كنت في القدس

مقالات رأي و تحليلات الخميس ١٤/ديسمبر/٢٠١٧ ٠٤:١٤ ص
كنت في القدس

عزيزة راشد

كانت رام الله تغفو على مهل وكأن الملائكة تهدهد سرير ليلها في همس هادئ، بينما النسيم العليل ينطلق ضاحكاً في نقاء سكانها، لم أنم ليلة هادئة في حياتي كتلك الليلة التي نمت فيها في رام الله، قلت ذلك في نفسي وأنا انتظر خيول الصباح تقدح شرار الشمس عند نافذتي لانطلق إلى قدس الأقداس (القدس).

كان الطريق إلى القدس كالطريق إلى الجنة، أشجار الزيتون تحيط بالطريق المتعرّج بينما يحاول سائق السيارة الحفاظ على التوازن بين منعطفات جبلية وتلال، أرى حقول الحصاد للزيتون وقد ضمت العائلة الفلسطينية بجميع أفرادها، فشجرة الزيتون بالنسبة للفلسطينيين هي رمز للصمود وللصبر، هذه الشجرة العتيقة التي جاءت للوجود قبل 35 ألف سنة قبل الميلاد، ثبّتت الأرض بالصبر والمقاومة، أحبت الفلسطينيين فأحبوها، حتى وصل عمر بعض أشجار الزيتون في فلسطين إلى 2000 سنة أي منذ وجود سيدنا المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام.
تظهر أمامي مدينة القدس وهي تنام على وسائد من انتظار المخلصين لها من العذابات، يسيل دمعها على الحجر الذي قدح عليه البراق حدوته المتوهجة نحو السماء السابعة، حين يغيب القمر عن شرفة الأفق تصلي على سجادة صلى عليها أنبياء الله في الأقصى، تدعو وتبتهل لله وملح الصبر يجعد أصابع الأبطال ويصدئ سيوفهم، وتبقى القدس تنتظر، في القدس تشعر أن روحك الهائمة من فرط الأزمنة قد هدأت، تأخذك القدس من الفقر للغنى، من الشحت للوفرة، من العسر لليسر، من الضيق للسعة، من الحزن للفرح.
أسير في أزقة القدس، عجوز يتناول النعناع الضاحك بالأمل، في جيبه مفتاح العودة لبيت أخيه الذي هجرته إسرائيل ووضع المفتاح أمانة عنده، جرف بيته وسلب حق عودته وبقى المفتاح ينتظر والعجوز صابر، النوافير ساكنة في القدس لفرط ما اختلط ماؤها بدماء الشهداء، الجدران مائلة نحو الأنفاق التي تحفر تحت أساساتها المقاومة، القدس حزينة أسيرة تعاني، أرى زرقة السماء تلمع في عيون أشبالها، لا يوجد طفل في العالم يحمل شجاعة كشجاعة الطفل الفلسطيني، يساق إلى الموت ضاحكاً، يراهم صلاة ويرونه خطيئة، تسيل دماؤه عبر أحجار القدس الحزينة، بينما تظل نوافذ الأسئلة مفتوحة، والوقت مترهل كمنديل مشرب بالملح، تغفو القدس على حلم الخلاص.