الأطفال اللاجئون مسؤوليتنا

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٢١/سبتمبر/٢٠١٧ ٠٥:٠٢ ص
الأطفال اللاجئون مسؤوليتنا

جوردون براون

من سوريا إلى ميانمار، يتحول الأطفال الذي يقعون في مرمى نيران الصراعات إلى ضحية لخيانة مزدوجة. فبعد إرغامهم على ترك ديارهم في أكبر أزمة لاجئين منذ الحرب العالمية الثانية، أصبحوا الآن الضحايا الأبرياء لوعد مهجور بتمكينهم، حتى بوصفهم لاجئين، من الالتحاق بالمدرسة. وحتى في حين تتفاقم ظروفهم سوءًا وتتزايد أعدادهم، تستمر محنتهم دون أن يلتفت إليهم أحد.

يبدو أن الهتاف الصاخب الذي استُقبِلَت به تعهدات المساعدات الإنسانية الفائتة أفسحت المجال الآن لصمت مخزٍ. ففي حين تدور عجلة الأخبار وتتحول التغطية إلى أحداث أكثر إثارة، تتضاءل احتمالات عودة 75 مليون طفل وشاب في مختلف أنحاء العالَم توقف تعليمهم بفِعل النزوح القسري إلى المدارس.

لعله ليس من قبيل المصادفة أن لا يتحقق وعد التعليم لجميع اللاجئين في سن المدرسة. ولن يكون أي قدر من حسن النوايا كافيًا للتغلب على بنية المساعدات الدولية التي تظل تعمل ضد الأطفال. فلا يزال الإنفاق على التعليم محاصرًا بين المساعدات الإنسانية، التي تركز على الضروريات الأكثر أساسية للبقاء مثل الغذاء والمأوى والدواء، وبرامج المساعدات الإنمائية التي يجري التخطيط لها على مدى سنوات وهي أبطأ من أن تستجيب للأزمات. ونتيجة لهذا، كثيرًا ما يلقى التعليم معاملة الأولوية الدنيا، فهو آخر ما يمول وأول ما يخضع تمويله لإعادة التوجيه.
على سبيل المثال، من منطلق إدراكه للفجوات في الإنفاق على المساعدات، قرر منسق إغاثة الطوارئ في الأمم المتحدة للتو تخصيص مبلغ إضافي قدره 45 مليون دولار لدعم عمليات الإغاثة في أفغانستان، وجمهورية أفريقيا الوسطى، وتشاد، والسودان. ولكن هذه الأموال، على الرغم من أهميتها الشديدة، غير كافية على الإطلاق، ولن يذهب منها نحو توفير التعليم سوى جزء ضئيل. من ناحية أخرى، تقوم منظمات مثل مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، واليونيسيف (منظمة الأمم المتحدة للطفولة)، واليونيسكو (منظمة الأمم المتحدة للتربية والعِلم والثقافة) بعمل إنساني جدير بالثناء، ولكنها تظل مفتقرة إلى التمويل الكافي.
في العام الفائت، أنشئ صندوق «التعليم لا يمكن أن ينتظر» لسد فجوة التمويل وضمان حماية التعليم عند وقوع الكوارث. وكان هذا التطور مشجعًا وحظي بدعم هيئات الأمم المتحدة كافة. ولكن الحقيقة المثبطة للعزيمة هي أن التمويل لم يواكب الاحتياج.
ومع ذلك، لم تكن رياح التمويل المعاكسة كافية لتثبيط طموح صندوق التعليم لا يمكن أن ينتظر بقيادة مديرته الجديدة ياسمين شريف. فسرعان ما جمع الصندوق أول 120 مليون دولار لتعزيز التعليم الجيد لصالح 3.2 مليون طفل نازح، وبالتالي دعم 17 ألف معلم، مع استثمارات في سوريا وحولها، فضلًا عن تشاد، وأثيوبيا، واليمن.
ومن خلال العمل مع شبكة من الشركاء تركز على مساعدة اللاجئين السوريين، يعالج الصندوق التحديات البنيوية، مثل مكافأة المعلمين وعمليات توثيق الشهادات، في حين يساعد في وضع منهج جديد يستند إلى التعايش. وبالتعاون مع وزارة التعليم والتعليم العالي في لبنان الهيئة التي ترزح تحت ضغوط شديدة بفعل تدفق نصف مليون طفل سوري لاجئ يساعد الصندوق أيضًا في تحقيق هدف تقديم التعليم العالي الجودة لكل الأطفال والشباب في سن 3 إلى 18 عامًا.
