الجلسة السرية بالشورى !

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٢/نوفمبر/٢٠١٧ ٠٢:١١ ص
الجلسة السرية بالشورى !

علي بن راشد المطاعني

على الرغم من اتفاق كل أعضاء مجلس الشورى على سرية الجلسة مع الوزير المسؤول عن الشؤون المالية في مناقشة الميزانية العامة للدولة لعام 2018، إلا أن الإخلال بهذا الاتفاق كان واضحا من خلال تصريح اللجنة الاقتصادية بالمجلس بإعلان تفاصيل الموازنة قبل اعتمادها من لدن المقام السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- كالعادة في الأول من يناير من كل عام، بعد رفعها من مجلس الوزراء وبعد الأخذ بملاحظات مجلسي الدولة والشورى وفق نظام المجلس نفسه.

ذلك يعكس وجود ضبابية في مكان ما، يتطلب التعامل معها داخل أروقة المجلس، وبما يتماشى مع روح المؤسسية ومتطلبات العمل في هذا المرفق الذي يمثل كل أبناء هذا الشعب، وإذ ينظر إليه باعتباره يقدم الأنموذج الذي يحتذى به في هذا الشأن باعتباره القدوة الحسنة لكل المواطنين والمدرسة التي ننهل منها أبجديات النظام الإداري.

