تجاوز الديمقراطية الكمبوديـــة

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ١٢/ديسمبر/٢٠١٧ ٠٤:٠٣ ص
تجاوز الديمقراطية الكمبوديـــة

جوشوا كورلانتزيك

لقد قام الحزب الكمبودي الحاكم وهو حزب الشعب الكمبودي خلال العام الفائت بزيادة الضغوط بشكل كبير على خصومه السياسيين والمجتمع المدني علماً بأن الديمقراطية في كمبوديا كانت دائماً مشحونة ولم تكن الانتخابات حرة ونزيهة تماماً ولكن حملة القمع الحالية هي على نطاق أوسع بكثير وتثير المخاوف بشكل أكبر وهذا يعود جزئياً لحقيقة أنه يتم تمكين مثل هذه الحملة بسبب اللامبالاة الأمريكية.

لقد استخدم رئيس الوزراء الكمبودي هون سين والذي يعتبر أقدم حاكم غير ملكي في شرق آسيا سلطته لإسكات النقاد وإقفال وسائل الإعلام الصريحة بما في ذلك صحيفة مستقلة تدعى صحيفة كمبوديا اليومية، كما طرد حزب الشعب الكمبودي المعهد الوطني الديمقراطي وهي منظمة غير ربحية مقرها الولايات المتحدة تركز على الحقوق والديمقراطية واعتقل منافسين سياسيين مثل كيم سوخا الذي يرأس مجموعة المعارضة الرئيسية حزب الإنقاذ الوطني الكمبودي في سبتمبر بتهم مشكوك بها تتعلق بالخيانة كماما يزال سام رينسي وهو شخصية المعارضة الرئيسية الأخرى في المنفى في فرنسا.

