غالب الصوافي.. أنامله تصنع المستحيل

7 أيام الخميس ٢١/ديسمبر/٢٠١٧ ١٩:١٥ م
غالب الصوافي.. أنامله تصنع المستحيل

مسقط- خالد عرابي
هو شاب عماني، بدأ مسيرته الفنية وهو طفل لا يتجاوز السابعة من عمره، ببداية متواضعة وإمكانيات قليلة، فكان إعجابه بما كان يسمعه من قصص تحكى في المساء عن الماضي وما يحمله من معاني جميلة، وما رآه من حوله من شواهد متجسدة في القلاع والحصون والمباني التاريخية الخالدة، أوجدت منه فناناً وحرفياً شاملاً يستفيد من كل ما حوله في صنع أشكال ولوحات ومجسمات فنية نادرة، يجعلنا نستطيع أن نصف أنامله الذهبية بأنها تصنع المستحيل.. إنه الحرفي والفنان التشكيلي ابن نيابة سناو بولاية المضيبي، غالب بن سليمان بن حميد الصوافي "7 أيام" التقته ليحكي لنا قصته الفنية والحرفية.

يحكي الصوافي عن بداياته فيقول: "كانت البيئة التي نشأت فيها تبعث في نفسي شعوراً يدعوني للتعبير عن المكنون في داخلي في شكل أعمال تترجم معانيها بلغة العيون، فالبيوت الأثرية المبنية من الجص والطين تكاد جدرانها تنطق وتحكي عن روعة الأيدي التي شيدتها، والأواني الفخارية التي تستخدم لجلب الماء وحفظ الطعام والمنتجات الحرفية المصنوعة من مخلفات النخيل ترسم صورة باهية للمتأمل عن تفاصيل الحياة اليومية في ذلك الوقت، وعن كل ما تحمله من معاني إنسانية وجمالية، ومن هناك كانت البدايات بتقليد كل ما أراه، فصنعت من سعف النخيل العابي ومن الطين مجسمات وأشكال تحاكي ما أدركته مخيلتي الطفولية، أما البداية الحقيقية لمسيرتي الفنية فكانت بعد التحاقي بالمدرسة، ففيها التقيت بمن يشاطروني الهواية بالرغم من قلتهم في ذاك الوقت، وتأثرت بشكل كبير بمدرسي مادة التربية الفنية الذين كان لهم الأثر الطيب في تنمية مواهبي وتوجيهي التوجيه الأمثل فكان الرسم والتلوين وصنع المجسمات والوسائل التعليمية المحطة الثالثة في مسيرتي الفنية، ونقلت من خلالها كل أفكاري وأحاسيسي إلى اللوحات الخشبية والجدران وكل الخامات والأسطح الصالحة للرسم والتشكيل".

ويضيف الصوافي: "وبالرغم من صعوبة الحصول على الأدوات الخاصة بالرسم وكل ما يتعلق بالفن في ذلك الوقت إلا أن العزيمة على إيجاد البدائل المتوفرة والإصرار على الإنجاز وتحقيق الذات كانت المحرك الدافع لي نحو التميز. كما التحقت من خلال المدرسة بجماعتي التصوير الضوئي والرحلات، وكان لهما الأثر الإيجابي في مسيرتي الفنية. -ولله الحمد- حصلت خلال فترة الدراسة على ثقة جميع معلمي المادة وعلى دعمهم المتواصل بسبب تفوقي فيها وحصولي على مراكز متقدمة في المسابقات والفعاليات على مستوى المدارس التي التحقت بها.

وبعد مرحلة الدراسة في بداية التسعينات التحقت بمرسم الشباب بهدف تعلم أساسيات الرسم وللاستفادة من الورش الخاصة بالفنون. ولكن ظروف العمل حالت دون ذلك حيث انتقلت إلى مكان آخر بعيد عن مسقط. ولكنني واصلت التعلم الذاتي من خلال القراءة والسؤال والاطلاع والتجربة والخطأ والصواب بالرغم من التحديات الكبيرة. ويضيف: في العام 2007 انتسبت إلى الجمعية العمانية للفنون التشكيلية لتعزيز وصقل خبراتي من خلال الاحتكاك بكبار الفنانين على مستوى السلطنة وقد شاركت خلال تلك الفترة في معارض قليلة نظراً لطبيعة عملي وانتقالي بين عدد من ولايات السلطنة.

