كرة القدم توحِّد العراقيين

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ١٣/نوفمبر/٢٠١٧ ٠٤:٥٩ ص
كرة القدم توحِّد العراقيين

مات سميث

في الأجواء الحارّة خلال فصل الصيف بمدينة البصرة، ورغم ارتفاع الشديد لدرجات الحرارة في شهر رمضان، يحتشد 60 ألفاً من المشجعين في استاد كرة القدم بالمدينة الذي أنشئ بميزانية 550 مليون دولار أمريكي لمشاهدة فعالية بالغة الأهمية: المباراة الودية بين منتخب العراق ومنتخب الأردن الشقيق.

لقد حصلت المباراة التي أقيمت في يونيو، حيث فاز الفريق المُضيف بنتيجة 1 مقابل 0، على قليل من الاهتمام على الصعيد العالمي، ولكن بالنسبة للعراقيين، كانت عودة حميدة لا تُنسى للمنتخب العراقي.

تجذب المباريات الودية الدولية عادةً عدداً قليلاً من المشجعين، مما يجعل حجم الجمهور في المباراة التي أقيمت في البصرة كبيراً -في الشهر نفسه، شهدت مباراة تأهل منتخب ألمانيا بطل العالم إلى كأس العالم في نورنبرج فقط 33 ألفاً من المشجعين- بينما تأمل حشود المشجعين أن تساعد عودة مباريات كرة القدم في القضاء على انقسامات المجتمع العراقي.
يقول يوسف الخفاجي، 24 عاماً، مدير مشروع iq-pro.net، وهو موقع إلكتروني مخصص لمتابعة كرة القدم العراقية وله 1.6 مليون من المتابعين على فيسبوك، «كرة القدم رسالة مهمة للسلام، فهي بمثابة اللغة بين الشعوب المختلفة. تحظى كرة القدم باهتمام كبير من وسائل الإعلام. عندما لم يكن يلعب منتخب العراق مباريات كرة القدم الداخلية، كان لذلك الأثر السلبي الشديد على المجتمع العراقي. نقل ذلك رسالة بأن العراق ما تزال منطقة حرب. الآن، تُقام المباريات الدولية من جديد، وهذا ينقل رسالة أن العراق بلد آمن الآن، ويمكن استضافة المشجعين دون حدوث مشاكل. من الآمن أن يعود اللاعبون الآن».
كانت المباريات الدولية في العراق أمراً نادر الحدوث منذ اندلاع الحرب بين إيران والعراق في العام 1980، وتبقى العراق البلد الوحيد الذي وصل إلى نهائيات كأس العالم -العام 1986- دون لعب أية مباريات على أرضه على الإطلاق.
لحسن الحظ، تؤمن حكومة العراق الحالية في تسخير الرياضة لأجل الخير، لذلك تستثمر بشكل كبير في تأسيس البنية الأساسية لكرة القدم، رغم انهيار أسعار النفط، وتراجع إيرادات الدولة، والتكلفة الباهظة للحرب الممتدة لاستعادة الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم داعش. وفق تصريحات المتحدّث باسم وزارة الشباب والرياضة، الذي يوضح أن الرياضة تمثل عاملاً رئيسياً في تجنيب الشباب المتاعب، «رسالتنا الرئيسية للعالم أجمع هي أن العراق ليست ساحة حرب كما يظهر بوسائل الإعلام، ولكنها بلد نامية حيث يعيش الشعب العراقي حياة طبيعية».
ويضيف أن الاتحاد الدولي لكرة القدم «الفيفا» سمح بإقامة المباريات الودية بالعراق في أربيل، والبصرة، وكربلاء بعد إتمام الترتيبات الأمنية اللازمة، وبناء الملاعب المناسبة، وتوافر البنية الأساسية الداعمة مثل الفنادق ووسائل النقل والمواصلات.
كما حصل ملف كرة القدم العراقي على دعم جديد عندما قام عدد من لاعبي كرة القدم المتقاعدين مثل ريفالدو، وهرنان كريسبو، وميشيل سالجادو بلعب مباراة استعراضية ضد منتخب العراق في مباراة أقيمت في البصرة وحضرها عدد كبير من الجماهير في سبتمبر الفائت.
ومع ذلك، ما تزال موافقة الاتحاد الدولي لكرة القدم «الفيفا» على استضافة المباريات الرسمية في العراق أمراً صعب المنال. وهذا يمثل عائقاً كبيراً أمام التقدم على أرض الواقع. يقول ليث النعيمي، مؤسس موقع socceriraq.net، «كم عدد المباريات التي فاز فيها الفريق المُضيف بسبب الأجواء العدائية؟ الأمر يشبه وجود لاعب ثاني عشر بالفريق، وما زلنا نفتقد هذا بالعراق منذ فترة طويلة للغاية. العراق به أفضل المشجعين في العالم. تهتف الجماهير بصوت عال للغاية، ويتحمسون لمنتخب بلدهم، ويحبون اللعبة».
يتعاون الموقع الإلكتروني للنعيمي، وغيره من المواقع الإلكترونية العراقية على شبكة الإنترنت لإقناع الاتحاد الدولي لكرة القدم «الفيفا» برفع العقوبات التي تمنع العراق من إقامة المباريات على أرضه.
