سحر هاري بوتر

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢٦/سبتمبر/٢٠١٧ ٠٤:٠٤ ص
سحر هاري بوتر

ويليام أ جليسون

لقد احتفل القراء في هذا الصيف وذلك في مهرجانات أدبية ومكتبات حول العام بالذكرى السنوية العشرين لانطلاقة سلسلة هاري بوتر للكاتبة ج ك رولينج حيث كان أول كتاب من السلسلة هو كتاب هاري بوتر، وحجر الفيلسوف (الذي تمت إعادة تسميته بالولايات المتحدة الأمريكية ليصبح هاري بوتر وحجر الساحر) ولقد كان هؤلاء محقين بالاحتفال فمنذ الظهور الأول للساحر الشاب في 26 يونيو 1997 أصبح «الولد الذي بقي على قيد الحياة» «الأيقونة التي صمدت».

لقد كانت سلسلة هاري بوتر خلال العقدين الفائتين تتألف من سبع روايات حيث طبع منها 450 مليون نسخة بما في ذلك نسخ مترجمة إلى أكثر من 72 لغة كما تم تحويل تلك الروايات إلى ثمانية أفلام تمكنت من تحقيق إيرادات تصل إلى 7 بلايين دولار أمريكي وحققت الألعاب والبضائع المرتبطة بسلسلة هاري بوتر 7 بلايين أخرى من الدولارات وبالنسبة لأولئك الذين ينتمون لفئات عمرية محددة ولديهم عقلية أدبية فإن من الصعب تذكر يوم لم تكن فيه الجماهير حول العالم مفتونة بسحر إبداع رولينج.

