جنون الملك ترامب

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ١٢/ديسمبر/٢٠١٧ ٠٤:٠٢ ص
جنون الملك ترامب

إليزابيث درو

يعيش سكان واشنطن في حالة من الذعر تقريباً. ففي الأيام الأخيرة، أصبح تصرف الرئيس دونالد ترامب أغرب من السابق، وكان السؤال المطروح في ذهن السياسيين والمدنيين على حد سواء، والذي نادراً ما يطرح هو: كيف نتصرف مع هذا الرجل؟ هل يمكن للولايات المتحدة أن تنتظر من المستشار الخاص روبرت مولر أن يُنهي تحقيقه (على افتراض أنه سيجد دليلاً لإدانة الرئيس)؟ لكن هذا يمكن أن يستغرق وقتاً طويلاً.

لقد أصبحت مسألة التوقيت عاجلة بشكل متزايد، نظراً للخطر المتصاعد حول شن الولايات المتحدة عن قصد أو عن طريق الخطأ حرباً على كوريا الشمالية في نهاية المطاف. هذا الخطر، إلى جانب سلوك ترامب الغريب، جعل واشنطن أكثر توتراً من قبل، وهذا يشمل الأيام المظلمة من ووترجيت. وبكل صراحة: يكمن القلق الحقيقي في احتمال قيادة الرئيس المختل عقلياً الولايات المتحدة إلى حرب نووية.

في الأسبوع الفائت، ظهر دليل على عدم استقرار ترامب. خلال حفل المكتب البيضاوي لتكريم الأبطال الأمريكيين الأصليين من الحرب العالمية الثانية، قام ترامب بإهانتهم من خلال تعليق عنصري. وقد خاض معركة غير مسبوقة وغير ضرورية مع رئيسة وزراء المملكة المتحدة، التي يفترض أنها أقرب حلفاء أمريكا، وذلك عن طريق نشر تغريدة أخرى على تويتر عن مواقف الجماعة البريطانية الفاشية الجديدة المناهضة للمسلمين. وفي محاولة للفوز بتصويت عضوة مجلس الشيوخ الديمقراطي لمشروع قانون خفض الضرائب المقبل، سافر ترامب إلى ولايتها ونشر الأكاذيب عن سجلها (رغم أن مشروع قانون الضرائب لصالح أغنى 1%من الأمريكيين الذي لم يسبق لأي عضو من مجلس الشيوخ الديمقراطي أن صوّت له). واستمر في خدع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون الذي يبدو غير مستقر على حد سواء.

