ركنا الإصلاح الاقتصادي في فرنسا

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١٣/سبتمبر/٢٠١٧ ٠٤:٥٤ ص
ركنا الإصلاح الاقتصادي في فرنسا

بينيديكت بيرنيه

في أولى خطواتها الإصلاحية الكبرى لتعزيز الاقتصاد الفرنسي، كشفت حكومة فرنسا مؤخرًا عن الخطوط العريضة لقانون عمل جديد يعطي الشركات مرونة أكبر للتكيف مع السوق. ومن المنتظر أن يتبع ذلك ثاني الخطوات الإصلاحية الكبرى التي تسعى إليها حكومة الرئيس إيمانويل ماكرون، وهي إصلاح الدولة الفرنسية برمتها.

ترمي تغييرات قانون العمل إلى تحقيق أربعة أهداف. الأول: تسهيل المفاوضات المباشرة بين أرباب العمل والموظفين في الشركات صغيرة الحجم ومتوسطة الحجم (التي تمثل 55% من قوة العمل) عن طريق السماح لمثل هذه الشركات بالتفاوض مع الممثلين المنتخَبين غير المفوضين من النقابات التجارية. الثاني: تبسيط الحوار الاجتماعي بين الشركات الأكبر حجما بدمج لجان العاملين المنفصلة (مثل لجان النظافة والصحة والسلامة وغيرها) في هيئة مركزية. الثالث: تفكيك مركزية التفاوض الجماعي بشأن الأجور والتوظيف من المستوى القومي إلى مستوى قطاعي أو مستوى الشركات. أما الهدف الأخير فهو جعل عملية الاستغناء عن الموظفين أكثر سلاسة وتوقعا، لا سيما مع إدخال المستويات العليا والدنيا للتعويضات التي أصدرتها محاكم العمل.
وقريبا ستلحق بإصلاح قانون العمل إصلاحات أخرى لأنظمة التأمين ضد البطالة والتدريب على الوظائف. فبالنسبة للأولى، وهي أنظمة التأمين ضد البطالة، ستتولى الحكومة مسؤوليتها بدلا من النقابات كي تقدم إعانات بطالة لكل فئات العاملين، بما فيهم أصحاب المهن الحرة، ومن يتركون وظائفهم الحالية طوعا للبحث عن أخرى جديدة. لكن تكلفة إصلاح نظم التأمين ضد البطالة تقدر بما يتراوح بين ثلاثة إلى خمسة بلايين يورو (3.6 إلى 6 بليون دولار أمريكي)، مما قد يبرهن على صعوبة توفيق مثل هذا الأمر مع خطط ميزانية 2018، التي يُتوقع أن تشهد خفضا في الإنفاق بقيمة 20 مليون يورو.
في مجمل الأمر، يتلخص القصد من وراء إصلاح سوق العمل في إتاحة قدر أكبر من المرونة للشركات في تعيين العاملين والاستغناء عنهم ــ وهو أمر ضروري لاقتصاد يرتكز النمو فيه على الابتكار والتدمير الخلاق في المقام الأول ــ مع قدر أكبر من ضمان الدخل ومزيد من التدريب للعاطلين. وتعاني سوق العمل الفرنسية حاليا من فجوة ضخمة بين العاملين المؤهلين المعينين بموجب عقود طويلة الأجل والعاملين منخفضي المهارة الذين يتنقلون بشكل دائم بين البطالة والوظائف قصيرة الأجل. ويهدف الإصلاح الحكومي إلى جسر هذه الهوة عبر زيادة الحراك الاجتماعي.
أما الركن الثاني لبرنامج ماكرون الاقتصادي، وهو إصلاح الدولة، فيتشكل من مكونين جوهريين هما: إعادة تنظيم السياسة المالية، وإصلاح نظام الإنفاق العام. وهنا أيضا يهدف الإصلاح لمعالجة أربع إشكاليات رئيسة قائمة منذ زمن طويل.
الأولى: الضرائب الباهظة التي تُفرض على عوائد رأس المال في فرنسا مقارنة بالدول الأخرى المتقدمة، مما يخلق بيئة طاردة للابتكار وريادة الأعمال. الثانية: عدم استثمار الأموال العامة بأكثر الطرق فعالية وجدوى من حيث التكلفة أو أكثر الطرق تعزيزا للنمو. الثالثة: معاناة فرنسا من تعدد الطبقات الإدارية، مما يولد نقاط ضعف وإجراءات كثيرة غير ضرورية عند تقديم الخدمات العامة. أما الإشكالية الأخيرة فتكمن في بقاء فرنسا دولة تهيمن عليها جماعات أصحاب المصالح إلى درجة كبيرة، مع تعدد أنظمة الدعم الصحي والتقاعد والإعانات الأسرية. وفي اقتصاد يقوده الابتكار والتحديث حيث يميل الأشخاص إلى تغيير وظائفهم وقطاعاتهم بصورة متكررة طوال حياتهم، تصبح هذه الغابة البيروقراطية مصدرا للضعف والخطورة.
على الجبهة المالية، قام ماكرون بتحركين مهمين. الأول، ويتعلق بجانب العوائد، يتمثل في فرض ضريبة موحدة وثابتة نسبتها 30% على عوائد رأس المال، بينما كانت ضريبة رأس المال قبل ذلك تزيد عن ضريبة العمل. الثاني: اعتزام إلغاء ضريبة الثروة على الأصول غير العقارية ــ وهو تحرك يهدف إلى تشجيع رواد الأعمال والمبتكرين.
لم تتخذ الحكومة بعد قرارا بشأن تحديد مسار عمل معين للإنفاق، رغم عكوف ماكرون وفريقه على النظر والتدقيق في الإصلاحات التي نفذتها كل من كندا والسويد في تسعينيات القرن الفائت. وقد تقرر الحكومة بشكل خاص تخفيض عدد الموظفين الحكوميين بالتخلص من بعض الطبقات الإدارية للأجهزة الحكومية الإقليمية والمحلية، وإسناد بعض المهام الإدارية لأجهزة مستقلة.
بعد عقود عانت فيها فرنسا من بطء النمو، وارتفاع البطالة، والتدهور الصناعي، والمؤسسات الجامدة ذات المصالح التي تعترض أي محاولات للإصلاح، بزغ الآن أمل جديد في التغيير. وسوف تُنبئنا قرارات العام المقبل بما إذا كان هذا الأمل قد يتحقق.

رئيسة مجلس إدارة منظمة

المدافعين عن الحقوق المدنية

بينيديكت بيرنيه