متى تفيقون يا عرب؟

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٧/ديسمبر/٢٠١٧ ٠٥:٤٢ ص
متى تفيقون يا عرب؟

أحمد المرشد

لم يعد غريباً الاعتماد على عالم السوشيل ميديا في كافة قضايانا الراهنة سواء المحلية أو العربية أو الدولية، فتلك الميديا المجانية قلبت العالم رأساً على عقب، ولم يعد هناك أي حادث يمر مرور الكرام حتى أن الحكومات أصبحت تعمل حساباً شديداً لهذا العالم المنفتح، بل وتترقب الحكومات ردود فعله قبل وبعد اتخاذ أي قرار..مناسبة هذا الكلام هو قرار الرئيس الأمريكي رونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها من مقرها الحالي في تل أبيب، وهو القرار الصادم للعالمين العربي والإسلامي، وكل المجتمع الدولي لو شئنا الدقة، فالقرار لم يسعد سوى إسرائيل، رغم أن أضراراً كثيرة ستلحق بالدولة العبرية من جراء هذا القرار الأمريكي المنفرد والمخالف لكافة الأعراف والمواثيق والقرارات والاتفاقيات الدولية ذات الصلة.

ومن بين آلاف البوستات التي تناولتها السوشيال ميديا تعقيبا وتعليقا على قرار ترامب، أذهلني مقطع مرئي لمواطنة سورية من الطائفة المسيحية العزيزة ولكنها غيورة على القدس أكثر من معظم المسلمين أنفسهم، وقد بدت الفتاة في غاية القسوة والحدة وهي تتحدث عن حالنا الراهن، وتساءلت أكثر من مرة: «لماذا نكتفي كعرب بالحديث عن أمجادنا وفتوحاتنا الإسلامية وانتصارات صلاح الدين الأيوبي؟»..ثم تتحسر على هؤلاء العرب الذين يتحدثون كثيرا عن الشرف وهم بعيدون عنه تماماً، وتواصل: «ما هي إنجازاتكم الحالية، ما هي حضارتكم الحالية، ماذا فعلتم وأنجزتم حالياً من أجل البشرية؟». الفتاة لم تنتظر الإجابة من أحد لأنها السائل والمجيب في آن، فكان ردها على سؤالها الأخير: «صفر» أي لا إنجازات عربية، لأن العربي هو آخر «مكون بشري» يحق له الحديث اليوم عن الإنجاز» لأن العرب قوم أقوال وليس أفعال، والعرب يتفوقون في رفع شعار «الهتافات أولا» ومنها «إننا أهل شرف».

المقطع الذي أاتحدث عنه صادم في أجزاء منه، ولعلي اقتطع جزءاً كبيراً أشارت فيه الفتاة إلى أن العرب يتحدثون عن الشرف وهم يعلمون جيداً أن بناتهم يتم اغتصابهن في بعض الأماكن، ولكنهم يتمسكون بالشرف والدفاع عن الفضيلة..ثم تتطرق الفتاة إلى قرار ترامب الأخير وتحكي عن إدانات وشجب العرب بلا استثناء دون الكشف أو الحديث عن ما هو المطلوب منهم أو ما هو قرارهم المتوقع إعلانه ردا على عجرفة واشنطن وإهانتهم إهانة بالغة، رغم أن ترامب لم يفاجئهم بالقرار لأنه أعلن عنه إبان حملته الانتخابية، وبالتالي ما أعلنه الرئيس الأمريكي هو تنفيذاً لوعوده لإسرائيل التي لم يتخل عنها. لم يتوقف هجوم الفتاة السورية على الحكومات، فقد طالت الشعوب أيضا واتهمتها بأنها شعوب تفضل النوم طوال اليوم بدلاً من العمل والإنتاج، كما أشارت في إطار هجومها الشديد على الحكومات والشعوب إلى ما فعله إرئيل شارون رئيس وزراء إسرائيل الأسبق عندما اقتحم المسجد الأقصى ولم ينفعل سوى الفلسطينيين داخل وطنهم المحتل..ويشتد الهجوم مع الدقائق الأخيرة لمقطع الفيديو حيث تسخر من شعارات «المجد للعرب» و»العروبة» التي تراها زائفة، والعيش في الماضي، ولا تنسى الفتاة السخرية أيضا من شعار «القومية العربية» و»القوميون العرب»، ثم تحذر الجيل الحالي من اللهو لأن أمريكا وإسرائيل لن يكتفيا بكل ما أخذوه وسلبوه من العرب، فالآتي أقسى وأصعب.
يبدو أن الوضع أصعب مما نتخيل أو نتوقع حقاً، رغم الاجتماع العاجل لوزراء الخارجية العرب وقرارهم رفض ما أعلنه ترامب، وكذلك مواقف معظم الحكومات العربية والإسلامية والبرلمان العربي، ويظل السؤال: «هل الاحتجاجات ضد قرار ترامب تعد زوبعة في فنجان وتمر كما مرت سابقاتها من العواصف؟». تساؤلاتي تتداخل من كثرتها، فماذا سنفعل ضد القرار الأمريكي؟ فنحن بحاجة ماسة إلى وقفة بطولية ولكن أين الأبطال؟!.. فالقرار الأمريكي لن يكون الأخير لأنه اعتراف بما تم إعلانه منذ العام 1995، فنحن بحاجة حقا إلى قائد يتمتع بشخصية كاريزمية يتجمع كل العرب حوله مثلما كان الحال أيام الزعيم خالد الذكر جمال عبد الناصر..ولعلي أتساءل أيضا: «هل عجزت أمتنا العربية عن إنجاب بطل وزعيم آخر؟».