إن التزام مجلس الوزراء في تقديم الموازنة العامة للدولة لمجلس الشورى في موعدها وفق النظام لمناقشتها وإيضاح مرئياته وملاحظاته، عملا بأحكام المادة 58 مكرر 40 من النظام الأساسي للدولة الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 39/‏2011 التي تنص على إحالة مشروعات خطط التنمية والميزانية السنوية للدولة من مجلس الوزراء إلى مجلس الشورى لمناقشتها وإبداء توصياته بشأنها خلال شهر على الأكثر من تاريخ الإحالة، وإلى مجلس الدولة لمناقشتها وإبداء توصياته بشأنها خلال 15 يوما على الأكثر من تاريخ الإحالة، وعلى رئيس مجلس الدولة إعادتها إلى مجلس الوزراء مشفوعة بتوصيات المجلسين وعلى مجلس الوزراء إخطار المجلسين بما لم يتم الأخذ به من توصيات مع ذكر الأسباب.
إلا أن هذه الممارسات في هذا التعاطي غير الإيجابي قد تعيد النظر في الكثير من الصلاحيات الممنوحة للمجلس، وتقيد دوره بما يتوافق مع مسؤولياته متى يكون قادرا على السيطرة على موظفيه وأعضائه والتزامهم بما ألزموا أنفسهم به.
إن مشروع الموازنة العامة للدولة قد يصنف تحت بند (الوثائق السرية) لما يتضمنه من معلومات يختص بعضها بالأمن والدفاع والجوانب الاقتصادية بدرجات التصنيف المعروفة بقانون تصنيف وثائق الدولة وتنظيم الأماكن المحمية الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 118/‏2011 في مواده الثالثة، والرابعة والخامسة، والسادسة والسابعة وفق طبيعة الوثيقة المقدمة للمجلس، فقد تم تسريب بيانات الموازنة، وغدا هناك أمور أخرى قد تشكل خطرا ، فالسرية ليست ذاك الحبر الأحمر الذي يطبع على المظاريف والرسائل.
ومن المؤسف أن يأتي تسريب تفاصيل الميزانية العامة للدولة في خضم احتفالات السلطنة بالعيد الوطني المجيد‏، عكر صفو الأفراح التي تعيشها البلاد بهذه المناسبة المجيدة، لقد أشعل التسريب مواقع التواصل الاجتماعي بمناقشات جدلية للبنود والإجراءات التي قد يتم أو لا يتم اتخاذها في الموازنة، وما صاحب ذلك من تعليقات وتهكمات غير إيجابية، وأحدثت ربكة في الأوساط المحلية وغيرت بعض الأمزجة وتلاعبت بالعواطف وفق توجهات البعض في استمالة الرأي العام.
ثم إن الإعلان عن الميزانية العامة للدولة هو من اختصاص السلطة التنفيذية ممثلة في وزارة المالية بعد اعتمادها في الأول من يناير 2018 من المقام السامي.
فدور مجلس الشورى يتمثل في مراجعة الموازنة واقتراح تعديلات عليها وإيضاح مرئياته ومناقشة الوزير المختص، ولكن ليس الإعلان عن هذه التفاصيل غير المكتملة بعد، إذ قد تتم تعديلات عليها من المجلس نفسه أو من مجلس الدولة وفقا للمناقشات التي تتم، كما إن للمقام السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله- نظرة على ضوء المرئيات المرفوعة له من المجالس الثلاثة، لذا فالأرقام التي أعلنت ليست نهائية وغير معتمدة ما لم تصدر بمرسوم سلطاني، عندها فقط تكون ملزمة بحكم التشريع من المشرع الأول في البلاد وهو جلالة السلطان المعظم -حفظه الله ورعاه.
على الرغم من التوقيع للمشاريع التنموية في خضم احتفالات البلاد بالعيد الوطني المجيد، والإعلان عن التوظيف في الجهات الحكومية، كشؤون البلاط السلطاني وقوات السلطان المسلحة ضمن خطط توظيف 25.000 باحث عن عمل وجه بها جلالته، وتدشين مشروعات النفط والغاز لرفد إيرادات الدولة وتوجيهات جلالته بدعم الفئات المستحقة بعد تحرير أسعار الوقود ومنح مكرمة العيد الوطني واستمرارية صرف مكرمتي العيدين والفطر والأضحى المباركين لفئات الضمان الاجتماعي وغيرها من البشارات الطيبة التي أسعدت المواطنين طوال الأيام الفائتة التي لا يتسع المجال لذكرها، إلا أن ذلك لم يكن كافيا لإضفاء قدر من الحصافة تحول دون اتخاذ إجراءات تنال من تلك البشارات.
ومن المفارقات أن أعضاء المجلس يطالبون بدعم الفئات والشرائح وإسداء الخدمات التنموية وغيرها من المطالبات التي لا حدود لها، وفي ذات الوقت ينتقدون العجز في الموازنة العامة ومبدأ تمويله عبر السحب من الاحتياطي والاقتراض إلى غير ذلك من إجراءات، إذ ثمة تناقضات تعكس خللا ما، يحدث ذلك عندما يتم طلب مزايا وتسهيلات، وفي ذات الوقت تتم الإشارة لتزايد الأعباء على الموازنة العامة للدولة التي يصنعها المجلس ذاته وأعضاؤه، وهو ما يتطلب إيضاح حقيقة تنص على أن هذه التوازنات الدقيقة تحتاج بالضرورة لتضحيات كبيرة تشملهم هم أيضا وتهيئة المجتمع لتقبل هذه المتغيرات والتكيف معها.
ومن المفارقات أن يحدث تباين في إصدار البيانات والتصريحات والتغريدات داخل المجلس ومن أعضائه عن جلسة سرية أصلا أقرت منهم، ومن عدة جهات وأعضاء، والمجلس ذاته يطالب بالمتحدث الرسمي في الجهات الحكومية، بل تحديده لمتحدث رسمي ممثلا في الرئيس والأمين العام، في حين لا يلتزم بهذا النهج على المستوى الرسمي، وهو ما حدا بسحب البيانات من وسائل الإعلام وعدم بثها ونشرها بما كانت عليه، ما يشكل إحراجا للمجلس، فمثل هذه الحوادث تحتاج إلى ضبط إيقاع العمل الإعلامي بما يحفظ هيبة المجلس.
بالطبع نقدر حماس بعض الأعضاء لإيضاح دورهم ومسؤولياتهم تجاه ناخبيهم، ولكن يتعين أن يتم ذلك على نحو هادئ لا يربك الأوساط ويلهم بتداخل الاختصاصات.
نأمل أن يراجع مجلس الشورى الموقر بعض خطواته ويؤكد على سرية الجلسات التي تستلزم السرية بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى وأن يتعاطى مع الأمور بالقدر الذي يعزز من مكانته كمؤسسة برلمانية يكن لها الجميع كل الاحترام والتقدير.