أبو بكر سالم يترجل عن جواده

مزاج الثلاثاء ١٢/ديسمبر/٢٠١٧ ٠٣:٥٢ ص
أبو بكر سالم

يترجل عن جواده

مسقط - سعيد الهنداسي

ترجل الفنان القدير أبو بكر سالم بلفقيه عن جواده أمس الأول بعد رحلة فنية حافلة تنقل فيها بين عدن وبيروت وجدة والقاهرة، وبرحيله يكون الفن في العالم العربي قد فقد قامة فنية كبيرة وصوتاً لن يتكرر أبداً، فهو المطرب والملحن والشاعر والأديب كذلك.

ولد أبو بكر سالم في 17 من مارس العام 1939، ثم انتقل في سبعينيات القرن الفائت من حضرموت إلى السعودية لتكون محل إقامته الدائمة.

قدم أبو أصيل العديد من الأعمال الغنائية الخالدة، وأجاد الغناء بمختلف ألوانه من عدنية وحضرمية مثل أغاني (مسكين يا ناس)، (ويا ليل هل أشكر)، (وبات ساجي الطرف) و(رسولي قوم) و(أحبه ربى صنعاء)، وغيرها من الأغاني الصنعانية. ولم يكن الغناء الفصيح بعيداً عن هذا الفنان الشامل، فقد قدم العديد من الأغاني بالعربية الفصحى لشعراء عظام كالشاعر أبي القاسم الشابي وكذلك من كلمات جده أبو بكر بن شهاب، ثم إنه أبدع في الإيقاع الخليجي وقدم أغنيات مثل (أصيل والله أصيل) وأغنية (مجروح)، والتي استطاع من خلالها أن يصل بصوته العذب إلى قلوب كل الخليجيين والعرب وأصبحت له بصمته الخاصة وطريقة أداء متفردة لا يشبهه فيها أحد. وكان له حضور لافت في السلطنة من خلال المهرجانات، فكان حاضراً في مهرجان صلالة في سنوات فائتة، كما جرى تكريمه في العام 2014.

قالوا عنه

السيد خالد بن حمد البوسعيدي غرد على تويتر عن الفنان الراحل ونشر صورة جمعته به في بيته بمدينة الرياض في 25 نوفمبر 2014 بعد التكريم الذي حصل عليه من السلطنة، وقال: «رحمة الله عليه ولله البقاء والدوام. رحم الله الفنان الكبير أبو بكر سالم. خالص التعازي والمواساة إلى أهله وأحبابه في كل مكان».

وتحدث السيد خالد عن التكريم قائلاً: «في أبريل 2014 كرمت السلطنة الفنان الراحل أبو بكر سالم بوسام التكريم من لدن حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- وذلك تقديراً لعطائه الفني في الارتقاء بمستوى الأغنية الخليجية الأصيلة».من جانبه، تحدث الشاعر سعيد البرعمي الذي غنى له الفنان الراحل أغنية (اشتاق للمغنى)، فقال: «أولاً الحمد لله رب العالمين ولا حول ولا قوة إلا بالله. وعزاؤنا ومواساتنا للوطن العربي كله ولأسرة الفقيد الفنان الكبير أبو بكر سالم الذي رحل عنّا بجسده ولكنه باقٍ في ذاكرة الوطن العربي كما يبقى العظماء».
وأضاف: «الراحل أبو أصيل هو أحد الذين شكّلوا الذائقة الفنية الغنائية الراقية على امتداد الخريطة العربية، ولا أبالغ إذا قلت إنه فنان لا بد أن نضعه في قائمة المبدعين العالميين على اعتبار أن فنه الراقي قد تجاوز الحدود العربية إلى مسافة عالمية بعيدة. وأنا شخصياً من أشد المعجبين بصوت أبو بكر سالم الذي تعرفت على فنّه مثل جيلي منذ الطفولة حين كان في بيروت يسجل أغنياته «يا زارعين العنب، بنلتقي في سعاد،» وغيرها. أغانيه التي تخالط المشاعر الإنسانية في كل حالاتها فتمسح الدموع وتواسي الأحزان وتطير بالفرح والأشجان».
وتفيض ذكريات البرعمي عن الراحل فيقول: «جالسته في أكثر من لقاء خلال السنوات الفائتة فوجدته مثقفاً مطلعاً شاعراً أديباً متحدثاً لا يُمل حديثه، وحينها فهمت منبع هذا الرقي وأساس هذا التفرد. وهذا الحب والاحترام والإعجاب المستمر بهذه القامة الفنية الشامخة توّجتها قبل سنين في عمل وطني جمعنا معاً أهداه الفنان الراحل للسلطنة ولقائدها الحكيم ولشعبها الطيب وهي أغنية «مشتاق للمغنى» التي كتبتها وأنا مستحضر الشكل الغنائي الحضرمي والمدرسة الحضرمية التي أجاد أبو بكر إيصالها للناس، وساهم بقوة في نشرها. والحقيقة أن الفضل في ظهور هذه الأغنية بالشكل الجميل الذي وصل إلى المستمعين كان وكما هي العادة للصديق العزيز الملحن القدير السيد خالد بن حمد الذي صاغ لحنها وهو يسبح في فضاءات صوت أبو بكر الفخم وفي داخل مسامعه العميقة الدان الحضرمي الراقي. ولا شك أنني أعتز كثيراً بهذا العمل الوطني الذي لله الحمد لقي صدى جميلاً وإشادات غمرتني بالفرح». ويختم حديثه: «أقول إن أمثال أبو بكر سالم من العظماء والمبدعين إنما يغادرون هذه الحياة إلى حياة أخرى يعيشونها في دواخلنا وأعماقنا وذاكرتنا إعجاباً بفنهم واستلهاماً لعملهم المتقن واستحضاراً مستمراً لمشاركة صادقة كانوا يوفرونها لنا في كل ما يعنينا في هذه الحياة».

سيترك فراغاً

من جانبه قال الإعلامي فهد التميمي عن الفنان الراحل أبو بكر سالم: «سيبقى من الأصوات العربية التي سنفتقدها بالفعل. أبو بكر سالم بلفقيه قامة فنية ترك خلفه أثراً لا يمكن ملؤه بسهولة، ومسيرة تزيد على نصف قرن. سنشتاق له.. لأغانيه وموشحاته.. وكلماته وألحانه.. وصوته مختلف الطبقات ومتعدد المقامات».

الجدير بالذكر أن الفنان الراحل أبو بكر سالم بلفقيه تميز بثقافة عالية انعكست وعياً فنياً واسعاً في تجربته الطويلة، كما تميز بعذوبة صوته، وتعدد طبقاته بين القرار والجواب، وبالقدرة على استبطان النص وجدانياً بأبعاده المختلفة فرحاً وحزناً، وردد أغانيه فنانون كبار من الوطن العربي مثل وليد توفيق وراغب علامة وطلال مداح وعبدالله رويشد، بالإضافة إلى أنه كتب ولحن أغانيات لكبار فناني الوطن العربي مثل الراحلة وردة الجزائرية.
رحمك الله يا أبا أصيل، وأسكنك فسيح جناتك، فبرحيلك رحل الفن الأصيل، ولكن عزائنا أن هناك مطربين نهلوا من معين فنك وإبداعك الأصيل.