الإلحاد في السلطنة ليس ظاهرة

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٢٢/أكتوبر/٢٠١٧ ٠٣:٣٢ ص
الإلحاد في السلطنة ليس ظاهرة

علي بن راشد المطاعني

تنتاب الإنسان أحيانا بعض التغيرات الفسيولوجية في مراحل عمره وفقا لمعطيات سيكولوجية واجتماعية وظروف حياتية متباينة، تفرز سلوكيات غير إيجابية يرفضها المجتمع كعدم أداء الفرائض الدينية المكتوبة وما شابهها، فيسارعون إلى وصم هذا البعض بالإلحاد دفعة واحدة دون معرفة ماهية هذه المتغيرات وكيفية علاجها نفسيا واجتماعيا وربما دينيا. نشاهد مثل هذه الحالات في الجامعات والكليات التي يفد إليها طلبة من محافظات شتى، الأمر الذي يحدث ما يمكننا تسميته بصدمة الثقافة التي يعيشها الطلبة والطالبات القادمون من بيئات ربما كانت منغلقة على ذاتها وتسود فيها الممنوعات والمحرمات بغير سند فقهي صحيح. ومن الطبيعي عندما لا تهيئ هذه المجتمعات الشاب نفسيا واجتماعيا لمواجهة الواقع الحياتي الجديد الذي وجد نفسه في كنفه، تتلبسه حالة نفسية غير متوافقة مع الواقع الجديد الذي وجد نفسه فيه بغير مقدمات كافية، فينغلق على نفسه ولا يختلط بزملائه، ويغدو غير قادر على التفاعل معهم، وينتج عن ذلك حالات انفصام في شخصية بعض الشباب.

ما يحدث لا يستحق أن نطلق عليه وصف (الإلحاد) لأن تلك الكلمة عميقة الغور، عظيمة وكارثية الدلالة، إنما هي مرحلة عابرة يمر بها الشباب إلى أن يتأقلم مع الواقع الجديد.
فالبعض يعمم صفة الإلحاد على الكل بمجرد وجود أو اشتباه ببعض المظاهر التي يرى البعض أنها الإلحاد، وهو ما يطلق على فئة الطلاب الذين قد يتمسكون ببعض المعتقدات التي اختلطت بأفكار جديدة من الدراسات العلمية والاجتماعية والاختلاط مع أقران من بيئات وثقافات متباينة، فضلا عن عدم نضج الشباب لمزج كل هذه المدخلات العلمية والدينية في فهم أعمق للدين والحياة، لكن سرعان ما يعودون لصوابهم.
إن العلم ببواطن الأمور وسبر أغوار البشر في مسائل الاعتقاد والإيمان من عدمه أمر غيبي فلا ينصب الإنسان نفسه كأنه عالم بأسرار البشر وموزع صكوك الإيمان من عدمه، وما يعزز ذلك أننا لم نر حالات تجاهر بالإلحاد في السلطنة وتعلن عدم الألوهية للمولى عز وجل أو تجحد الأديان، فلماذا نعطي الأمور أكبر من حجمها ووضعها الطبيعي.
إن الإلحاد بهذا المغزى والمعنى لا يوجد في السلطنة، كما أنه ليس ظاهرة كما يعتقد البعض، فلا يتعين أن نصبغ مجتمعنا بظواهر بهذا الحجم المهول وهو بريء منها.
بل إن معالجة مثل هذه الأمور لا ينبغي أن تأخذ طابع الإعلان لتلافي التقليد الذي قد ينتج عن مثل هذه المعالجات خاصة في المجتمعات الفتية التي يزداد فيها التقليد والانقياد والرغبة في الممنوع كنوع من التمظهر والانصياع للأفكار الدخيلة.
إن البعض يعلق على العقلانيين الذين ينادون بالمنهج العقلاني في التفكير والنظرة إلى الدين والحياة، ولهم أفكارهم التي نحترمها في الوصول إلى الحقيقة، لكنهم للأسف يصنفون من البعض كملحدين‏، في حين أنهم أبرياء من مثل هذه التهم بل إن إيمانهم ومعتقداتهم راسخة كرسوخ الجبال.
من الواضح أن البعض لا يعرف ما هو الإلحاد، ولكن عندما نسلط عليه الأضواء فمن الطبيعي أن نجد البعض ربما يسلك طريقا قد يؤدي به إلى التقليد الأعمى والتفكير الجامح بعيدا عن جوهر الدين.
ولا نغفل أيضا الأزمات النفسية للكثير من المراهقين التي تؤدي إلى ردود أفعال لا تتسق مع الواقع، وتعبر عن ما يواجهونه في المجتمع من إشكالات لم يستطيعوا التكيف معها أو التغلب عليها، فلا يمكن أن نصم هؤلاء الشباب بالإلحاد لمجرد اختلالات نفسية تعتري الفرد في مراحل حياته وسرعان ما يعود لجادة الصواب.
بالطبع هناك بعض من الحالات ربما لا تتعدى أصابع اليد الواحدة وهذا طبيعي في أي مجتمع تتنازعه الكثير من الأفكار، ويعايش إشكالات كثيرة ومتغيرات متسارعة تعصف بأفكار البعض لكنها ليست بذلك القدر من الخطورة التي تكفر بالمولى عز وجل، وتنتقص من الأديان السماوية.
‏نأمل أن لا نعطي هذه الأمور حجما أكبر منها، ولا نضفي على مجتمعنا ظواهر هو بريء منها ونصمه بحالات لا تعدو إلا أن تكون نفسية بحتة أثرت فيها بعض الظروف واصطدمت بالواقع ولم تستطع التكيف معه، فعلينا حينئذ استيعابها والأخذ بيدها لجادة الصواب وعدم وصمها بنعوت قاسية وغير ملائمة.
الأمر الآخر الذي أريده أن يكون خاتما لمقالي، هو أن الإلحاد موضوع فلسفيٌ صرف لا يمكن أن يوصم أحد به، ولا يدرك كنهه إلا المرء نفسه، وإقحام أفكار الآخرين ومعاداتها إن لم توافق أمزجة بعض رجالات الدين هو معادٍ للمنطق وللفكر الإسلامي العميق، وهو ما يبعث على الدهشة في كثرة ترديد هذه العبارات ، التي تشعر أنها بعيدة عن التوصيف العلمي والنفسي الدقيق، ولا يمكن بحالٍ من الأحوال أن يكون الإلحاد علكة بألسن البعض، يطبل به تارة، وتارة يغني.
وما يحزن أن كل فكرٍ جديد منفتح، تقابله المدرسة التقليدية بالعداء الفاحش، وتبدأ في شن حملة شعواء عليه، لتجريده من قيمته العلمية والفكرية، والأدهى من ذلك أن تكون الأداة المثلى لضعضة التنوير الكوني متمثلة في ربط المجتمع بعاطفته الدينية السطحية، التي باتت لا ترضي ذوق الجيل الجديد الذي لا يعرف للعاطفة طريقا، خصوصا مع ارتفاع سقفه المعرفي الهائل، الذي -بطبيعة الحال- لا يتماشى مع السقف المعرفي للقرن الأول الهجري.