الانتصار الذي كلفنا وطناً

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٠٦/ديسمبر/٢٠١٧ ٠٤:٠١ ص
الانتصار الذي كلفنا وطناً

د. فيصل القاسم

لو استمعت إلى التلفزيون السويسري أو السويدي أو الألماني ذات يوم، وهي بلاد معروفة على مستوى العالم بأنها رموز للتقدم والتحضر، لأخذت الانطباع أن تلك البلاد في حالة يرثى لها. لماذا؟ لأن وسائل الإعلام الحرة لا تترك مشكلة مهما كانت صغيرة إلا وتضخمها وتركز عليها حتى يتم إصلاحها، بينما في بلادنا التعيسة لا تسمع في وسائل إعلامنا المهترئة إلا عن الإنجازات والانتصارات، مع العلم أن معظم المؤسسات في عالمنا الثالث التعيس الذي يدفن أوساخه دائماً تحت السجادة ظناً منه أن إخفاءها سيجعلها تختفي.اليوم بعد تدمير ثلاثة أرباع سوريا وتهجير نصف الشعب السوري وتحويل سوريا إلى بلد متعدد الاحتلالات، ما زال البعض يتحدث عن انتصارات تاريخية. لا أدري، نضحك أم نبكي عندما نسمع بعض وسائل الإعلام وهي تتشدق بالصمود والانتصار على «المؤامرة» وإفشالها. فإذا كانت المؤامرة الرهيبة قد فشلت، وأدت إلى دمار سوريا وتهجير شعبها، فكيف لو نجحت، لا سمح الله؟ كيف كان سيكون وضع سوريا؟ ربما انتصار آخر ويختفي بلدنا عن الخارطة!يا من تتفاخرون بالصمود: لو عرفتم الحقيقة، لبكيتم دماً على الصمود المزعوم حتى الآن، فلو انتهت الأمور في سوريا كما انتهت في مصر وتونس، لما وصلنا إلى هنا. لقد أطال أعداء سوريا أمد الصراع كل هذا الوقت كي يدمروا بلدنا. ونجحوا. لاحظوا أن انتهاء الوضع في مصر وتونس خلال أسابيع انقذ مصر وتونس من الخراب والدمار الذي حل بسوريا وليبيا. ولو استمر الصراع، لكانت مصر وتونس الآن في وضع مشابه لسوريا، لا سمح الله. لكن انتهاءه أنقذ تونس ومصر، وكان نعمة عليهما، بينما كان الصمود السوري المزعوم كان نقمة على سوريا والسوريين.

لقد عمل أعداء سوريا على تطويل أمد المحنة السورية. وقد تمثلت المؤامرة الكونية الحقيقية على سوريا في عدم حسم الأمر مبكراً، لأن بقاءه مستمراً يضمن المزيد من الدمار والانهيار خدمة للأعداء.

ماذا يريد أعداء سوريا أجمل من ذلك؟ المنطقة بأكملها على كف عفريت. لقد صارت سوريا عنوان مشروع الفوضى «الهلاكة». ولو حلوا أزمتها منذ البداية، لما استطاع ضباع العالم إيصال الشرق الأوسط إلى ما هو عليه الآن من فوضى واضطرابات وكوارث وقلاقل. ومما يؤكد ذلك أن إحدى العواصم شهدت مؤتمراً هاماً مغلقاً حول سوريا قبل مدة، حضره كبار الاستراتيجيين والمسؤولين الغربيين والدوليين: فسأل أحد الحضور مسؤولاً كبيراً: «لماذا لا تتدخلون في سوريا لحل أزمتها المرعبة»، فأجاب المسؤول: «الوضع في سوريا مثالي جداً بالنسبة لنا، فكل السيئين الذين نكرههم يخسرون، ويهلكون في سوريا. كان بإمكاننا أن ننهي الوضع بسهولة، لكن لو أنهيناه، لتوقف الدمار المطلوب. نحن نريد بقاءه مرحلياً، لأنه أشبه بالمغناطيس الذي يجتذب السيئين إلى المحرقة السورية، فيحرقهم، ويحترق معهم».
أيها المتشدقون بالصمود: لا تتفاخروا إذاً، بل ابكوا على وطن تمزق، وانهار، وشعب تشرد. وهو ما يريده أعداء سوريا بالضبط. أمريكا تشد وروسيا ترخي. لعبة مفضوحة منذ سنوات هدفها تمديد فترة الدمار. يوماً ما ستندمون على التصفيق للصمود «المسموم» الذي كلفنا وطناً، وجعل شعبنا طعاماً للأسماك في عرض البحار.
الصمود حتى الآن أشبه بالشجرة التي تحجب الغابة، يستخدمونه ستاراً وذريعة مكشوفة للإجهاز على ما تبقى من وطن كان اسمه سوريا.