شعوب التعاون والمكسب العظيم

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٠٦/ديسمبر/٢٠١٧ ٠٤:٠٢ ص
شعوب التعاون والمكسب العظيم

فريد أحمد حسن

ما كانت تطمح إليه شعوب دول مجلس التعاون إثر الخلاف الخليجي الخليجي الطارئ والأهم بالنسبة إليها هو أن تحركاً لافتاً قد حدث في الآونة الأخيرة وأكد أن قادة التعاون جميعا قلوبهم على المجلس، وأن أي خلاف يطرأ لابد أن ينتهي عاجلا أو آجلا، وأن هناك العديد من الأدوات التي يمكن للدبلوماسية الخليجية توظيفها لرأب الصدع وحل كل مشكلة مهما كانت صعوبتها، فعدا أنه لا توجد مشكلة غير قابلة للحل فإن دول مجلس التعاون تتوفر على أساسات تعينها على حل أي مشكلة وتجاوز آثارها.

لعل هذا الأمر أكثر أهمية من انعقاد القمة نفسها بل لعله أهم حتى من نتائجها، حيث النتيجة تحققت بحصول ذلك التحرك والنشاط المعين على الوصول إلى نهاية المشكلة. هذا يعني أن منظومة مجلس التعاون لا تزال قادرة على لم الشمل وحل المشكلات بين الدول الأعضاء، ويعني أيضا أن غياب هذه المنظومة له تأثير سالب على العلاقات بين الدول الستة، وهذا أمر مهم للغاية ويساعد على القول بأنه بغض النظر عن كل النواقص والملاحظات على مسيرة المجلس التي تقترب من الاحتفال بمرور أربعين عاما على تأسيسها فإن أهميته لا يمكن نكرانها وأن له دورا لا يمكن التقليل من شأنه.

مهم هنا الإشادة بالتحرك الدبلوماسي الكويتي الذي قاده عميد الدبلوماسية الخليجية صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت والذي ازداد إيقاعه قبل أسبوع من موعد عقد القمة وأنعش آمال شعوب دول مجلس التعاون في تمكن قادة المجلس من تجاوز الأزمة التي سيطرت على الأجواء نحو ستة أشهر وأثرت على إيقاع الحياة اليومية للمواطنين والمقيمين بدول التعاون وكادت تمزق الوحدة الخليجية.

ومن المهم أيضا التنويه بدور الدبلوماسية العمانية التي وضع أساسها حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم وينفذها بنجاح معالي يوسف بن علوي بن عبدالله وزير الخارجية وطابعها العمل في صمت، فالجميع يعرف أنه كان لهذه الدبلوماسية إسهاما طيبا في التوصل إلى ما تم التوصل إليه حتى الآن، وأنه سيتواصل.
لعل هذه القمة هي الأكثر أهمية كونها تعقد في ظروف صعبة للغاية وتطورات غريبة ومتسارعة وقاسية تشهدها المنطقة وبعد مناكفات لا يزال الكثيرون حتى الآن دون القدرة على استيعابها، بل أن البعض لا يزال يشكك في حصول المصالحة التي ينتظرها الجميع أو بالأحرى المصالحة الكاملة كون التفاصيل كثيرة والخلاف استمر شهورا تأسست خلالها العديد من «المنصات الشعبية» التي لا تحسب حساب أمور كثيرة وأسهمت في تعميق الشرخ من دون أن تقصد.
لعل الفرصة الآن مواتية أكثر للمطالبة بتوسيع التمثيل في عضوية الهيئة الاستشارية بحيث تشمل في عضويتها – كما أوصت العديد من الندوات المتخصصة التي عقدت في مختلف دول مجلس التعاون على مدى السنوات الماضية – أعضاء من المجتمع المدني والمجالس النيابية ومجالس الشورى في دول المجلس وحتى الشباب الجامعي وإعادة النظر في آلية اتخاذ القرار في القضايا الاستراتيجية، الأساسية على الأقل، واعتماد الأغلبية بدلا من آلية الإجماع وتفعيل دور هيئة التحكيم لتفعيل العمل الخليجي المشترك، فمثل هذه الأمور من شأنها أن تؤسس لمجالس خليجية شعبية تكون قادرة على التعبير عن آراء الشعوب ومؤسسات المجتمع المدني والفعاليات الاقتصادية والمدنية والحقوقية وتوصيلها إلى القيادة (مثل هذه الآليات وهذه المجالس لو كانت متوفرة اليوم لوفرت على دول التعاون وشعوبها الكثير من الآلام التي تجرعتها نتيجة الخلاف الذي طرأ بين بعض دولها حيث يمكنها منع العامة من الدخول في مهاترات ومناكفات لا يدركون غالبا ما تنتجه من أذى ربما يصعب علاجه).

الفرصة مواتية الآن أيضا لإيجاد آلية تتيح للمتخصصين وذوي الخبرة من أبناء مجلس التعاون التدقيق فيما تم تنفيذه في السنوات الماضية وما لم يتم تنفيذه بعد، أي تقويم أداء المجلس وإنجازاته، ويكون من عملهم أيضا علاج ما تسببت فيه الأزمة الأخيرة من آلام وأضرار نفسية على الجميع، فهذا جانب مهم للغاية ويعين على منع التجاوز في المستقبل (المشكلة ازدادت تعقيدا بسبب ظهورها للعلن وإبداء الجميع آراءهم فيها، ولو ظلت محصورة بين القادة والمسئولين لربما انتهت سريعا).

مهم في هذه العجالة أيضا التأكيد على أهمية توجيه الإعلام الخليجي ليتوقف عن الخوض في تفاصيل الخلاف، ودعوة العامة إلى التوقف عن استغلال منصات وسائل التواصل الاجتماعي إلا فيما يصب في تقوية اللحمة الخليجية، وكما كان للإعلام دوراً سالباً في هذه الأزمة فإن بالإمكان أن يكون له دورا موجبا. كذلك فإنه صار مطلوبا من المسؤولين من مختلف المستويات في الدول المعنية الابتعاد عن العبارات التي يمكن أن تفهم بشكل خاطئ أو تستفز الآخر والابتعاد عن المعارك الصغيرة التي لا قيمة للانتصار فيها (في الشهور الستة الفائتة وصل البعض حد تجريح الآخرين ودخل في الأصول والأعراض وهو أمر ما كان له أي داع).
ليس مهما ما إذا كانت القمة عقدت أم لا، وليس مهما مستوى التمثيل الذي حظيت به، وليس مهماً ما خرجت أو ستخرج به من نتائج، يكفي شعوب مجلس التعاون أنها لمست تحركاً جاداً خلال الفترة الأخيرة على وجه الخصوص أكد حرص قادة التعاون على حل المشكلة وإعادة الأمور إلى نصابها، وهذا وحده مكسب عظيم.

كاتب بحريني