الأدب في القول.. تعاليم قرآنية

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٢٤/سبتمبر/٢٠١٧ ٠٤:١٥ ص
الأدب في القول.. تعاليم قرآنية

علي بن راشد المطاعني

إبراهيم عليه السلام وإذ هو يعلم بأن والده آزر قد أمسى عدوا لله، ومع هذا فقد قال له قولا لينا ناصحا قَالَ: {سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا}.. سورة مريم آية 47.السلام كان لكافر، ووعد منه جميل بالاستغفار له، من ذلك نخلص بأننا وفي حياتنا الدنيوية يجب علينا التخلق بخلق القرآن، من الممكن أن ننتقد وأن ننصح وأن نبدي رأيا في قضية ما، لا ضير في ذلك، ولكن ليس بعيدا عن ما حضنا الله عليه، إذن الأدب ثم الأدب كان هو خلق المصطفى صلى الله عليه وسلم وبالتالي هو خلقنا إذ هو أسوتنا الحسنة.

نقول ما نقول وإذ نحن أصلا في خضم الكلمات وما بين أسطر الكتابة نعيش ونحيا، ننتقد الآخرين في مجال عملهم العام إذا ما رأينا أن هناك تقصيرا، ونسلط الضوء على بؤرة داكنة إذا ما رأينا أنها في طريقها للاتساع ضررا، وفي المقابل نتقبل نقدا مضادا على ما نكتب، ونتوقع أن نسمع رأيا معارضا، ويجب علينا ككُتاب أن نرهف السمع لما يقوله الآخر بذات القدر الذي يستمع فيه الآخرون لما نكتبه عنهم، تلك هي العدالة في معناها الأسمى، وتلك هي حرية التعبير في مغزاها الأعلى.

غير أن ثمة فهما خاطئا لهذه المسألة تراءت لنا ساطعة ومضيئة، ذلك أن البعض يعتقد أن النقد لا يأخذ بعده الأقوى إلا إذ اقترن بفاحش القول وبمر الشتم والقدح، أبدا أبدا لم يعلمنا ديننا هكذا فضائل، فآزر كان الأحق بالشتم، ومع هذا نال (سلاما) من ابنه البار إبراهيم عليه السلام، فهل مرت علينا هذه الآية مرور الكرام ولم نخرج منها بمعنى أو مغزى، وحتى فرعون الذي قال أنا ربكم الأعلى تلقى من موسى عليه السلام قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى، ذلك أمر إلهي واجب التنفيذ.
الاختلاف في الرأي لا يفسد قضية الود، هذا هو النهج الحضاري المستمد من القرآن يقينا، وفي إطار ذلك تتم مقارعة الحجة بالحجة، والرأي بالرأي، والبينة بالبينة، وكله وجميعه في إطار الأدب الإسلامي.
الكاتب الإعلامي ليس معصوما عن الخطأ فهو بشر بداية ونهاية يصيب ويخطئ ككل الناس، وقد يحدث أن لا يستوعب البعض الهدف البعيد الذي يرمي إليه باعتبار أن البشر يتفاوتون في هذا العطاء الرباني، لذلك لا ينبغي علينا الركض لمستنقع الشتائم الآسن لنختار منه ما لا يليق كرد على رأي يقبل الرأي الأخر وليس الشتم الآخر بالتأكيد.هنا فإن اللجوء لظلال دوحة الصمت الجميل هو فرض عين على الكاتب، بعد أن يوقن بأن طريق الأشواك الذي يسلكه في مهنته يعرضه لكل ذلك تصديقا بحقيقة أن كل آناء بما فيه ينضح.
‏غير أن الأمل يبقى معقودا على النواصي التي تحترم الرأي وترتهن لتعاليم القرآن الكريم وهم كُثر ولله الحمد، ولو لم يكونوا كذلك لمادت بنا الأرض بعد أن تنوء بالفحش المفضي للتهلكة.
بالطبع ليس كل ما يكتبه الكاتب هو عين الصواب ولكنه اجتهاد فردي، والكمال لله وحده وليس للبشر في هذا الأمر نصيب.
نأمل أن نرتقي بالحوار معنى ومغزى إلى مستوياته العُلا، وهو إن أمسى كذلك فهو يشير إلى إننا قد تخلقنا بالفعل بخلق القرآن وهذا هو عين الشرف وقمة سنام التقوى.