متلازمة الزرافة

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ١٢/ديسمبر/٢٠١٧ ٠٣:٥٤ ص
متلازمة الزرافة

لميس ضيف
كانت تعرف أن ابنها يتعاطى الكحول، ويمضي لياليه في سهرات مشبوهة، ولكنها فضّلت أن تقارب الأمر من زاوية تُريحها، قالت لنفسها إنه شاب يُجرِّب ما تأتى له. وهذا هو عمر الطيش ومن حقه أن يخطئ ليتعلّم، وواست نفسها بحقيقة أن ابنها يدرس ويحقق نتائج مرضية، ويعمل بجانب ذلك، وبالتالي لم يفقد أهليته ولا عقله. إنما هي مرحلة ستنتهي إنْ لم تجابهها بتحدٍ يدفعه للعناد.
ولأن الأمهات يؤمنّ بأن الانتقاص من أبنائهن هو انتقاص مباشر من تربيتهن. لم تبح بسرها وأخفت الأمر عن زوجها الذي لا يولي أسرتها اهتماماً يُذكر لانشغاله بزوجاته وأعماله. خافت أن تسمع عبارة "هذه هي تربيتك السيئة" فأغلقت صدرها على سرها أملاً في أن يعبر الأعصار دون خسائر تُذكر.
عندما تلقت اتصالاً يُفيد بتعرّض ابنها لحادث، وأن هذا الحادث تسبب بإصابات بليغة لمن بالمركبة الأخرى "وتبيّن أن ابنها كان تحت تأثير الكحول والحشيش أيضاً" استوعبت -متأخراً- أنها كانت أنانية بتجنّب المواجهة المؤلمة التي كلّفت ابنها مستقبله وكلّفت عائلة بريئة سلامتها.
هذه هي عاقبة متلازمة الزرافة.. ودس الرأس في الرمال. فكثيرون تربوا على معالجة الآلام الطارئة بالجسد بتجاهلها "امشي عليها وبتصير زين" نصيحة الجدات الكلاسيكية لمن يعاني من ركبته أو قدميه. وقد تنفع تلك النصيحة عرضياً مع العوارض الجسدية ولكنها قد تفتك بمتّبعها في المصائب والملمات الأخرى.
على الشاكلة نفسها شهدت هذا العام حالة أخرى "أغرب" لوالدين اكتشفا تغيّرات جذرية في سلوك ابنهما الذي قرر أن يخسر وزنه ويتحوّل لشاب "معضّل". كانوا يرون الإبر التي يحقنها والعقاقير والمكملات المختلفة التي يستخدمها ولكنهما لم يستشعرا الخطر لأن ما يتعاطاه لا يقع في خانة المخدرات أو المسكرات. ولكن وضع الشاب اتّخذ منحنى خطيراً فقد حاول الانتحار. وتبيّن أن المواد غير المصرحة، التي يتناولها ابنهما الشاب بلا مسؤولية، قد أدت للتلاعب بجهازه العصبي وبهرموناته وعقله والنتيجة أصبح في وضع خطير يتطلب رقابة مستمرة.
هذه نماذج لمن يتجاهل الجدار الذي يقف في وجه قطاره. والفيل الذي يتحرّك في غرفته الزجاجية كما يقول أصحابنا اللاتينيون. فنحن إما شخصيات قلقة تُوجِد المصائب من العدم أو شخصيات تُؤثِر تبسيط المشكلات بشكل مخل حتى يشطر الفأس الرأس شطرين.
المؤشرات والمقدمات وُجدت لتكون نواقيس لتحذير أصحابها. ويجب أن تُعامل بجدية فكثيراً ما يكون دفن الرأس في الرمال هروباً من منزلق يمكن تجنّبه ببعض الحكمة والإدارة.