وفي الوقت نفسه، نشرت كل من صحيفة واشنطن بوست وصحيفة نيويورك تايمز مقالات تحتوي قصصاً مزعجة حول سلوك الرئيس ترامب. وتفيد أن ترامب أخبر الناس المقربين منه أنه يعتبر تسجيل «هوليوود» الفاضح بمثابة فكاهة، بدون الكاميرا، ولمس النساء مجرد خدعة، رغم أنه اعترف بصحته سابقاً واعتذر بعد نشره من قِبل صحيفة «بوست» في الأسابيع الأخيرة من الحملة الرئاسية.
وقد تراجع ترامب عن ادعائه الكاذب حول ولادة باراك أوباما في الولايات المتحدة -وهو الادعاء الزائف الذي دشن به حياته السياسية، والذي تراجع عنه قبل الانتخابات تحت ضغط من المستشارين. وقال في تغريدة له على تويتر إنه رفض اقتراح مجلة «تايم» حول منحه لقب «رجل السنة»؛ لأن ذلك لم يكن مؤكداً. (يؤمن ترامب بمثل هذه المظاهر المنشورة في صحيفة تايمز). بيد أن مسؤولاً في صحيفة «نيويورك تايمز» أكد عدم نشر أي شيء من هذا القبيل.
وقد أوجدت حقيقة الاضطرابات النفسية لدى ترامب معضلة للأطباء النفسانيين والسياسيين والصحفيين على حد سواء. هناك قاعدة لدى الجمعية الأمريكية للطب النفسي بأن أعضاءها قد لا يقدمون تشخيصات للأشخاص دون فحصهم.
ولكن نظراً لما يعتبره بعض الأطباء النفسيين حالة طوارئ وطنية، فإن الكثيرين قد كسروا هذه القاعدة وتحدثوا أو كتبوا علناً عن تقييماتهم المهنية لحالة ترامب العقلية.
لقد أجمعت الآراء على أن ترامب يعاني حقيقة من اضطراب نفسي نرجسي، وهو أكثر خطورة بكثير من مجرد مرض نرجسي. ووفقاً لمايو كلينيك، فإن هذا الاضطراب «يعتبر حالة عقلية يشعر فيها الناس بأهميتهم الخاصة بشكل مبالغ فيه، والحاجة العميقة للاهتمام والإعجاب المفرطين، والعلاقات المضطربة، وعدم التعاطف مع الآخرين». وعلاوة على ذلك، «وراء هذا القناع من الثقة القصوى يكمن تقدير الذات الهش والذي يكون عرضة لأدنى الانتقادات».
ويعكس هذا التعريف تصرفات ترامب اليومية. وقد أجمع عدد من المهنيين الطبيين، استناداً إلى كيفية تحدث ترامب في مقابلات له في أواخر الثمانينيات، وكيف يتكلم الآن -مع استعمال مفردات أكثر محدودية وأقل طلاقة- على أن الرئيس يعاني من بداية الخرف.
ووفقاً للمرجعية الطبية الموثوق بها حديثاً، وهي خدمة مموّلة من الاشتراك يستخدمها المهنيون، تشمل أعراض الخرف الإثارة، والعدوان، والأوهام، والهلوسة، واللامبالاة، وفقدان السيطرة.
ويشعر العديد من الجمهوريين في الكونجرس بقلق عميق إزاء قدرة ترامب على تولي الرئاسة -وهي مهمة شاقة. ويقال إن وزير الخارجية ريكس تيلرسون، الذي ربما سيتم استبداله، قد وصف ترامب بأنه «أبله».
وتعزى تصرفات ترامب المتزايدة في الأيام الأخيرة إلى قلقه المتزايد بشأن تحقيق ميلر حول تواطئه وحملته مع روسيا في محاولة الكرملين للفوز في انتخابات العام 2016 -وهو تحقيق يمكن أن ينتهي بتهمة التآمر. (يبدو أن ترامب هو الشخص الأخير في واشنطن الذي لن يقبل تدخلاً روسياً).
وهذا السلوك الغريب على نحو متزايد جاء قبل اندلاع خبر اعتراف مستشار الأمن القومي الأسبق بالبيت الأبيض، ومعاون وثيق للحملة، الجنرال العسكري مايكل فلين بالذنب، لإدلائه ببيان كاذب لمكتب التحقيقات الفدرالي مقابل تعاونه مع التحقيق.
وما جعل هذا الأمر مهماً للغاية كون فلين هو أعلى مسؤول سابق اتهمه مولر. كما توضح صفقة التفاوض استعداد فلين لفضح تورط بعض الشخصيات في الحملة والبيت الأبيض أكثر مما كان عليه.
هذا لا يشمل الكثير من الشخصيات. وقد تم التكهن بالفعل، بشكل منطقي، أن فلين سيشير إلى صهر ترامب والمستشار الممتاز، جاريد كوشنر. لكن الجهود السابقة التي بذلها ترامب لصرف نظر المدعين العامين عن فلين كانت دليلاً قوياً على معرفة فلين لشيء يأمل ترامب ألا يتمكن المدعون العامون من معرفته. قد نتمكن من اكتشاف الأمر عمّا قريب.
وفي الوقت نفسه، تنتظر أمريكا والعالم بفارغ الصبر رد ترامب على هذا التحوّل السيئ الأخير للأحداث بالنسبة له.

مساهمة منتظمة في استعراض نيويورك للكتب ومؤلفة، مؤخراً، لكتاب بعنوان «مجلة واشنطن: تنشر تقارير عن انهيار ووترجيت وريتشارد نيكسون».