وقد اتفق مع كل ما ذكرته الفتاة في المقطع المرئي الذي أشرت إليه في البداية، فالقضية الفلسطينية وهي القضية الرئيسية للعرب ضاعت بسبب ضعف العرب وتشرذمهم وتسويفهم للحلول الجذرية واتهام بعضهم البعض بالخيانة والتآمر. لقد ضاعت القضية الأهم لدينا وستضيع قضايا أخري، لماذا؟..لأننا أصبحنا نهتم بالمذهب والطائفة أكثر، فالمسلم خرج منه المتطرف والإرهابي والمتشدد السني والشيعي، رغم إن إسلامنا واحد، ولكننا تفرقنا شيعا وقبائل متناحرة لينقلب حالنا إلى صراع مذهبي وطائفي، وقد أشير هنا إلى مخاوفي من أن تضيع لغتنا في خضم كل هذه المعارك، ليس اللغة فقط بل هويتنا أيضا، فقد أصبحنا على أعتاب مرحلة صعبة ومؤلمة جداً.
لقد تهكمت الفتاة السورية على الذين يفتخرون بأبطال الماضي والتاريخ، ولكني اختلف معها في هذه النقطة، لأن الماضي ليس وحده الذي يستحق أن نفتخر به، فأمامنا حرب أكتوبر التي حقق فيها المصريون انتصاراً كبيراً، وكان بجانب الانتصار العسكري انتصاراً آخر أصحابه أهل وقادة منطقة الخليج، ممثلين في قرار الملك فيصل عاهل السعودية بقطع الإمدادات النفطية عن الدول التي تناصر إسرائيل على حساب العرب وتمدها بالسلاح، فكان القرار الأبرز في إطار المقاطعة العربية حتى يومنا هذا، وسيظل العالم يتذكر القرار وآثاره السلبية على أوروبا والولايات المتحدة..لم يكن قطع النفط عن الغرب وأمريكا هو القرار الأصعب لدى الخليج، بل الأصعب هو تنفيذه وعدم الرضوخ لكافة التهديدات التي تعرضت لها الدول الخليجية، حيث كان هناك قرار شجاع صدر من قائد شجاع لم يخش في الحق لومة لائم. وربما اختلف مع الفتاة السورية بعض الشيء، حيث يبدو أنها لم تطالع كافة المواقف العربية والخليجية الحقيقية، ولن أتحدث عن حكومات، ولكني أشير فقط إلى مواقف قيادات دينية بارزة، مثلما أعلن شيخ الأزهر والأنبار تواضروس بطريرك الأقباط في مصر بعدم مقابلة نائب الرئيس الأمريكي خلال زيارته المقبلة لبلادهم والمنطقة، وغيرها من المواقف التي غابت ربما عن البعض في غمرة الحدث المؤلم وتبعاته الصعبة على فلسطين والعرب عموما. غير أن ثمة مواقف غربية يجب الإشارة إليها والإشادة بها في نفس الوقت مثل الاتحاد الأوروبي بصفة عامة ثم قرارات الدول الأبرز به مثل ألمانيا وفرنسا وغيرها الذين رفضوا القرار الأمريكي وأعلنوا التمسك بقرارات الشرعية الدولية الخاصة بالصراع العربي – الإسرائيلي، ولم تكن كندا بعيدا عن هؤلاء حيث اتفقت مع الموقف الأوروبي. إجمالا..نعلم أننا ظلمنا القدس والقضية الفلسطينية بابتعادنا عنها بسبب خيبات ما سموه بـ»الربيع العربي» في المنطقة، ولكنها ستعود إلى واجهة الأحداث ومقدمتها، فزهرة المدائن ستظل عربية وإسلامية وفلسطينية.. ولكن يبقي هاجسي وتساؤلي: «هل ستضيع هويتنا ولغتنا العربية في خضم ما يجري حولنا من أحداث؟»..مجرد جرس إنذار للتنبيه !!!

كاتب ومحلل سياسي بحريني