يقول النعيمي، المولود في جلاسكو لأبوين عراقيين، «على مدار شهر كامل، استخدمنا هاشتاج #OurJoyIsYourDecision في جميع قنواتنا. نحن الحساب الأضخم باللغة الإنجليزية، ولكن هناك أيضاً حسابات ضخمة باللغة العربية».
لعب المنتخب العراقي مباراة ودية أخرى على أرضه في أكتوبر الفائت، حيث فاز على منتخب كينيا بنتيجة 2-1. وقد ضمت التشكيلة الأساسية لاعب خط الوسط بروا نوري، المولود في كردستان العراق قبل الانتقال إلى السويد وهو طفل رضيع. كانت هذه المباراة هي الأولى له في العراق.
يقول نوري: «كانت تجربة رائعة -سمعت عن تلك الأجواء من قبل، وكانت مثلما توقعت تماماً. أصبحت ذكرى رائعة طوال حياتي. أنا سعيد وفخور للغاية. ليس هناك الكثير من الأشياء التي تتغلب على لعب مباراة كرة قدم دولية».
نوري مقتنع أن كرة القدم ربما تساعد في توحيد مختلف الأعراق والأديان في العراق، ويقول: «أؤمن بشدة أن القوة من خلال التنوع هي الحل وأن كرة القدم هي المنصة التي توضح ذلك».
كانت اللحظة الأفضل في تاريخ العراق في العام 2007، عندما تغلَّب المنتخب الوطني على الكثير من الصعوبات خارج أرض الملعب للفوز بكأس آسيا.
يقول النعيمي: «توقف الجميع عن الصراع فجأة. نسي العراقيون الحرب، ووقفنا كرجل واحد، معاً. جعلت كرة القدم ذلك ممكناً».
تبع ذلك الانتصار المدهش وصول منتخب العراق إلى الدور ربع النهائي ونصف النهائي في بطولتي العام 2011، والعام 2015 لبطولة كأس آسيا، ولكن الوصول إلى نهائيات كأس العالم كان من الصعب للغاية حيث لعب الفريق مبارياته كافة في أراض مُحايدة بدلاً من أرضه. ليس لدى المشجعين شكٌ بأن لعب تلك المباريات على أرض العراق كان ليشكّل فارقاً كبيراً.
بعدما فشل المنتخب الوطني العراقي في التأهل إلى نهائيات كأس العالم في العام 2010، بدأ الخفاجي وأصدقاؤه في البحث عن اللاعبين من أصل عراقي المحترفين في جميع أنحاء العالم.
يضيف الخفاجي: «بحثنا في قوائم اللاعبين. إن وجدنا اسماً مألوفاً أو شكلاً مألوفاً في بعض الأحيان... ليس فقط اللاعبين العرب؛ لأن العراق ليست بلداً عربياً، ولكنها تحتوي مزيجاً من الأعراق المختلفة. العديد من أولئك اللاعبين من أصل كردي، وليس من أصل عربي. آباؤهم أو أجدادهم كانوا عراقيين. تواصلنا معهم. أخبرناهم عن إمكانية اللعب للمنتخب الوطني العراقي. العديد لم تتوافر أمامهم الفرصة للعب في منتخبات البلدان التي يعيشون بها، لذلك حاولنا مساعدتهم في اللعب للمنتخب الوطني».
بشكل عام، وجدنا 15 لاعباً لعبوا في وقت لاحق للمنتخب العراقي، مع 4 في التشكيلة الحالية بمن فيهم نوري، الذي كان يلعب في منتخب الشباب بالسويد.
أفضل لاعب في قائمة الخفاجي هو جستن ميرام، المولود في ولاية ميشيجان، وهو من أصل آشوري عراقي، وهو لاعب رئيسي في دوري النخبة الأمريكي لكرة القدم.
يقول الخفاجي: «اسم جستن لا يجعلك تعتقد أنه ربما يكون عراقياً، ولكن عندما قرأت ميرام، بدا لي الاسم أنه ربما يكون من أصل شرق أوسطي. وجدت صفحته على فيسبوك، وبدأت الحديث إليه. بدأنا الحديث وهو الآن يلعب في المنتخب الوطني».
تحدّث ميرام إلى قناة التلفاز التابعة لناديه كولومبوس كرو بعدما لعب 79 دقيقة في مباراة كينيا في رحلته الأولى إلى العراق.
يقول ميرام: «تلك التجربة كانت تماماً ما أبحث عنه عندما التحقت بالمنتخب الوطني. عندما كان يتم استبدالي بلاعب آخر، كان الجمهور بأكمله يقف -تلك اللحظة انتابتني القشعريرة عندما رأيت الاحترام والحب الذي يُكِنَّه لي الجمهور».
رفض الاتحاد الدولي لكرة القدم «الفيفا» التعليق على احتمالات عودة بطولات كرة القدم في العراق، ولكن مع وصول العراق إلى تصنيف عال على مستوى العالم للعام السادس على التوالي، وتأهل المنتخب العراقي إلى كأس آسيا لعام 2019 وظهور عدد كبير من اللاعبين الشباب الموهوبين، ربما تشرق آفاق المجد العراقي من جديد.

كاتب وصحفي