الصناعات الحرفية
وللإجابة عن سؤال حول كيف جاء توجهه للصناعات الحرفية قال: "بسبب هذه التنقلات والبعد عن مسقط لم أستطع بعدها مواصلة المشوار في الجمعية نظراً لتلك الظروف فتركت الرسم لفترة، واتجهت لممارسة الحرف اليدوية في وقت الفراغ وذلك لحبي الشديد لكل مقومات التراث العماني الأصيل الذي يربطني بتاريخ بلادي وماضيها الجميل، فجمعت بين الفن والحرف اليدوية ووفقت بفضل الله في إنتاج أعمال مميزة استخدمت فيها كل المتوفر من الخامات ومن ضمنها المعادن بمختلف أنواعها والزجاج والأخشاب بأنواعها ومن ضمنها أخشاب النخيل وجوز الهند وكذلك الحجر والأسمنت والجبس والجص بالإضافة إلى جلود الحيوانات والجلود الصناعية والبلاستيك والصدف بل وكل خامة صالحة للاستخدام في إنتاج عمل فني، كما شاركت في تنظيم مسابقات وفعاليات على مستوى الولاية كان من أهم أهدافها حماية وصون البيئة من خلال تدوير مخلفات البناء والمخلفات الزراعية وخاصة أخشاب النخيل التي استخدمتها في إنتاج قطع الأثاث والديكور والكثير من الأعمال والمنتجات التي يمكن الاستفادة منها، وكنت من أوائل الحرفيين المسجلين لدى الهيئة العامة للصناعات الحرفية وقد حصلت على مراكز متقدمة في المسابقات الحرفية الدورية التي نظمتها الهيئة على مستوى السلطنة".

أهم الأعمال
وعن أهم الأعمال بالنسبة له قال: "هناك الكثير من الأعمال التي أعتز بإنجازها ولكن أهمها على الإطلاق أعمال خاصة طلبت لإحدى المؤسسات الحكومية وهي عبارة عن منتجات حرفية راقية مصنوعة من أحد أنواع الخشب الفاخر وقد تم اختياري من بين عدد من أمهر الحرفيين لإنجاز تلك المهمة وهذا ما أعطاني إحساساً بالمسؤولية الكبيرة للثقة التي حصلت عليها من قبل تلك المؤسسة، -ولله الحمد- فقد حازت تلك الأعمال على كامل الرضى والإعجاب الكبير من قبل المسؤولين فيها. ومن الأعمال المهمة التي عملت عليها أحد الأعمال التي فزت بها في أحد المسابقات الحرفية على مستوى السلطنة وهنا الكثير من الأعمال المهمة التي لا يتسع المجال لذكرها.

وعن كيفية تخصصه في هذا المجال قال الصوافي: لم أتخصص في مجال الفنون التشكيلية ولم أحصل على أي شهادات دراسية أو دورات تدريبية في هذا المجال وينطبق الأمر على الحرف اليدوية التي أمارس العمل بها، وأغلب ما اكتسبته خلال السنوات الماضية من خبرات ومهارة كان من خلال التعلم الذاتي والمشاهدة والمحاولة والخطأ والصواب حتى وصلت إلى مرحلة اخترت فيها مواصلة الطريق في مجال الصناعات الحرفية بعد أن كونت أسلوبي الخاص والذي جمعت فيه القديم بالحديث بالنسبة للتصميم ونوع الخامات وطريقة العمل والأسلوب الفني.

أم عن الخامات التي يحب استخدامها في أعماله فقال: "بحكم تجاربي الكثيرة مع مختلف الخامات استطعت من خلالها إنتاج أعمال مميزة باستخدام خامات متعددة ولكن الخشب كان وما زال الخامة الأقرب إلى نفسي وذلك لعدة اعتبارات أهمها تميز المنتجات الخشبية بالجمال والفخامة والدفء بالإضافة إلى قوة التحمل وسهولة التشكيل، وقد ارتبط اسم عمان منذ القدم بأهم الصناعات الخشبية إلا وهي صناعة السفن والتي مهر العمانيون فيها وأبدعوا في صناعتها كما ارتبط إنشاء القلاع والحصون المنيعة بالحاجة إلى صناعة الأبواب الخشبية والنوافذ المتقنة الصنع".

وعن تمكنه من التوفيق بين عدة خامات قال: التجارب الكثير وانتقالي للعمل بين عدة ولايات في السلطنة كان السبب الحقيقي وراء استخدامي لخامات مختلفة، فعندما نقلت للعمل في محافظة مسندم على سبيل المثال كنت مضطرا لاستخدام خامات معينة فكانت المواد الأكثر توفرا هناك هي الحجارة والأصداف فقمت بإنتاج أعمال فنية مصنوعة من المواد المتوفرة في المنطقة القريبة مني وينطبق الأمر على باقي المناطق التي عملت بها.

