الوافدون .. قدرُنا الجميل..

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٠/سبتمبر/٢٠١٧ ٠٤:١٥ ص
الوافدون .. قدرُنا الجميل..

لميس ضيف

التغول الذي نراه لأعداد الوافدين في دولنا ليس مؤامرةً أو صدفة، إنه نتاج طبيعي لعزوف المواطن الخليجي عن ثلاثة أصناف من الوظائف: الوظائف المتدنية الأجر، الوظائف الشاقة، والوظائف التي تُصنف في ثقافتنا بالدونية.

فالخليجي لا يقبل بـ120 أو 150 ريالاً كأجر. وليس من المنطقي مطالبته بقبول أجر كهذا لا يوفي التزاماته، لكن الأجنبي.. يقبله. كما ولا يقبل الخليجي أن يعمل تحت رحمة شمسنا القاسية في البناء والتشييد، بغض النظر عن الراتب، ولا يقبل أن يعمل من طلوع الفجر لما بعد الغروب ولستة أيام أسبوعيا لكن الوافد.. يقبل. كما ولا يقبل أن يكنس الطرقات وينظف المجاري ولكن الوافد.. يقبل.

في الدول الغربية عامل النظافة سويسري والوزير كذلك. السباك يحمل ذات الجنسية التي يحملها البرلماني في إنجلترا. وبائع البقالة في باريس فرنسي كمالكها تماماً. لذلك يُصدم الناس من غلاء تلك الدول وكلفة الحياة المسعورة فيها. وهو تماماً ما كان سيجري في الخليج لو لم ينعم الله علينا بهؤلاء الوافدين متدني الأجر الذين يجعلون قيام المشاريع الصغيرة والمتوسطة ممكننا وتضبط كلفتهم المعقولة أسعار السوق على ما هي عليه الآن.
لذا فإن لغة التحامل التي نسمعها أحياناً على وجود الوافدين وهيمنتهم على السوق لا محل لها من الأعراب. لأننا لن نحيا دونهم ساعة. وبناء المنزل الذي يكلف اليوم 70 ألفا سيكلف 200 ألف أو يزيد بدونهم. وستصبح شوارعنا وحدائقنا يتيمة دونهم ولن يكفلها أحد. وإن ما حصحص الحق فليس من حق أحد أن يطالب مواطناً خليجيا، فجّر الله له الثروة من أرضه وحباه بها، أن يمتهن تلك المهن أو يعيش تلك الحياة.
ومن رحمة الله -علينا- أن سخر لنا تلك الشعوب الفقيرة لتسترزق من الوظائف التي لا نريدها. ومن رحمة الله -عليهم- أننا لا نريد تلك الوظائف ليسترزقوا هم منها وتلك حكمة الله في خلقة إذ وازن بين حاجات الناس وكمل بعضهم بالآخر.
هناك وظائف مكتبية ووظائف إدارية تذهب للأجانب نعم. ولكن نسبتها هامشية. وتلك هي الوظائف التي يجب أن يطالب المواطن فيها الآن لاسيما وأنه قد تأهل وتعلم وصار يمتلك ما يكفي لينافس فيها «وإن كان الخليجيون لا يزالون يفتقدون بعض أخلاقيات العمل ولكن ذلك حديث له مقام آخر». والدول مطالبة اليوم لا بالتضييق على الوافدين بل «بإيجاد وصناعة» وظائف جديدة تناسب المواطن وتطلعاته. كما ويجب الدفع بالباحثين عن العمل نحو العمل الحر بتقديم تسهيلات لهم لا قروض يتهيبون منها. ومن المناسب هنا أن نقترح أن تكون هناك أسواق مخصصة للمشاريع المبتدئة بإيجارات رمزية؛ لأن الإيجارات العالية هي أكثر ما يرهق كاهل صاحب المشروع الصغير ويقصم ظهره. وبوجود مواقع صناعية وتجارية تحتضن مشاريع الشباب ستتقلص نسب الباحثين عن عمل ولن تقل نسبة الأجانب -للعلم- فهذا الشاب المبتدئ لن يعتمد على قوى عاملة وطنية لتسيير أموره بل على القوى العاملة الوافدة التي رجمها ليل نهار. فالوافدون هم قدرنا الذي يجب أن نقبله بل ونحمد الله عليه أيضا.