موضة التعمين بمنصات إلكترونية!

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ١٨/ديسمبر/٢٠١٧ ٠١:٥٨ ص
موضة التعمين بمنصات إلكترونية!

علي بن راشد المطاعني

يحرص حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- على إيجاد فرص عمل للباحثين عنه في البلاد ويولي جلالته كل الاهتمام بأبنائه الخريجين والخريجات في مؤسسات التعليم الجامعية وغيرها من المستويات العلمية، وليس أدل على ذلك من توجيهاته -حفظه الله ورعاه- الأخيرة للحكومة بتوظيف 25 ألف باحث عن عمل في هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها البلاد رغم الظروف الاقتصادية المعروفة والتي تمر بها دول المنطقة.

كل ذلك يجسد الكثير من الدلالات والمعاني التي تقع على عاتق الحكومة الرشيدة إزاء تضافر الجهود لتطوير سبل التوظيف الحكومي والخاص وإيجاد مجالات عمل تتناسب مع مستويات الخريجين، وإحكام السيطرة على كل المنافذ التي يتهرب منها البعض، وإيلاء هذا الموضوع أهمية كبيرة تتجاوز التنظير والتأطير نزولا للواقع، وعدم الارتهان للغير في التوظيف مثل المنصات الإلكترونية على سبيل المثال التي أحدثت أزمة في عملية إدخال البيانات، فما بالك بأنها ستكون وسيطا في التوظيف أو بديلا عن الجهات المختصة، الأمر الذي يتطلب مراجعة هذه التوجهات بنحو يتواكب مع أهمية هذا الجانب وبما يتناسب مع الاهتمام السامي لجلالته بأبنائه الشباب، فضلا عن الواقع المتردي لسوق العمل.

الكل يدرك مدى صعوبة التوفيق بين الباحثين عن عمل وبين أرباب المؤسسات والشركات في القطاع الخاص، لتباين المصالح بينهما، لذا فإن الابتعاد عن الموضوع وتكليف منصات إلكترونية تفتقر لكل المقومات والخبرة والدراية بسوق العمل، فضلا عن ضعف قدراتها وإمكانياتها في إدارة هذا المجال وغيرها من الأمور، يعد ضربا من المجازفة التي لن تفضي لشيء.
إذا كانت جهات حكومية بكل إمكانياتها وقدراتها وصلاحياتها عجزت طوال السنوات الفائتة عن معالجة مشكلة الباحثين عن عمل على نحو مثالي، فكيف بمنصات افتراضية أن تحلها جذريا، وهو ما يطرح تساؤلات حول جدوى الاستعانة بمنصات إلكترونية.
من المفارقات في هذا الجانب أن الجهات المختصة تمنح المأذونيات لأرباب العمل لتوظيف القوى العاملة الوافدة، في حين تبدو جهود توظيف العُمانيين أقل زخما على ما يبدو لها، وترغب في التخلص منها برميها على منصات إلكترونية غير عابئة بانعكاسات ذلك على مسار التعمين الذي على ما يبدو تلاحقه اللعنة كأنه عبء علينا للأسف، الأمر الذي يدعو للاستغراب لهذا التعاطي الذي يفتقر للتوازن المنطقي ويدعو إلى المزيد من المراجعة الواقعية لهذا الملف من جميع جوانبه مهما كانت التكلفة.
لقد دفع تردي الخدمة الإلكترونية الباحثين عن عمل إلى تدشين هشتاق حول أزمة منصات التوظيف وصل إلى أعلى تردد وطرحوا تساؤلات حول ماهية هذه المنصات ودورها وقدراتها، والآليات التي سوف تعمل بها إلى غير ذلك، وتبادلوا النكات حول هذا التوجه وسردوا مشكلاتهم ومعاناتهم.
نحن بالفعل أمام مرحلة مفصلية مهمة تتطلب تمكين أبناء الوطن من الوظائف عبر قيادة فاعلة من الجهات المعنية التي عليها مسؤوليات كبيرة في هذه المرحلة لتتجاوز الممارسات التي لم تفض إلى نتيجة حتى الآن ومن ثم التعاطي بمسؤولية مع التوظيف وإلزام الشركات بنسب التعمين المتفق عليها ومراقبة تنفيذ ذلك بنحو دقيق من خلال منظومة عمل حكومية ممنهجة وليست هذه الموضة التي أجهضت قبل أن تولد.
إن منهجيات التعامل مع التعمين في تقديرنا ومن خلال متابعاتنا الطويلة ليست جادة بما يكفي لمعالجة هذه القضية بشكل منهجي يستوعب أبناء الوطن وفق حلول عملية ومسار تعمين واضح تتكامل فيه كل الجهود الحكومية وتنسق الآليات بشكل لا يفلت منه المتهربون، إلا أن ذلك لم يحصل، واستمر على ما يبدو مسلسل التجارب غير الناجحة على أبنائنا.
البعض يرد انتهاج التوظيف بمنصات إلكترونية إلى بعض تجارب الدول المتقدمة، ويرغب في الاستفادة منها متناسيا وضع سوق العمل وحالته المستعصية التي لا تسمح باستنساخ تجارب قبل ترميم هذا السوق عن بكرة أبيه.
نأمل من الجهات الحكومية ذات الصلة إعادة النظر في هذا الملف بنحو أكثر عمقا واتساعا وشمولية، وأن لا نرهن هذه المسؤولية الوطنية الضخمة لمنصات افتراضية، ومن ثم العمل بروح الفريق الواحد لترجمة الاهتمام السامي بهذا الأمر وتنزيله لأرض الواقع تماما كما يؤكد جلالته على ذلك في كل المناسبات.