تمثل هذه المبادرات المبدعة تقدمًا كبيرًا. ولكن تلبية احتياجات الأطفال الذين تُرِكوا في الخلف ستتطلب أموالًا أكبر كثيرًا من الأموال المتاحة حتى الآن تحت تصرف صندوق التعليم لا يمكن أن ينتظر.
في سوريا، تسببت حرب أهلية مدمرة ومطولة في جعل أكثر من سبعة ملايين طفل في احتياج إلى مساعدات إنسانية، ونحو 2.5 مليون طفل بلا مَسكَن. وفي فبراير 2016، اجتذب مؤتمر دعم سوريا والمنطقة في لندن 1.4 بليون دولار في هيئة تعهدات لصالح التعليم، ولكن جزءًا ضئيلًا فقط من هذه الأموال وصل حتى الآن إلى الخطوط الأمامية. وتظل سوريا مخربة، ولم تبدأ جهود إعادة البناء هناك بعد.
والأطفال اللاجئون السوريون في لبنان هم الأكثر تضررًا من هذا الفشل. من المؤكد أن مبادرة مبدعة لضمان حصول هؤلاء الأطفال على التعليم برنامج مدرسي بنظام الفترتين يستخدم الفصول المدرسية نفسها التي يستخدمها الأطفال اللبنانيون تعمل على تحرير مساحة ومواد قيمة، وتجعل من الممكن تسليم التعليم بتكلفة نحو 600 دولار فقط لكل تلميذ. ويتلخص الهدف في تزويد 540 ألف طفل سوري ولبناني عُرضة للخطر في سن 3 إلى 18 عامًا بشكل ما من أشكال التعليم هذا العام، مع استفادة 220 ألف طفل من نظام الفترتين.
غير أن المانحين لم يسهموا حتى الآن بأكثر من 200 مليون دولار أقل بنحو 100 مليون دولار من المطلوب. ونتيجة لهذا، ربما يُصبِح مئات الآلاف من الأطفال الضعفاء عاجزين عن الوصول إلى التعليم. وبالفعل، أصبح لبنان مضطرًا إلى إجراء تخفيضات مؤلمة والتخلي عن أرض ثمينة. كما تواجه الأردن وتركيا، اللتان تبنتا أيضًا نموذج الفترتين، معضلات مماثلة.
على نحو مماثل، يواجه القسم الأكبر من 500 ألف طفل من جنوب السودان الذين تدفقوا عبر الحدود إلى أوغندا العجز عن الحصول على التعليم رغم خطة الحكومة الأوغندية السخية لتزويدهم بأماكن في المدارس بسبب نقص التمويل. ثُم هناك الآلاف من الأطفال في العراق، والآلاف في اليمن والأطفال من ولاية راخين في ميانمار إلى بنجلاديش. وهكذا تستمر دورة نقص التمويل واليأس.
بيد أن المشكلة تمتد إلى ما هو أبعد من الدراسة. فرغم المبادرات الرئيسية، مثل برنامج التعليم في الاستجابة للطوارئ، والذي يهدف إلى الربط بين الشباب ودورات التعليم العالي، يظل الآلاف من الشباب المؤهلين غير قادرين على تأمين أماكن في المعاهد والجامعات. وهذا لا يقوض مستقبلهم فحسب، بل ويعوق أيضًا قدرتهم على استخدام مهاراتهم للمساعدة في إعادة بناء بلدانهم.
إن حياة الناس لا تتحطم بفِعل الأمواج التي تغمر سترات النجاة أو القوافل التي لا تتمكن من الوصول إلى المدن المحاصرة فحسب، بل تتحطم أيضًا بسبب غياب الأمل اليقين الساحق للروح بعدم وجود أي شيء يمكن التخطيط له أو التحضير له في المستقبل، ولا حتى مكان في مدرسة.

يفتقر الأطفال اللاجئون في العالَم عادة إلى جوازات السفر لتمكينهم من عبور الحدود بقدر أكبر من الحرية. ولكن جواز سفرهم الحقيقي إلى المستقبل يُختَم في المدرسة، وليس عند معبر حدودي. وربما يمكننا إعادة تشييد البنية الأساسية، ولكن الأطفال لن يتمكنوا أبدا من استعادة سنوات التعليم التي فاتتهم.

يتعين علينا أن نتحرك الآن لضمان حصول هذا الجيل الشاب من اللاجئين على التعليم وحمايتهم من الضياع. وآنئذ فقط يصبح بوسعنا أن نوفر الأساس لإعادة البناء الحقيقية وإطلاق العنان للأمل الذي يستحقه كل الأطفال.
رئيس وزراء المملكة المتحدة ووزير خزانتها سابقًا