لماذا جامعة مسقط؟

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٢٠/نوفمبر/٢٠١٧ ١٣:٣٥ م
لماذا جامعة مسقط؟

كلنا يعلم أن المعطيات والظروف في أي بلدٍ من العالم تتغيَر باستمرار، وما الاستدامة سوى القدرة على التكيَف مع التغيَر. ومن أنجح الوسائل للتكيف المنشود مع المستجدات عندما تحدث، لا بل ليتوقَعها مسبقاً ويستعد لها هو العلم والمعرفة والثقافة والحكمة الناجمة عن تراكم الخبرات والدروس المتناقلة من جيل إلى جيل. هذا أساس اقتصاد المعرفة. مع النظام الاقتصادي الجديد المبني على العولمة أي اعتبار الأسواق العالمية سوقاً واحدة مفتوحة أمام جميع من حمل تذكرة دخول بتوقيعه المعاهدات التجارية الدولية، ازدادت التنافسية على الموارد والمنتجات وخصوصاً التنافس على المهارات والعقول القادرة على صنع المستقبل ولم يعد التنافس مع بعضنا البعض في وطن واحد فحسب، بل اصبحنا مضطرين أن نتنافس أيضاً مع الآخرين في العالم. من هنا تأتي أهمية جودة التعليم والتخصص. والذي يضيف إلحاحاً وحاجةً هو أن السلطنة تشهد اليوم انخفاضاً بالموارد، وتخمة في وظائف القطاع العام، وازدياداً بعدد السكان، وعدم نجاح سياسة الإحلال بالفرض، وضعف وتشتت القطاع الخاص، وغياب ريادة الأعمال الحرة عن أحلام الشباب، على إثر كل ذلك أصبحت الحاجة إلى الجودة في العلم اليوم ضرورة حيوية أكثر من أي وقت مضى. إذ أن العلم موجود والحمد لله لكن قد تنقصه الجودة المطلوبة. ماهي الجودة اذاً ؟. في أغلب الأحيان بمفهومها العام الجودة لا تعني بالضرورة الأغلى سعراً بل هي تقاس بتطابق الناتج مع التوقعات والمواصفات المرسومة له مسبقاً. من هذا التعريف نقول مثلاً إن سيارة فخمة مهما ارتفع سعرها قد لا تتمكن من الصعود على كثبان رملية. فإذا كان هدفنا الصعود على الرمال فالسيارة هذه لا تتمتع بالجودة المطلوبة، بل تفضل عليها سيارة رباعية الدفع وان كانت لا تقدم نفس رفاهية وفخامة الأولى. إن وضعت المواصفات وحددت الاحتياجات يصبح دور الجامعة أو الكلية أو حتى المدرسة مقتصرا على ربط الأولى بالثانية وهكذا تتحقق الجودة.

يبدو لي أن جامعة مسقط والمسؤولين عنها قد عرفوا هذه المعادلة وهذا التعريف للجودة وقد اعلنوا عن التزامهم الشديد بهما، مهما تكلفوا من تضحيات خاصة في السنوات الأولى من انطلاقتها. هذا الالتزام بالجودة بدا يظهر جلياً خلال الفترة القصيرة المنصرمة منذ تأسيسها والبدء في عملها. إن كان ذلك باختيار اسمها، اسم العاصمة التي لا يليق بها سوى الأجود، واختيار شعارها المستوحى من العمارة العمانية المبنية على قواعد صلبة، الى مبناها الفريد بموقعة وهندسته المميزة وتجهيزاته الحديثة، والأهم بتشكيل فريق عملٍ يضم أعلى الكفاءات الوطنية والمبتعثة من الجامعات الشريكة.

لكن كيف لجامعة فتية أن تضمن الجودة وانسجام المخرجات مع متطلبات السوق حالياً ومستقبلياً؟ بعد دراسة أولية للسوق وحاجتها، والاطلاع على سياسات ورؤى الحكومة. القريبة والبعيدة المدى، ومعرفة ما تقدمه مؤسسات التعليم العالي العامة والخاصة والتأكد من الجدوى والحاجة لها، أقام المؤسسون حلفاً عضوياً، وليس عقداً تجارياً بحتاً، مع جامعتين من كبار الجامعات البريطانية، هما جامعة استون (Aston) وجامعة كرانفيلد (Cranfield). تقدم الأولى برامج البكالوريوس الهادفة نحو تحضير وتمكين طلابها للتوظيف وريادة الأعمال وتقدم الثانية برامج الماجستير والدكتوراه لمن أراد التمعن باختصاصه أو الدخول في ميدان البحث العلمي وتطبيق نتائجه. كل ذلك تحت مظلة جامعة مسقط. هذه الصيغة تؤمن مساحة أوسع في التعليم العالي دونما الحاجة للسفر والابتعاث الى الخارج.
كذلك أرادها مؤسسوها جامعة منفتحة على محيطها، مادياً ومعنوياً. فلا جدار خارجي يعزلها عنه ولا تمييز بين شركائها من طلاب، وشركات القطاع الخاص، والباحثين والأكاديميين، والصناعيين. اللهم ماعدا الدعم الخاص للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة.
ومن أجل ضمان المستوى المطلوب وتطبيق القوانين، والمحافظة على القيم الموضوعة والمعتمدة، والسمعة الطيبة وانتشار الجامعة كمنارة علم في السلطنة والمنطقة تم تكوين مجلس أمناء من خيرة الشباب العماني الذي اثبت نجاحاته وخبرته يواكبهم زملاء أكاديميون ورجال أعمال من القطاع الخاص ينقلون لهم متطلبات سوق العمل وتحدياته.
وفعلاً باشرت الجامعة بتنفيذ رؤيتها وفتح أبوابها أمام مختلف الهيئات الاقتصادية والمجتمعية فوقعت مؤخراً تفاهما بغاية الأهمية مع شركة تنمية نفط عمان يتيح لموظفي الشركة الاستفادة من مختبرات الجامعة وارثها الضخم المتمثل بوجود شركائها وتبادل الأبحاث مع تلك الجامعتين. وتمت أيضاً عدة مذكرات تفاهم مع فعاليات من المجتمع المدني للاستفادة مما تقدمه جامعة مسقط.
هذا المقال ليس للدعاية التجارية التي ليس لنا فيها أية مصلحة إنما تعبيراً عن الفرحة بقيام هذا الصرح الحيوي، والنابع أصلاً من الشعور بالمسؤولية الوطنية والاجتماعية، والذي يشكل نقلة نوعية إضافية في بناء الإنسان الذي يصنع الاقتصاد المستدام.

سمعان كرم