فتاة مع الطبيعة

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٢٠/نوفمبر/٢٠١٧ ٠٥:٢٦ ص
فتاة مع الطبيعة

باميلا كسرواني

الاهتمام بالطبيعة والحيوانات والفضول لاكتشاف كل ما تخبئه المحميات الطبيعية في مختلف أنحاء العالم انعكسا جليّاً على حياة التونسية هيفاء الشامخي. هي لا تتردد في أن تترك الحياة المدنية، طوال ستة أشهر من العام، لتستقر في محمية بوهدمة برفقة حصانها وكلبها، من أجل جمع المعطيات الميدانية وتحليل النظام البيئي.

حب الطبيعة ليس جديداً على حياة هذه الشابة التونسية البالغة من العمر 31 عاماً التي ولدت في ألمانيا وكبرت في تونس. فتخبرنا «بدأ مع أمي ومحيطي بشكل عام. منذ صغري وأنا متعلقة كثيراً بالحيوانات. وعندما كنت في التاسعة، وصلنا إلى تونس وبدأت أجمع القطط من الشارع ونأويها في دارنا ونهتم به. كما أنني أمارس الفروسية منذ كنت في الخامسة من العمر». وتضيف « عندما كبرت، عرفت أن مجال تخصصي سيكون البيولوجيا أو الإيكولوجيا».

