الوظائف الجديدة ومسؤولية الشباب

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٢٣/أكتوبر/٢٠١٧ ١٢:٢٥ م
الوظائف الجديدة ومسؤولية الشباب

محمد محمود عثمان*

تدبير الوظائف الجديدة لشباب الخريجين الباحثين عن العمل، معضلة تواجه تحديات كبيرة، مع الظروف التي فرضتها الأزمة الاقتصادية منذ عدة سنوات، وأصبح الخروج من هذه الإشكالية يواجه عقبات كبيرة، ومن ثم يتطلب أفكاراً متطورة ومسؤوليات جديدة يتحمّلها كل من الأسرة والمجتمع والدولة والشباب أنفسهم، وأرى أنهم يتحمّلون جزءاً كبيراً من هذه المسؤولية لأنها قضيتهم بالدرجة الأولى، لذلك نبدأ بالسؤال حول كم من الشاب الباحث عن عمل بحث جدياً بنفسه عن عمل يناسبه؟ وكم من المقابلات أجراها؟ وليس مهماً أن يكون قد وُفق فيها؛ لأننا نسأل عن عدد المحاولات التي بذلها في البحث عن عمل بدون الانتظار للوظائف الحكومية التي أصبحت نادرة في عصرنا، والتي إذا توفرت فربما يحظى بها قلة من المحظوظين؛ لأننا لا نريد للشباب أن يظل قابعاً مستكيناً في مسكنه انتظاراً لوظيفة ما، ربما لم ولن تأتي بسهولة أو تأتي بعد فوات نصف العمر أو يزيد؛ لأن الوظائف في وقتنا لن تتساقط من السماء التي لا تمطر ذهباً ولا فضة ولا عملاً، ولكن على الشباب أن يبحث عنها في كل مكان تصيداً للفرصة التي لا تأتي إلا لمَن يستحقها، والتي يستحقها كل مَن تعب واجتهد من أجلها لأن الله سبحانه وتعالى لا يضيع أجر المجتهدين، ولأن لكل مجتهد نصيب، وألا يركن الشباب إلى الراحة أو اليأس والقنوط وأن يستمعوا لقول الشاعر العربي أبو تمام الذي قال: "بصُرْتَ بالرَّاحةِ الكُبرى فلمْ ترها... تُنالُ إلَّا على جسرٍ منَ التَّعبِ".
ولا شك أن ذلك لا يتحقق من خلال الشباب فقط، فهناك مسؤولية الأسرة التي يجب أن تدفع بأبنائها وبناتها للعمل، وتغرس فيهم ثقافة العمل الحر الشريف مهما كان بسيطاً أو صغيراً، وتشجعهم على الاستقلال بحياتهم والاعتماد على النفس حتى وهم في مراحل التعليم المختلفة، كما تفعل الأسر الأوروبية ذلك عندما يبلغ الأبناء الخامسة عشر أو السادسة عشر من العمر؛ لأن ذلك يتيح لهم اكتشاف قدراتهم من واقع الحياة العملية بعد أن ينخرطوا في قطاعات العمل التي تناسبهم، وعلى المجتمع ووسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماع، بل والآليات في القوالب الفنية المتاحة في الدراما والمسلسلات والمسرحيات وكل الفنون، تكريس هذه الثقافة المجتمعية، وبعد ذلك مَن يجد لديه القدرة أو الرغبة في التعليم يستكمل دراسته في المجال الذي يعمل فيه، خاصة أن النظم التعليمية العربية غير مؤهلة لإعداد أجيال قادرة على التفاعل السريع مع احتياجات المجتمع وأسواق العمل، وغير قادرة أيضاً على اكتشاف قدرات ومهارات ومواهب الشباب في وقت مبكر، حتى تتعهدها بالرعاية والصقل، حتى يصبحوا أفراداً فاعلين في المجتمع، بما يمكنهم من سرعة الانخراط في قطاعات العمل المختلفة والمشاركة في الإنتاج، والإسهام في زيادة الدخل القومي، وحتى نستفيد من طاقات الشباب وإبداعاته وحيويته.
الشباب العربي عامة يقضي نصف سنوات عمره في الدراسة النظرية والتعليم غير المنتج، ثم يقضي نصف عمره الآخر في البحث عن وظيفة، وما يلحق بذلك من ارتياد المقاهي والملاهي والعبث بالهواتف الذكية، والتفنن في إضاعة وإهدار الوقت؛ لأن شبابنا لم يتعوّد على الاستقلالية عن الأسرة وعلى بذل الجهد أو الصبر في طريق البحث عن وظيفة مناسبة ولو مؤقتة، وهناك أيضاً مسؤولية الحكومات التي عجزت عن إيجاد وظائف جديدة من خلال الشركات التجارية والخدمية والصناعية والاستثمارات، التي تضاف للشركات والمصانع القائمة بما يمكنها من استيعاب جحافل الخريجين -التي تمثل القنابل الموقوتة التي تهدد الأمن المجتمعي- والتي تتراكم سنوياً في طوابير الباحثين عن فرصة عمل، كما لم يعد القطاع الخاص -باستثناء بعض الشركات الكبرى- بديلاً مناسباً أمام تطلعات الشباب وطموحاتهم، حيث انتشرت مؤخراً معتقدات مؤداها أنه لا تعيينات جديدة، حتى ولو بديلاً للمنتهية خدماتهم لأي من الأسباب، والاكتفاء بما لديها من عاملين، تحمّلهم فوق طاقتهم، حتى ولو كانت لذلك تأثيرات سلبية على حجم العمل أو جودة الإنتاج، بدعوى ترشيد الإنفاق.
لا شك أن ذلك مؤشر سلبي على قوة العمل في المدى البعيد، وعلى زيادة فائض العمال ومعدلات البطالة، ثم تفاقم اختلالات سوق العمل، لذلك نؤكد على أهمية إعداد وتدريب الشباب وتعويدهم على العمل وتحمّل المسؤولية من بداية المراحل الدراسية المختلفة؛ لأننا أخطأنا كثيراً في أسلوب تربية الأجيال الحالية التي عاشت حياة الرفاهية، الأمر الذي أصبحت فيه شبه عاجزة عن خوض غمار الحياة وهي تتسلح بخبرات وتجارب عملية تعينها على العمل، بدون الاعتماد الأساسي على الأسرة أو الدولة أو على كليهما، وقد ساعد على تأصيل ذلك توافر مقومات الحياة الناعمة في بعض المجتمعات الغنية التي توفر لهم كل وسائل وسبل الرفاهية، حتى أصبح شعار بعض الشباب إن لم يكن معظمه هو "علمني..
دلعني..
وظفني" اعتماداً على أن تقدّم له الدولة كل ذلك بدون عناء أو جهد أو تعب.
*mohmeedosman@yahoo.com