لذا كان من المذهل بالنسبة لي أن أتذكر الاستقبال السيئ لرواية هاري بوتر وحجر الساحر من قبل طلابي في خريف سنة 1999 عندما ظهرت تلك الرواية في المنهاج الدراسي لمقرر تعليمي في جامعة برينستون يتعلق بالأدب الشعبي «روائع الأدب الأمريكي» والذي كنت أدرسه منذ سنة 1993. إن المقرر والذي يستعرض الأدب الشعبي من القرن السابع عشر وحتى عصرنا الحاضر يحث الطلاب على النظر في كيف ولماذا تتمكن روائع الأدب من أن تفتن الجماهير وتأسرهم وفي نهاية كل مقرر كنت أسمح للطلاب باختيار الكتاب الأخير من أجل ممارسة الذوق الشعبي وفي سنة 1999 اختاروا رواية هاري بوتر.
لقد أصاب هوس بوتر الشواطئ الأمريكية بقوة في تلك السنة وفي يونيو أسرع ناشر السلسلة في الولايات المتحدة الأمريكية في إرسال طبعة الغلاف للرواية الثانية من سلسلة هاري بوتر «هاري بوتر وحجرة الأسرار» للمكتبات كما نشر الرواية الثالثة «هاري بوتر وسجين ازكابان» مع الطبعة الورقية لحجر الساحر بتاريخ 8 سبتمبر.
بحلول نهاية ذلك الشهر احتلت روايات رولينج المراكز الثلاثة الأولى في قائمة صحيفة نيويورك تايمز لأفضل مبيعات الكتب الخيالية كما قامت مجلة تايم بوضع صورة الساحر الذي يرتدي النظارات على صحفة الغلاف في المجلة حيث لم يكن من الممكن أن تذهب لأي مكان بدون أن ترى هاري وكان طلابي متلهفين لمعرفة لما كل هذه الضجة.
لكنهم اعروا بخيبة أمل كبيرة حيث أنه بالنسبة لهم كانت روايات هاري بوتر عبارة عن ثرثرة متواضعة لا يمكنها أن تضاهي روائع الروايات من فترة طفولتهم مثل سجلات نارنيا وسيد الخواتم وعلى الرغم من مرور سنوات قليلة على طفولتهم فلقد انتقدوا بشدة روايات هاري بوتر وأظهروا نفس حماسة الناقدين البالغين المشهورين بالانتقادات السلبية مستخدمين عبارات مثل «مقلده « و»مكتوبة بشكل سيء» و «نمطية» و»مقرفة» فبالنسبة لهم لم يتمتع هاري بأي سحر أو دفء أو سرعة البديهة أو خفة الدم.
إن نفور طلابي كان مفاجئا لي ولكني أدركت متأخرا أنه كان يجب أن لا أتفاجأ فعلى الرغم من أن البالغين شكلوا نسبة كبيرة من جمهور هاري بوتر منذ البداية كان هؤلاء الطلبة لا ينتمون للفئة العمرية المناسبة التي يمكنها تقدير تلك الظاهرة في مرحلة انتشارها. لقد كان عمر هؤلاء الطلاب كبيرًا جدًا بالنسبة لكتب الأطفال وصغيرا جدًا على إنجاب الأطفال (كما فعلت في تلك الفترة) وعليه فلقد سارع هؤلاء الطلاب للتأكيد على أنه بالرغم من شعبية هاري بوتر الحالية فإن تلك السلسلة ستختفي قريبا من الذاكرة وفي الخريف الذي تلى تلك السنة أي في سنة 2000 اختارت المجموعة اللاحقة من الطلاب رواية حجر الساحر كنص نهائي وكما فعل نظراءهم فلقد رفضوا تلك الرواية بثقة.
لقد قمت في ربيع سنة 2007 بتدريس مقرر «روائع الأدب الأمريكي»مجددا بعد أن تخليت عن تدريسه لبضع سنوات وعندما حان الوقت لإن يختار الطلاب الكتاب النهائي، وقع اختيارهم على رواية هاري بوتر وحجر الساحر حيث استعديت نفسيا لسهام نقدهم.
لكن هذه المرة كانت دراساتهم النقدية إيجابية للغاية فالمجموعة الجديدة التي ولدت بين سنتي 1986 و1989 كانوا قد قرأوا كتب رولينج لأول مرة وهم في مرحلة ما قبل المراهقة والمراهقة المبكرة ولم يكونوا طلابا بالجامعات مما يعني أنهم كبروا ليصبحوا بالغين شباب مع هاري ورون وهيرموني والشيء نفسه حصل في خريف سنة 2010 حيث بالنسبة لكلتا المجموعتين كانت عبارة «نحن كبرنا مع هاري بوتر»هي عبارة عن شعار وليس ملصق وذكروا أن من المستحيل أن يختفي هاري بوتر من الذاكرة.
لقد قمت بتدريس مقرر «روائع الأدب» مرتين منذ سنة 2010 وفي كلتا المرتين اختار الطلاب رواية من غير روايات هاري بوتر لإنهاء الفصل الدراسي فهل شعر الناس بالملل من هاري بوتر؟ هذا الاحتمال غير مرجح نظرا للحفاوة التي ما تزال تلقاها السلسلة في المقرر الآخر الذي أقوم فيه بتدريس روايات رولينج « أدب الأطفال» وهنا كان اختياري أن أضع أحد روايات هاري بوتر في المنهاج الدراسي ولكن عوضا عن رواية حجر الساحر قمت باختيار رواية هاري بوتر وسجين ازكابان وهي روايتي المفضلة من الروايات السبع التي تشكل سلسلة روايات هاري بوتر وهذه الرواية هي نقطة التحول ضمن السلسلة من أدب الأطفال الى الأدب القصصي الخيالي للبالغين الشباب وذلك من خلال تعاملها المعقد مع الإخلاص والخيانة والغضب والرحمة وهي الرواية المفضلة عند العديد من طلابي.
ولكن الى متى سوف تستمر شعبية هاري بوتر ؟ في كل مرة أقوم فيها بتدريس «أدب الأطفال» أبدأ بعمل استطلاع للرأي «ما هي الكتب الموجودة في المنهاج والتي قمت بقراءتها عندما كنت طفلا؟» في سنة 2010 86%قرؤوا هاري بوتر وسجين أزكابان وفي سنة 2012 ارتفع الرقم الى 94%ولكن في السنوات التي تلتها انخفضت النسبة الى 87%سنة 2014 و 81%سنة 2016.

إنا أعرف أن هذا كله غير علمي ولكني أشعر بالفضول فهل ستنخفض النسبة الى ما دون 80%في الربيع المقبل عندما أقوم بتدريس مقرر «أدب الأطفال « مرة أخرى ؟ هل سيتم إثبات صحة كلام طلابي من سنتي 1999 و2000

بحيث يختفي هاري بوتر من الذاكرة ويفشل في أن يصبح من الروايات الكلاسيكية الخالدة ؟ أو هل هناك أمامنا نقطة توازن بحيث تحافظ النسبة على ثباتها بدون أن تنخفض؟
ربما الذكرى السنوية الأربعين لهاري بوتر ستعطينا كافة الأجوبة ولكن حتى يحين ذلك الوقت سيكون من دواعي سروري أن أستمر بدعوته الى قاعة الدرس لدي.

أستاذ اللغة الإنجليزية في جامعة برينستون.