إسرائيل الصديقة..

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٢/نوفمبر/٢٠١٧ ٠٢:١١ ص
إسرائيل الصديقة..

لميس ضيف

لم تكن موضوعات طابور الصباح، التي تُتلى علينا بطريقة عسكرية، تخلو من ذكر القدس وفلسطين المحتلة، وكثيراً ما تُختم بدعوة التلميذات للتبرّع بما تجود به أيديهن «لفلسطين». ولم نعرف، ولن نعرف يوماً أين ذهبت تلك «الفكّة» التي كانت تُجمع منا. كل ما نعرفه أن الحماس كان يستبد ببعض الفتيات فيتبرّعن بمصروفهن الزهيد كله، فلا يبقى لديهن ما يقتتن به في فسحة المدرسة.

تذكرت ذلك، وأضاءت ذاكرتي بقصص لا تُعد في هذا السياق، وأنا أتابع قضية ملكة جمال العراق سارة عيدان التي رفضت حذف صورتها مع نظيرتها الإسرائيلية «وهي مجنّدة في جيش الاحتلال» رغم الانتقادات التي طالتها. واجهت الشابة زوبعة الفنجان بالتجاهل والازدراء ولسان حالها أن منتقديها «متخلّفون»، وكان اللافت حقاً تعاطف كثير من المتابعين معها، وتبريرهم لخطوتها بل وتجرؤ البعض على الثناء على «شجاعتها» في رسالة لنا، سلالة جيل الطيبين، أن مخطط التطبيع أتى أُكله. وأن في وطننا العربي قوافل من الشباب الذين شبوا على طوق مبادئ كنا نظنها برسوخ الجبال. فعند الأجيال الجديدة من أبناء العرب لم تعد «بلاد العُرب أوطاني من الشام لبغدان، ومن نجد إلى يمن إلى مصر فتطوان» ولم تعد كرامة القدس قضيتنا الأولى فلدينا اليوم أعداء جدد، ولم تعد خريطة غضبنا تتسع لأعداء الماضي.
أنظروا لنشرات الأخبار، لترتيب أخبار فلسطين فيها. لترتيب المحن. أنظروا للوثائقيات، لخطابات وتصريحات الكراهية ولن تجدوا إسرائيل. التي نجحت في صياغة خريطة جديدة للمنطقة، وفرض أعداء جدد وتوجيه فوهة الكراهية لصدر أصدقاء الأمس لتنجو هي بنفسها. وقريباً ستتحوّل لصديقة، وستكون صداقتها مقرونة بالسلام وشرطاً للازدهار. وها هم يتفاخرون في مؤتمراتهم وتصريحاتهم بأن لديهم علاقات تجارية ومصالح متشعبة مع الدول العربية رغم اعترافهم بأن تلك الدول تفضل التكتم على تلك الوشائج!
إنها صفقة القرن التي تمت برعاية أمريكية: منطقة عربية بلا معالم، يكون فيها الصهاينة في مأمن، وتكون تجارتهم فيها رائجة. وقد تتحوّل إسرائيل قريباً لحضن دافئ يتم اللجوء إليه في الأزمات أيضاً. ففي هذا الزمن علينا توقع غير المتوقع، فلسنا سوى بيادق في لوح شطرنج يحرّكنا «اللاعبون» كما يشاؤون ناهيك عن حقيقة أن «المخرج عايز كده» وهو الآمر الناهي في الميلودراما التي نعيشها.