الثقافة المزيفة

مقالات رأي و تحليلات الخميس ١٨/يناير/٢٠١٨ ٠٣:٠٤ ص
الثقافة المزيفة

عزيزة راشد

عندما كنت طالبة في جامعة قطر، واظبت على اقتناء الصحف القطرية يومياً لقراءتها بعناية، وما فاتني منها في أيام الامتحانات الجامعية كنت أجمعه لقراءته لاحقاً، حتى بلغت الصحف سقف غرفتي في السكن الجامعي، عندما تخرجت جلبت كل الصحف التي لم اقرأها معي إلى عمان، ومنذ 14 سنة حتى الآن وأنا اقرأ الصحف التي فاتتني قراءتها.

هنا في عمان تقلب الصحيفة يمنة ويسرة لعل فيها ما يدهشك ويثير الفضول، لا جديد وكأن الأخبار كتبت بطريقة الآمن المطمئن وهو يتناول قهوته على شاطئ مهجور، تنتقل إلى الصحيفة الأخرى لتجد أن الخبر الأول في الصحيفة الأولى هو ذاته في الصحيفة الثانية دون تميز أو إبداع أو تغطية صحفية حصرية، نسخ ولصق وصور متشابهة دون إبداع في قلم من كتب الخبر.
تفاجأ حين تقرأ مقالاً لكاتب أنت تعلم تماماً أنه ليس له في الكتابة قلم ولا ورقة، وكاتب آخر يكتب ما سماه مقالاً يتناول فيه قضية معينة تهم مجتمعه لكن دون أن تتضح ما هي تلك القضية وما هي طرق علاجها وتأثيراتها على المجتمع، كتابات قص ولصق تنشرها بعض الصحف، والحال يتشابه مع بعض الصحف في الوطن العربي فظاهرة الثقافة المزيفة تسود العالم العربي، وقد تفاقمت بعد أحداث الربيع العربي الذي جاء بكل من يستطيع أن يمتلك وداً مع صحيفة أن يكتب دون أن يربطه بعالم الكتابة حبر ولا قلم ولا ورق ولا حتى قرطاس.
قوانين الكتابة الصحفية نفتقدها في عالم الصحافة العمانية، فمن يستطع الكتابة كتب دون أن تكون له هوية كتابية، لا تعلم عنه جمعية الصحفيين العمانية شيئاً باعتبارها الجهة المسؤولة عن الصحفيين في السلطنة والحاضنة لهم، ولم يُنشر مقال له قديم أو حتى متوسط العمر لتقييم كتاباته.
إن ما يحدث الآن هو فوضى، فبعض الصحف العمانية فتحت الباب على مصراعيه أمام أقلام الطلبة وغيرهم لتكتب ما يشبه المقالات لتنشر بجانب كبار الكتاب الذين انتهجوا الكتابة منذ عشرات السنين، كتابات لا تجد في داخلها سوى تمويهاً لأشياء أخرى تتجانس معها أهواء الكاتب دون أن تخدم مجتمعاً أو تعالج قضية أو حتى تطرح طرحاً معقولاً ومتوازناً، ناهيك عن جهل هؤلاء الكتاب بأجناس الكتابة الصحفية وأساليبها وأنواع مدارسها ومذاهبها ومناهجها، فيخلطون المنهج الصحفي الوصفي مع العلمي والانطباعي وغيرها من المناهج الصحفية التي تشربت عليها ذاكرة الصحفي المتمرس.
إن إنقاذ المشهد الصحفي العماني من الفوضى الغارق فيها حالياً مسؤولية الجميع، سواء وزارة الإعلام أو قانون المطبوعات والنشر أو جمعية الصحفيين أو غيرها من الجهات المختصة بالثقافة، فبعض الصحف لم تعد مغرية بالقراءة من قبل القارئ، تتشابه فيها الأخبار والحوارات، تكتب فيها مقالات بأقلام مجهولة دون أن تحمل الكتابة هوية المقال الصحفي الصحيحة، ناهيك عن التركيز على المحلية وصد آفاق العالمية في الصحيفة، وكأننا منغلقون على قضايانا ومجتمعنا دون أن نتوسع في أخبار العالم سوى حروبه وكوارثه وما تفعله الشعوب بأوطانها من عبث، هناك أخبار وحوارات أكثر اخضراراً في العالم من القحط المنشور يومياً في الصحف العمانية.
نأمل أن نرى الصحف أكثر إبداعاً وأكثر حرفة، ومقالات يعتد بها ونتفاخر بنشرها، نتمنى صحفاً نحتفظ بها ونعاود قراءتها لأيام لغزارة المادة وعمق المعلومة فيها.