سعادته خارج المكتب

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٠٧/ديسمبر/٢٠١٧ ٠٤:٠٥ ص
سعادته خارج المكتب

عزيزة راشد

منذ الصباح الباكر وسعادته في مكتبه، والبريد الجاهز الذي قضى فيه وقته طوال الليل جاهز بالردود واتخاذ اللازم، يبدأ يومه بسلسلة من الاجتماعات المطولة لرسم السياسة المنتهجة للعمل، تليها عشرات اللقاءات مع المراجعين لمواضيعهم المختلفة، وما إن تغرب الشمس حتى يخرج سعادته من مكتبه حاملاً نفس البريد اليومي المعتاد الذي تستقطع مواضيعه من وقت سعادته مع أسرته وأبنائه.

يتجول سعادته بين المحافظات والولايات في زياراته الميدانية، يتفحص ويفحص ويشرف ويقيم وينتهج ويشير ويستشير، يبقى طوال النهار خارج مكتبه في عمل ميداني مرهق ومكثف، ثم يعود إلى بيته بقايا من نبض.
(سعادته خارج المكتب) عبارة يقولها منسق سعادته للمواطن المراجع الذي تفزعه العبارة، ويضمر النية أن سعادته الآن يتناول قهوته على أريكة مريحة في أحد المقاهي، بينما تلفح الشمس وجه سعادته لترسم شيبا قبل المشيب وتذبل شباباً قبل موعد الذبول المعتاد.
هذا المشهد جزء من حياة معظم أصحاب السعادة مهما اختلفت أعمالهم ومناصبهم، ولكن البعض لا يتجرأ أن يرسم الصورة الحقيقية لحياة المسؤول العملية، فلماذا هذه القطيعة بين المسؤول والمواطن؟ وعدم وجود تقدير من بعض المواطنين لعمل المسؤول؟ لماذا لا يرى المواطن في المسؤول سوى سيارته الفارهة وبطاقة وقوده المجانية؟
هناك سوء فهم وسوء نية وسوء ثقة بين البعض من المواطنين والمسؤولين؟ ترى هل يعود السبب إلى التصريحات المستفزة من بعض المسؤولين بشأن قضايا تهم المواطن؟ وهل كانت التصريحات التي يراها المسؤول حقيقية تصف المشهد ويراها المواطن مستفزة خدمت مسألة توصيل الرسالة التي تود الحكومة إيصالها إلى المواطن؟
لماذا إن غرد مغرد أو كتب كاتب أو ألقى شاعر قصيدة فيها تقدير لعمل مسؤول معين أو كلمة شكر للمسؤول قامت عليه الدنيا ولم تقعد؟ ويتم اتهامه بالمحاباة أو بإدراجه ضمن الفئة المستفيدة من هذا المسؤول؟ أو ينتظر هبة منصب أو غنيمة من الحكومة؟
في بعض الدول وفور تعيين مسؤول في منصب معين، يتم إرساله إلى معهد متخصص لتعليمه فنون الحديث والرد وأساليب التعاطي مع المواطنين ووسائل الإعلام في شتى القضايا المختلفة، لأن كلمة واحدة من مسؤول ممكن أن توجد رؤية تفاؤلية أو ترسم طريقاً متعرجاً.
إن سوء الفهم الحاصل بين المسؤول والمواطن يُوجد فجوة يجب أن تنتبه لها الحكومة وتحاول أن تقلل منها قدر الإمكان، ولا يتأتى ذلك إلا بإنشاء معهد متخصص يصقل مهارات التواصل لدى المسؤولين، فالتخاطب مع الجمهور مسألة ليست هينة والإحاطة بكافة الجوانب العملية أيضا له مرتكزاته المعتمدة على سرعة البديهة والذكاء والإحاطة بالعمل.
إن وجود متحدث رسمي لكل مؤسسة أمر في غاية الأهمية، واختيار المتحدث الرسمي يجب أن يقوم على أسس متينة وذلك لإيجاد صورة مشرقة وحقيقية للعمل.