لماذا نحتفل بالعيد الوطني؟ 2

مقالات رأي و تحليلات الخميس ١٦/نوفمبر/٢٠١٧ ٠٣:٥١ ص
لماذا نحتفل بالعيد الوطني؟ 2

علي بن راشد المطاعني

لماذا نحتفل بالعيد الوطني المجيد الذي سيظل للأبد أهم الأعياد الوطنية التي يحتفي بها الشعب العماني؟

لأن من منجزات هذا العهد الزاهر الوحدة الوطنية التي تعد سياج التنمية الذي جعل التنمية في البلاد تشهد نموا مطردا، بحيث تفرغ العمانيون لبناء بلادهم، ولعل العمانيون الأوائل والمخضرمون يدركون ماهية الوحدة الوطنية التي تحققت على هذه الأرض الطيبة بعد انبلاج عصر النهضة، وتوحيد السلطنة وإنهاء حالة الشقاق والفرقة والحروب الأهلية بين القبائل والولايات بدواعي الفتن، وعندما تولى جلالته وضعت هذه الفتن أوزارها إلى غير رجعة والحمد لله، ونفضت الحروب الأهلية غبار الحقد والضغينة في كل أرجاء الوطن، انطلقوا خلف قيادتهم الرشيدة متآلفة قلوبهم متوحدة كلمتهم لبناء المستقبل تحت راية الوطن، وبصوت واحد لا تعلو عليه أصوات القبائل والعشائر والمذهبيات والعرقيات التي أنهكت عمان ردحا من الزمن وعانت من ويلاتها كما تعاني العديد من الدول في الوقت الراهن.
فظلت السلطنة وعلى امتداد سنين النهضة المباركة في منأى عن الفتن ما ظهر منها وما بطن، وبقدر أثار اندهاش وإعجاب المراقبين والمحللين والسياسيين والإعلاميين وعلى مستوى كوكب الأرض.
ومن فضل الله على عُمان وعلى أهل عُمان أن المقام السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- كان قد أرسى ومنذ تباشير النهضة المباركة، حيث نقف الآن على أعتاب العيد الـ47 للنهضة المباركة، كان قد أرسى في هذه الأرض الطيبة الحقيقة المثلى التي أينعت وطرحت وردا وزهرا وجمالا، والقائلة أن لا فضل لأحد على أحد، ولا مكان في عُمان لعصبية أو مذهبية، ولا مكان لصراع قائم على القبلية وأحدوثة الأعلى والأفضل في مقابل الأدنى، وعلى تلك المبادئ النيرة قامت النهضة العُمانية، فالأساس فيها للمواطنة، وأن الناس كلهم وجميعهم متساوون في الحقوق والواجبات، وأن الوطن هو الذي يجمعهم ويوحدهم.
ومن خلال هذا الفكر المتقدم الذي طرحه القائد بدأت نهضة عُمان الجديدة والحديثة، ذلك أن جلالته -حفظه الله- كان يوقن بأنه إن لم يتم وأد بذور الفتنة والعنصرية والجهوية والمذهبية فلن تفلح كل الجهود المبذولة في التنمية، والتنمية في معناها الأسمى هي تنمية الفكر وأساسه العقل المستنير المتشبع بحب الوطن فقط.
فجلالته يؤكد دائما في خطاباته السامية هذه السجايا الطيبة التي أشار إليها أن الأرض العمانية طيبة لا تنبت إلا طيبا، ولعل خطابه في العيد الوطني الرابع والعشرين المجيد كان واضحا في التحذير من هذا الداء حيث قال:‏»إن التطرف مهما كانت مسمياته، والتعصب مهما كانت أشكاله، والتحزب مهما كانت دوافعه ومنطلقاته، نباتات كريهة سامة ترفضها التربة العمانية الطيبة التي لا تنبت إلا طيبا، ولا تقبل أبدا أن تلقى فيها بذور الفرقة والشقاق».
ولقد أسهمت مؤسسات الدولة كلها مجتمعة في ترجمة هذا الفكر وحافظت على القيم والمبادئ الذي يرتكز عليها وتمت شرعنة الأطر والتشريعات التي تجرم الفرقة وتثير العصبيات والمذهبيات في المجتمع، واتخذت الإجراءات ضد كل من يثير هذه الجوانب في مجتمعنا حتى غدا ذلك سلوكا عمانيا فريدا في الانسجام والتناغم بين مكونات المجتمع.
لذلك فإن الزوار الأجانب وعندما يفدون على الرحب والسعة لبلادنا فإنهم يلحظون عدم وجود فوارق بين المذاهب الموجودة في عُمان، خلافا لما هو سائد في الدول العربية والإسلامية التي وصل فيها الأمر إلى القتل والسحل واستباحة الأرواح في صراع مذهبي مجنون لا علاقة له بالدين أو بالتدين، عُمان وبفضل الله وبفكر القائد وبنظرته الثاقبة تجاوزت هذه السقطات المميتة منذ عقود مضت، فالمساجد والجوامع تقام فيها الصلوات ويؤمها الجميع بدون أي أشارة إلى مذهب بعينه لمسجد بعينه، الجميع مسلمون، والجميع جاءوا للصلاة انصياعا للأمر الإلهي في الآية 56 من سورة الذاريات: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) صدق الله العظيم.
وبما أن الغاية من خلق الإنسان واضحة وجلية فقد انطلق الفكر السامي من هذه الآية لتأكيد وتأصيل الوحدة الوطنية في السلطنة الحبيبة، لذلك فإننا نحتفل بالعيد الوطني لأن منجزات هذا العهد الزاهر أحاطت المجتمع العماني بسياج الوحدة الوطنية الذي لا يلين ولا يضعف مدى الدهر.