وبالفعل، لم تكن على خطأ إذ درست البيولوجيا بصفة عامة ثم تخصصت في الإيكولوجيا في هامبورج الألمانية، وتحديداً اهتمّت بالـ «النحل البري» لأنها مهددة بالانقراض في أمريكا وأوروبا. وهنا تشرح لنا أن المشكلة الأكبر هو معدل وفياتها. وتتوقّف عند أهمية النحل البري في حياتنا مشيرة إلى أنها «المسؤولة عن تلقيح النباتات البرية والمزروعة وتجعل الثمرة أكبر وأكثر نضجاً». وتواصل شرحها قائلة: «إذا اختفت النحلة، كما حصل في الصين الشعبية حيث انقرضت ضربة واحدة، يضطر البشر إلى التلقيح بأنفسهم. وتقوم النحلة بالتلقيح في دقيقة واحدة بينما يحتاج الإنسان إلى أسبوع كامل!»
اهتمام الشامخي بالنحل البري جعلها تختارها موضوعاً لأطروحتها وتحديداً تلك الموجودة في شمال أفريقيا لاسيما مع غياب الدراسة عنها. وتضيف: «أنا قمت ببحث في المغرب وجمعت بعض فصائل النحل في المغرب، وفي الجزائر أيضًا والآن في تونس. وبالتالي، يستطيع الباحثون أن يستفيدوا من دراساتي لا سيما أنه توجد في تونس العديد من الفصائل غير المعروفة».
وترى الشامخي أن هذا الموضوع بغاية الأهمية من أجل التأكد ما إذا كانت هذه الفصائل في شمال أفريقيا مُهددة. وتقول «في أوروبا، تكمن المشكلة الأكبر في المبيدات والزراعة الأحادية ما جعل النحل ينقرض. أما في شمال أفريقيا، تكمن الإشكالية الأخرى في الرعي الجائر أي أن الخراف والماعز تأكل النحل البري».
غياب الأبحاث في المنطقة وإنما أيضاً حب الشامخي لوطنها الأم جعلها تختار محمية بوهدمة التي تقع بوسط الجمهورية التونسية وتعتبر جزءاً من سيدي بوزيد وقفصة ليس فقط لدراسة النحل البري لا بل للاهتمام بكل النظام البيئي هناك؛ اختيار يأتي بعد أن جالت الشامخي العديد من المحميات الطبيعية في العالم مثل منغوليا والولايات المتحدة وجنوب أفريقيا.
وتتابع الشامخي «أول مرة زرت بوهدمة كان العام 2012 وتفاجأت بالنظام البيئي الذي يذكرك برحلات السفاري في جنوب أفريقيا إلا أن أحداً لا يقوم بالترويج حتى أن الشعب التونسي لا يعي وجود بوهدمة. ووجدت فيها إمكانيات كبيرة وقررت أن تكون دراستي هنا في المحمية. اشتريت الأدوات كلها مثل أجهزة التواصل والمجهر وانتظرت حتى أنال المنحة الدراسية. أُمضي 6 أشهر في العام فيها، 3 أشهر في الربيع و3 أشهر في الخريف. ولكي لا أبقى وحدي أحضرت كلبتي وحصاني».
خلال تواجدها في المحمية، يبدأ نهار الشامخي عند التاسعة صباحاً أي عندما يبدأ النحل نشاطه متى يصبح الطقس دافئاً. وتتابع «ترافقني كلبتي وحصاني طوال النهار. أختار مساحات معينة حيث أمضي في كل منها ساعة ونصف، أجمع النحل وفي نفس الوقت أقوم بمراقبة تصرفاتها كما أنني أجمع حبوب اللقاح لتحليلها في مختبرات ألمانيا، ومراقبة فصائل النباتات التي زارتها النحلة. وينتهي نهاري عند المغرب حيث أعود إلى المركز وأضع أغراضي ومعدّاتي. ثم أخرج من المحمية وأزور السكان الذين تحوّلوا إلى أصدقائي وعلاقتي معهم جيدة. هم يملكون الغنم والخراف، فأجري مقابلات معهم لمراقبة تأثير الرعي الجائر».
أصدقاء اليوم لم يفهموا الأمس كيف قررت فتاة السكن بمفردها وسط الرجال في المحمية؛ فتاة كسرت صورة المرأة التونسية النمطية إلا أنها كسبت قلوبهم فتحوّلوا إلى عائلتها الثانية.
أهمية بوهدمة تكمن في النظام البيئي الغني الذي تضمّه. فالمحمية موجودة في جبل بوهدمة حيث يوجد شلال ولا تضم نظاماً بيئياً واحداً لا بل النظام الذي نجده في السافانا وذاك الذي نجده في الجبال. فتخبرنا الشامخي: «يتميز بشجرة الطلح الوحيدة من نوعها في تونس والتي انقرضت في البلاد». وتضيف «أما من ناحية الحيوانات، فتتميز المحمية بالمها والمارية التي تواجه مشكلة الانقراض». وهنا تخبرنا «المارية انقرضت العام 2015 بسبب مشكلة الصيد غير المشروع في حين أن المها كانت قد انقرضت، فجأة، في العام 1920 إلا أنه حوالي العام 1985 حضر علماء ألمان وبريطانيون وأمريكيون وأكثروا منها ليبلغ عددها 105».
لكن الشامخي لاحظت أن عدد هذه الحيوانات في تراجع حيث بات اليوم 36 وتشدد على غياب تقييم الحياة البرية ورصدها. وتشير إلى وجود حيوانات أخرى مثل الضبع وابن آوى والقطط البرية والهامستر...
تأمل الشامخي أن تدافع عن أطروحتها نهاية العام المقبل إلا أنها لا تتردد بمشاركتنا بعضاً من اكتشافاتها. وتقول: «النحل خارج المحمية بخطر أكثر من النحل داخلها. في خارج المحمية جمعت علبة واحدة منها، وداخلها، استطعت جمع 4 علب!» حتى أنها تخبرنا أن النباتات باتت شبه معدومة خارج المحمية لأن الخراف والماعز أكلتها جميعها.
تشدد الشامخي على أنه من المهم أن يُسلط الضوء على هذه المحمية بسبب ثرواتها الكثيرة. وبالمقارنة مع المحميات العالمية الأخرى التي زارتها، تخبرنا «ميزة بوهدمة هي أن مساحتها الإجمالية تبلغ 16000 هكتار ولكن المحمية المسيجة هي 5000 هكتار فقط وفيها تعددية استثنائية ما معناه أن في وسط مكان صغير لدينا تعددية مميزة، سواء من النباتات أو من الحيوانات. ولا بد أن نحافظ عليها فهي الوحيدة من نوعها في تونس».
وتضيف: «المحميات الأخرى كما في منغوليا وفي أمريكا، حجمها كبير جداً ولكن التعددية ليست كما في بوهدمة. المحمية التي زرتها في أميركا «جوشوا كريك ناشيونال بارك» ربما هي من نفس مساحة تونس! جزء منها لا يمكن الدخول إليه والجزء الآخر للزوار إلا أن التعددية ليست بأهمية تلك الموجودة في بوهدمة».
حب الطبيعة لن يتوقف عند نهاية أطروحة الشامخي لا بل هي تأمل أن تبقى في مجال الإيكولوجيا والمحافظة على البيئة لاسيما في بوهدمة حيث تستطيع أن تواصل ما بدأته وتحديداً توعية السكان مضيفةً «إذا كانوا يحبون المحمية، فستنجح، والعكس صحيح».
وترى أن مستقبل الطبيعة المتنوعة في تونس وفي المنطقة بشكل عام يقع على عاتق السلطات موضحةً: «يجب إعطاء قيمة أكبر للحيوانات. صحيح أنهم يضعونها في محمية ولكن من دون اهتمام أو مراقبة. فالصيد غير المشروع متزايد والقواعد والقوانين غائبة والمعدات والتدريبات معدومة. تخيّلوا أن الشخص الذي يخدم في المحمية لا يعرف أنواع الحيوانات وأهميتها وعاجز عن وصف أي نبتة».
ولا تنسى الشامخي دور المواطن التونسي أو العربي في حماية بيئته مشيرةً إلى أن «حملات التوعية غائبة وهي بغاية الأهمية. فلا بد من أن يقوم الأهل بتثقيف أولادهم عن الحيوانات وكيفية الحفاظ عليها لئلا تنقرض واحترام الغابات والمحميات عند زيارتها». فمتى تدرك الشعوب أهمية الثروة البيئية في أوطانها، تكون طبيعتنا بألف خير!

متخصصة في الثقافة والمواضيع الاجتماعية