مصباح السلطان

مقالات رأي و تحليلات الخميس ١٦/نوفمبر/٢٠١٧ ١١:٥١ ص
مصباح السلطان

كانت الليلة ظلماء جداً، والبرد قارساً، والماء قليلاً، والوقود بدأ ينفد، لم يكن لديه سوى دفتره الصغير الذي رافقه طوال دراسته في سانت هيرست، وقلمه الذي اشتراه من أحد المحال في لندن التي كان يقيم فيها أحياناً منتظراً العودة إلى عُمان، تتجمهر الأوقات في ساعته، تبتل ثيابه ببرد الانتظار، يمد ناظريه إلى شارع برومبتون في نايتسبريدج، تتطاول أشجار حديقة الهايد بارك من حوله تذكره بغافات عُمان وسدرها وأشجار الشريش في ضواحي مسقط. غابات من الحنين تتزاحم في قلبه المشتاق إلى عُمان، الظلام في لندن مدسوس في الأشجار، لا يشبه ليل عُمان النَّدي، فهنا البرودة قارسة لا تسامح الغرباء، تجلد دون رحمة، يترنم بأهازيج من أشعار جمعان ديوان التي كان يسمعها في طفولته في ظفار، يتفكر ويحفظ كل التفاصيل عن ظهر أمد، يمسح دمعة الشوق إلى عُمان، دمع ذاب في ملح الذكريات، لا تعلم عُمان ماذا يفعل الشوق بالمشتاق، قالها في سره ونهض عائداً إلى غرفته بكلية سانت هيرست.

كانت الوسادة مبلولة بمطر من الشوق، وبجوارها تصمت الأسئلة عن موعد العودة إلى الوطن، كل شيء آيل لليقظة في كل وقت وعلى حين غرة، فعُمان بلد تستحق أن تعود إليها، يتضاءل الهدى على سلم الصبر الطويل ويحدث نفسه بأمل: «غداً سيشرق نهار آخر مختلف على عُمان».
كانت عُمان في قلبه، يغفو فيراها تحتضن أبناءها البررة، وتحميهم من غدر الزمان والأصحاب وتصاريف الدهر، تشرق شمس لندن الباردة على الأغباش الندية، لكن ثمة فتى يتمنى أن يحلِّق كالنسر عائداً إلى وطنه. تتزاحم رئة اللغة باسم عُمان، اسمها القاطع كالنقطة آخر السطر، كالحوار بين الجمل، وتظل عُمان تنتظر السلطان كنافذة، تسقي عشب الحنين إلى سلطانها القادم، تمارس شغب الذاكرة لتظل منتظرة، تقفز الأفكار من النصوص مسافرة إلى السلطان في لندن لتهتف له: عد..!!
تعبث رياح لندن بشرر الصبر، تنثر الحريق في القلب، يحسب السلطان أيام وشهور الانتظار، والساعات المبتلة بالحنين، والدقائق المرتبكة أمام الوقت المهرول نحو العودة.