا الوضع الخانق، ولا يعني هذا بأي من الأحوال أنهم إرهابيون، فحكومة ميانمار لا تعترف بتلك الفئة وتصنّفها ردًا على التقارير الدولية بأنها “عرقية من مسلمي البنغال عديمي الجنسية قَدِمت لميانمار من بنجلاديش سنة 1982، وأنها لم تُدرج مع حوالي 130 عرقية تطالب بجنسية ميانمار” ماسخين بذلك تاريخهم كله.
إن الخطوة المحمودة التي أقدمت عليها كل من دار العطاء وشركة عمانتل فضلًا عن جهات أخرى في تقديم معونات عاجلة لتلك الفئة هي أقل ما يمكن تقديمه لهؤلاء. علمًا أن ميانمار ليست دولة عظمى، ولا متناهية القوة، لذا لا يمكننا أن نفهم تلكؤ الحكومات الإسلامية والعربية عن نهيهم عمّا يفعلون بالتهديد أو حتى بالمال -إلا- من زاوية أن اهتماماتهم ووقتهم الثمين لا يتسع لهذه الفئة المطحونة.. كالعادة.