ولكن في الأسابيع الأخيرة، زاد هون سين الضغط مما أدى بشكل أساسي إلى إنهاء محاولات كمبوديا المتزعزعة من أجل الديمقراطية، وفي وقت سابق من هذا الشهر حلت محكمة يسيطر عليها حلفاء حزب الشعب الكمبودي حزب الإنقاذ الوطني الكمبودي ونتيجة لذلك، من المحتمل أن يكون الحزب غير قادر على الاشتراك في الانتخابات الوطنية في العام المقبل وكل ذلك فقط لضمان أن يفوز هون سين بفترة ولاية أخرى كرئيس للوزراء ويمكن أن يساعد الحكم أيضاً على تمكين هون سين في النهاية من تسليم السلطة إلى فرد آخر من أفراد الأسرة وخوفاً على حياتهم، غادر حوالي نصف أعضاء حزب الإنقاذ الوطني الكمبودي كمبوديا.
إن هون سين لا يشعر بالخجل من انزلاقه نحو ما وصفته صحيفة كمبوديا اليومية في آخر يوم نشر لها بأنه «الانحدار إلى ديكتاتورية صريحة» وفي الواقع، يبدو أن هون سين مثل غيره من المستبدين في جنوب شرق آسيا يعتقد بأن لديه تفويضاً مطلقاً سياسياً وذلك نظراً لأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لا يعتبر موضوع حقوق الإنسان من الأولويات.
لقد تمكن الضغط الغربي في الماضي من إبقاء هون سين تحت السيطرة حيث تمثل المساعدات الخارجية، بما في ذلك المساعدات من الولايات المتحدة، نسبة تصل إلى 40% من الميزانية الوطنية لكمبوديا وبينما قامت إدارة الرئيس باراك أوباما بتوسيع التعاون مع كمبوديا إلا أنها أثارت مراراً مسألة انتهاكات حقوق الإنسان مع هون سين بما في ذلك أثناء الزيارة المتوترة التي قام بها أوباما إلى فنوم بنه في العام 2012
وقد تراجعت إدارة ترامب عن هذا الضغط وذلك من خلال التقليل من شأن حقوق الإنسان والترويج للديمقراطية وفي خطاب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر، أوضح ترامب أن أولويته ستكون السيادة وليس الحقوق وفي الوقت نفسه قيل إن وزير الخارجية ريكس تيلرسون قد نظر في إزالة الترويج للديمقراطية من مهمات وزارة الخارجية الأمريكية.
لقد لاحظ هون سين على الفور هذا التحوّل حيث إنه قارن في فبراير بين ازدرائه لوسائل الإعلام الكمبودية وعدم ثقة ترامب بوسائل الإعلام الرئيسية في الولايات المتحدة ورغم أن المسؤولين الأمريكيين على مستويات أقل بما في ذلك المدير العام لآسيا في مجلس الأمن القومي، قد اجتمعوا مع نظرائهم الكمبوديين للضغط عليهم حول قضايا الحقوق، إلا أن ترامب لم يقل شيئاً سلبياً عن أفعال هون سين وفي خطاب ألقاه هون سين في أوائل نوفمبر، أشاد هون سين بترامب بسبب اللامبالاة وعدم التدخل.
لقد رحّب الحكام المستبدون الآخرون من جنوب شرق آسيا أو القادة المنتخبون بتوجهات استبدادية أيضاً بالسياسة الخارجية لترامب القائمة على أساس أمريكا أولاً وقد تم الترحيب برئيس الوزراء التايلاندي برايوث تشان أوشا والذي قاد انقلاباً ضد حكومة منتخبة منذ ثلاث سنوات في البيت الأبيض هذا العام كما تم الترحيب كذلك بالزعيم الماليزي نجيب رزاق الذي قد يتم التحقيق بثروته من قِبل وزارة العدل الأمريكية في إطار تحقيق واسع النطاق حول الاحتيال في صندوق الثروة السيادية الماليزي.
وقد أجرى الرئيس الفلبيني رودريجو دوتيرتي في الوقت نفسه مكالمة هاتفية ودية مع ترامب في أبريل الفائت حيث أثنى فيها ترامب على الزعيم الفلبيني بسبب حربه الوحشية وغير القانونية على المخدرات والتي وفقاً إلى منظمة هيومن رايتس ووتش أدت إلى مصرع أكثر من 12.000 شخص.
وأثناء زيارة ترامب إلى مانيلا في نوفمبر، قام دوتيرتي بتسليته من خلال أغنية ثم ضحك ترامب عندما قام دوتيرتي في ظهورهما المشترك بانتقاد وسائل الإعلام ووصفها «بالجواسيس» (وفقاً للجنة حماية الصحفيين فإن الفلبين هي واحدة من أخطر الدول في العالم لأن تكون فيها صحفياً)
وادعى ترامب في وقت لاحق أنه ذكر باختصار حقوق الإنسان لدوتيرتي ولكن المتحدث باسم الحكومة الفلبينية قال إن الاثنين لم يناقشا قضايا الحقوق.
وكما أظهر هون سين ودوتيرتي وآخرون، فإن النهج الأمريكي الجديد يعزز الإفلات من العقاب بالنسبة للقادة الاستبداديين ورغم أن بعض البلدان المانحة الأخرى مثل كندا وفرنسا، قد اعترضت في بعض الأحيان على انتهاكات هون سين إلا أن الحكومة الأمريكية بوصفها اللاعب الذي يتمتع بأكبر قدر من النفوذ هي تاريخياً من كانت في طليعة الدول المنتقدة.
ولكن نهج إدارة ترامب الذي «لا يرى الشر» يعيق قدرة البلدان الأخرى على تعزيز الحقوق والديمقراطية فعلى سبيل المثال، أثار رئيس الوزراء الكندي جستين ترودو في اجتماعه الثنائي مع دوتيرتي هذا الشهر مخاوف بشأن حرب المخدرات في الفلبين ولكن بدون دعم الولايات المتحدة فإن ضغوطات ترودو تفتقد إلى إجراءات ذات مصداقية.
إن سياسات ترامب تضع مصالح أمريكا طويلة الأجل في خطر وكما هو الحال في كمبوديا، فإن العديد من أقوى مؤيدي التغيير الديمقراطي في آسيا هم من الشباب والشابات حيث تستقطب أحزاب المعارضة في ماليزيا وكمبوديا وغيرها من بلدان جنوب شرق آسيا نسبة كبيرة من الشباب كما تتعرّض العديد من المؤسسات الإعلامية ومنظمات المجتمع المدني للضغوط والأهم من وجهة نظر المصلحة الوطنية هي أن الولايات المتحدة أقامت أقوى شراكاتها في آسيا مع الديمقراطيات الأخرى.
إن السياسات التي تتجاهل حقوق الإنسان والديمقراطية لن تفيد الولايات المتحدة أو المنطقة ومن شأن نهج ترامب «أمريكا أولاً» الذي يتجاهل هذه القضايا -في كمبوديا أو في أي مكان آخر- أن يترك الولايات المتحدة في وضع أضعف في نهاية المطاف.

زميل أول لجنوب شرق آسيا في مجلس العلاقات الخارجية.