مخاطر انهيار الشرق الأوسط

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ١٢/ديسمبر/٢٠١٧ ٠٤:٠١ ص
مخاطر انهيار الشرق الأوسط

دومينيك مويسي

في دراسته الكلاسيكية للتاريخ البولندي، يصف نورمان ديفيز بولندا في أواخر القرن الثامن عشر بـ«ملعب الإله». ويمكن تطبيق هذا الوصف على لبنان اليوم. وعلى غرار بولندا في ذلك الوقت، يعاني لبنان من مجموعة من المؤسسات المحلية الجد ضعيفة وجيران جد أقوياء.

وفي الأشهر الأخيرة، وجد لبنان نفسه، أكثر من أي بلد آخر باستثناء سوريا، متورطاً في تبادل الاتهامات بين إيران والمملكة العربية السعودية. لقد اكتسبت إيران نفوذاً متزايداً في العراق وسوريا، بسبب الهزيمة العسكرية الفعالة لتنظيم داعش -التي استفادت منها أكثر من روسيا.

في الأسابيع الأخيرة، كان ولي العهد السعودي الشاب الطموح الأمير محمد بن سلمان، شديد النشاط من الناحية السياسية والاجتماعية والدبلوماسية والعسكرية، ربما رداً على تدخل إيران الفعلي. بالنسبة للأمير لمحمد بن سلمان، فإن الإصلاحات الهيكلية العميقة التي يتابعها هي مسألة حياة أو موت لبلده الذي عانى من ركود طويل كما ذكر في مقابلته مع توماس فريدمان.
وفي العام الفائت دخل حزب الله في علاقة تقاسم السلطة مع رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري والرئيس ميشال عون.
بالنسبة لكثير من المحللين، أصبح حزب الله قوياً ليس في لبنان فحسب، بل أيضاً في اليمن، حيث يُقال إنه يساعد أنصار الله في حربهم ضد التحالف. وربما كان تصعيد الحرب في اليمن نقطة الانطلاق لأزمة لبنان الأخيرة.
ومع انتهاء الحرب ضد تنظيم داعش، لا يمكن استبعاد جولة جديدة من العنف في لبنان بين حزب الله وإسرائيل. في حين أصبحت إيران قوية إثر الانتصارات الأخيرة، فقد حال برنامج الإصلاح للأمير محمد بن سلمان دون إظهاره أي علامة من الضعف.
وقال كاميو بينسو، قائد الاستقلال الإيطالي، ويعدّ من نبلاء كافور، «لقد أُجريت الإصلاحات في الوقت المناسب»، «وبدلاً من زيادة قوة الروح الثورية، يجب إضعافها».
ومع ذلك، لتقدير موقف الأمير محمد بن سلمان، يجب أن تُذكر تلك الأحداث بتحذير الكسيس دي توكفيل المشهور: «إن اللحظة الأكثر خطورة لحكومة سيئة هي عندما تبدأ في الإصلاح».
إذن، ما هي الأولوية القصوى في الشرق الأوسط بعد هزيمة تنظيم داعش؟ يدعو بعض المراقبين إلى إجراء إصلاحات اجتماعية واقتصادية للقضاء على مصادر التطرف. ولكن في حين لا يمكن للمرء أن يختلف على ذلك، فإن برنامج الإصلاح سيستغرق وقتاً طويلاً ليؤتي ثماره. وبالنسبة للآخرين، فإن الأولوية الأكثر إلحاحاً تكمن في احتواء إيران التي تستعد، بعد نجاحها الأخير، لتحقيق نجاحات أكبر. وفي سبتمبر، أجرت إيران تجارب لصاروخ باليستي جديد.
ويعتقد الإسرائيليون أن إيران تقوم ببناء قاعدة عسكرية في سوريا، قريبة من مرتفعات الجولان التي تسيطر عليها إسرائيل منذ العام 1967.
أما بالنسبة لأولئك في المعسكر الثاني، فقد حان الوقت لإعادة فرض عقوبات على النظام الإيراني.
وتعطي مدرسة فكرية ثالثة الأولوية للاستقرار -الحاجة إلى منع الفوضى المطلقة في المنطقة- قبل كل شيء. ومع انهيار الشرق الأوسط بالفعل جراء الصراع الطائفي، فإن آخر ما تحتاجه المنطقة هو حرب أخرى تتمحور حول لبنان.
وقد حاول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نزع فتيل التوتر في رحلة قصيرة إلى الرياض في وقت فائت من هذا الشهر. لكن المنطق لا يسود في وقت تكون فيه الانفعالات مرتفعة.

هل يمكن أن يقتنع الإيرانيون أنه إذا تمادوا أكثر، سيفقدون المزايا التي اكتسبوها؟ وسيعتمد الكثير على ما إذا كان هناك «بسمارك إيراني» يمكنه إقناع بلده بقبول سياسة الحدود.

بالنسبة لفرنسا، فإن المشاركة المباشرة في محاولة الحد من التوترات في الشرق الأوسط تبدو ضرورية في عهد دونالد ترامب. بعد أن وضع إدارته بشكل مباشر بجانب المملكة العربية السعودية، فإن الولايات المتحدة ليست لديها فرصة اعتبارها كوسيط غير مهتم. ومن المؤكد أن فرنسا لا يمكن أن تحل محل أمريكا. لكن الجغرافيا السياسية، مثل الطبيعة، لا تقبل الفراغ، ولدى فرنسا بطاقات تاريخية وثقافية فريدة للتدخل في لبنان. وعلاوة على ذلك، فإن موقفها تجاه السعودية وإيران أكثر توازناً من موقف الولايات المتحدة.

إذا اعترف السعوديون والإيرانيون بأن من مصلحتهم الحد من التوترات، فقد يستمعون إلى محاور أوروبي. ومن المحزن أن كلا الجانبان عازمان على البقاء في مكانهما.
مستشار ممتاز في معهد مونتين في باريس.