وعن مشاركاته قال: "بالنسبة لأهم المشاركات فكان أبرزها مشاركتي في مسابقة السلطان قابوس للإجادة الحرفية على مدار عدة سنوات ونسختها السابقة التي تسمى مسابقة الإجادة الحرفية بالإضافة إلى مشاركات في العديد من الورش والمعارض على مستوى عدة ولايات وكان آخرها مشاركتي في ملتقى ولاية المضيبي للفنون والحرف اليدوية والذي نظمه فريق الهلال الرياضي برعاية عدد من الشركات الكبرى في السلطنة.

أما عن الجوائز التي حصل عليها فقال: "عدة ولكن ما اعتز بها كثيرا هي حصولي على المركز الثاني في مسابقة السلطان قابوس للإجادة الحرفية بدورتها الرابعة لعام 2015 في مجال الخشبيات وكان العمل عبارة عن حدة إنارة تراثية التصميم صنعت من خشب النخيل وخشب شجرة الغاف، كما استخدمت في صنعها منحوتات من الخشب وعظام الأبل وتشكيلات زخرفية بالنحاس، كما حصلت على المركز الثالث في مجال الجلود في النسخة السابقة لهذه المسابقة لعام 2003 بالإضافة إلى مراكز متقدمة عدة على مستوى المدارس والفرق الرياضية".

وعن الصعوبات والتحديات التي واجهها قال: "واجهتني خلال سنوات مشواري الفني العديد من التجارب الصعبة والتحديات الكثيرة، ولكن بفضل الله صنعت من بعضها سلماً نحو التقدم بينما طويت المتبقي منها، وجعلته تجربة استفيد منها، فكل إنسان معرض لارتكاب الأخطاء والتعلم منها، والوصول إلى الكمال أمر مستحيل، لذلك يجب أن يتقبل الإنسان الأخطاء كجزء من حياته، ويتعلم من أخطائه ومن أخطاء الآخرين، وليس من الصواب الاعتقاد بأن عدم ارتكاب الأخطاء هو أمر إيجابي في جميع الأحوال، فالفشل لا يعني نهاية الطريق، بل قد يكون البداية الحقيقية نحو تحقيق النجاح، ومن ضمن اهم التحديات التي واجهتني في بداية طريقي كان معارضة بعض أفراد العائلة والكثير من الأصدقاء وعدم تقبلهم لعملي في هذا المجال بالإضافة الى صعوبة الحصول على المعلومات من خلال الكتب والمراجع التي كانت شحيحه في بداية المشوار وينطبق الأمر على الأدوات والمواد الخام التي يتعذر الحصول عليها الأمر الذي استطعت معه التغلب على هذا الأمر وإيجاد البدائل عن طريق صنع بعض أدواتي الخاصة، أما التحدي الأبرز فكان عدم استقراري وتنقلي الدائمة بين مختلف ولايات السلطنة بحكم عملي الذي يتطلب ذلك، وبفضل الله استطع استثمار تلك التحديات في صالحي، أما التجارب الكثيرة فهي التي تعلمت منها، واذكر أنني في فترة من الزمن احتجت بشدة إلى تعلم صناعة القوالب بواسطة الألياف الزجاجية ومادة السليكون الأمر الذي احتجت معه قضاء ثلاث سنوات في البحث على كل ما يتعلق بهذا الأمر من معلومات وكان للتجارب دور في اتقاني لصناعتها في وقت لم تنتشر فيه خدمات الإنترنت بعد.

وأشار إلى أنه لم يحصل على أي دعم مادي من قبل أي مؤسسة في السلطنة ما عدا مبلغ وقدره 500 ريال عماني حصل عليها من قبل الهيئة العامة للصناعات الحرفية، ولكنه رأى أن الدعم المعنوي فهو في التقدير الذاتي للنفس والثقة بها هو المفتاح الأول للنجاح إذ لا قيمة لتقدير الآخرين من دونه، وأهم دعم حصلت عليه وكان سبباً في نجاحي وإصراري على التقدم برغم المعوقات والتحديات الكثيرة كان دعم وَالِدَيَّ الذين أمدوني بالدعاء والرعاية والاهتمام والتشجيع فكان ذلك المحرك الدافع لي نحو بلوغي أهدافي، وكان لأهلي وأصدقائي فضل لا أنساه في الشد من أزري وتقديم بعض الأدوات والمواد الخام التي لم تكن متوفرة في وقت ما.

واختتم قائلا: "رسالتي للشباب الساعين إلى التمييز هي الإصرار على بلوغ الهدف وعدم الاستسلام أمام العقبات والتضحية من أجل ذلك والثبات على القيم والعادات العمانية الأصيلة والتي تعتبر من أغنى المصادر التي يمكن أن يستفيد منها الفنان العماني ويستلهم منها الكثير من الأفكار التي تعينه على أداء رسالته للعالم من خلال لغة الفن.