الحوار يقود إلى الحل

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١٣/سبتمبر/٢٠١٧ ٠٤:٤٧ ص
الحوار يقود إلى الحل

فريد أحمد حسن

«لا يعني التحاور مع الآخرين التنازل عن شيء من الثوابت أو تغير جزء من الهوية»، هذا ما يؤكده سفير مملكة البحرين لدى دولة الكويت الشيخ خليفة بن حمد آل خليفة في كتابه الرائع «من الجوار إلى الحوار.. حوار الحضارات» والذي ناقش فيه أسباب إقبال البشرية على الحوار وظروف تبين أهميته وأن العالم اتخذه نهجا بعدما «عاش صفحات مريرة من الصراع الدامي الذي استمر قرونا وراح ضحيته ملايين من أبناء البشر وبعدما خاض العالم في أوحال حروب طاحنة لعقود متتالية من الزمن خلفت خرابا ودمارا وفجرت عداوات وأحقاد».

خليفة يؤكد أن عقلاء العالم وحكمائه وجدوا – بعد كل ما رأوه من مآس بسبب الحروب والصراعات – أنه لا بديل عن الحوار، وأنه بغية إسكات الأصوات التي تنادي بالعرقية والتعصب الأعمى للأجناس والأصول لا بد من اعتماد نهج الحوار الهادئ والنقاش الحر والنقد البناء دون تعصب أو تحيز، حيث ترك تلك الأصوات النشاز نتيجته المنطقية هي جر الإنسانية إلى الصدامات والحروب الطاحنة. ورغم أن هذا الكتاب يركز على الحوار بين الأديان كجزء من الحوار بين الحضارات إلا أنه يهتم أيضا بالتأكيد على أن هذا النهج هو النهج القويم والمعين على الحياة من دون أذى لو أراد البشر أن يعيشوا في سلام وسعادة، فالحوار لا يكون بين الأديان فقط ولكن بين المذاهب والتوجهات أيضا ويكون بين أصحاب كل رأيين متناقضين.

اليوم وبعد كل هذا الذي جرى من أحداث في عالمنا العربي وفي هذه المنطقة على وجه الخصوص ولا يزال يجري، وبعد كل المعاناة التي عاشها ويعيشها الجميع من دون استثناء، فإن أحدا لا يمكن أن يختلف على أهمية اعتماد نهج الحوار كونه السبيل الأقوم والأوحد للخروج من كل ذلك، فمن دون الحوار ستستمر الأوضاع على ما هي عليه وستزداد المعاناة وتتعقد الأمور أكثر وأكثر ولا يمكن بعد كل هذا توفر ولو ذرة أمل للعودة إلى بعض ما كان فيه الناس.
ومثلما أنه من دون الحوار بين الأديان لا يمكن إنقاذ الناس مما هم فيه، كذلك فإنه من دون الحوار بين الحكومات ومواطنيها لا يمكن التوصل إلى مفيد يخرج الناس مما هم فيه، وأيضا لا يمكن تحرير العقول من الأفكار التي تسيطر عليها وتحكمها من دون الحوار بين أصحاب تلك العقول. هذا نهج إن اعتمده البشر والتزموا به ربحوا، وإن ابتعدوا عنه خسروا. أما المثال الأوضح في هذا الخصوص فهو ما يعيش فيه الناس هنا في سلطنة عمان التي اعتمدت هذا النهج منذ سنين طويلة، ففي هذه البلاد لا يوجد مشكلة من دون حل ولا توجد مشكلة تتعقد وتزداد تعقيدا ولا قصة من دون نهاية، فالنهج المعتمد والذي أساسه ومضمونه الحوار والتفاهم كفيل بحل كل مشكلة وبإيجاد نهاية لكل قصة وكل موضوع خلافي، لهذا فإن السلطنة تهتم كثيرا بموضوع حوار الحضارات والتفاهم بين الأديان وتعمل بكامل طاقتها من أجل التوصل إلى أمن المجتمع البشري الذي يعين على «تحقيق سعادة الإنسانية ويجنب البشرية مخاطر الصراعات والصدامات الفكرية التي تفجرت في عالم غابت الحوارات عن ساحاته الفكرية».
قياسا على ذلك وبناء على هذه الحقيقة المهمة يمكن القول بوضوح وجرأة إنه لا مخرج من أي مشكلة في المنطقة سوى الحوار بين الأطراف ذات العلاقة وتحديدا بين المسؤولين في كل هذه الدول وليس بين من تنقصه المعلومة والأدوات من الأفراد الذين ملأوا المساحات التي توفرها وسائل التواصل الاجتماعي فخاضوا وشرّقوا وغرّبوا وساهموا في تعقيد أي مشكلة بسبب انجرارهم وراء العواطف وانطلاقهم من فراغ. تجربة الحوار بين الأديان أكدت باستمرارها وتحقيقها بعض النجاحات التي لا يمكن الاستهانة بها أهمية هذا النهج، وكذلك تجربة الحوار بين المذاهب الإسلامية والتي أزالت الكثير من سوء الفهم حتى تبين للكثيرين بأن ما يجمع بينهم من مشتركات أكثر مما هو بينهم من اختلافات يمكن تضييقها بمزيد من العمل المشترك ومزيد من الحوار والتفاهم.
دول أوروبا وكثير غيرها من دول العالم خاضت الحروب ضد بعضها البعض ووصلت شعوبها إلى مرحلة اعتقدوا فيها أنه بعد كل ما حصل لا تلاق أيا كانت الأسباب والظروف، لكنها وبفضل عقلائها وما يتمتعون به من حكمة وما أرسوه من قواعد للحوار تمكنت من تجاوز كل شي وانطلقت نحو الحياة من جديد ووصلت إلى ما وصلت إليه اليوم من تقدم. الخلاف بين الدول كما التباين بين الأديان والمذاهب والأفكار والتوجهات هو أمر طبيعي ووارد في كل حين، ولأن البشرية أدركت بعد تجارب طويلة ومعاناة شديدة أن الحل لا يمكن أن يتوفر بالصراع والتقاتل ولا بالصراخ والتطاول لذا لجأت إلى ترسيخ مبدأ الحوار الذي إن لم ينفع لم يضر.
النجاح الذي تحقق بين الأديان بسبب اتخاذ الحوار وسيلة ونهجا يمكن أن يتحقق بين دولنا لو اعتمد الحوار وسيلة ونهجا. ليس هذا كلام نظري ولكنه حقيقة أثبتها التاريخ وأكدتها تجارب الأمم،

كاتب بحريني