الشائعات.. غايات مشبوهة

بلادنا الثلاثاء ٢٣/يناير/٢٠١٨ ٠٢:٤٧ ص
الشائعات.. غايات مشبوهة

مسقط - محمد سليمان

جرى مؤخرا تداول مقاطع صوتية عبر موقع التواصل الاجتماعي «واتس آب» تشير إلى جريمة اختطاف واغتصاب لفتاة في ولاية صحار، وكذلك جريمة اختطاف لطفلين آخرين ومقتل أحدهما ولا زال الآخر في عداد المفقودين، إلا أن المفاجأة كانت أن هــــــذا المقــــــطع الذي انتشر بين آلاف المستخدمين لم يكن حقيقياً وفقاً لتصريحات شرطة عمان السلطانية، التي قالت في تغريدة لها إن الشخص المسؤول سيُلاحَق.

ولم يكن هذا المقطع هو الوحيد، فخلال الفترة الفائتة بُثت العديد من الشائعات مجهولة المصدر، وجرى تداولها بين المستخدمين بصورة كبيرة دون إدراك لخطورة هذه الرسائل.

بلغ عدد مستخدمي تطبيق «الواتس آب» الشهير الذي أُطلق في العام 2009 نحو البليون مستخدم حول دول العالم، وقد حقق معدل نمو غير مسبوق خلال السنوات التأسيسية الأولى، إذ بلغ عدد مستخدميه شهريًّا بعد أربع سنوات 419 مليون مستخدم في الشهر، ويبلغ عدد الرسائل المتداولة يوميًّا عبر التطبيق نحو 55 بليون رسالة بمتوسط 55 رسالة لكل مستخدم نشط، وبمعدل 600 ألف رسالة تقريبًا في الثانية الواحدة، فيما يبلغ عدد الوسائط المرئية المتداولة يوميًّا ما يقارب 4.5 بليون صورة، وبليون فيديو، وفي ظل هذا الزخم الهائل من حجم المعلومات أساء البعض استخدامه بعد أن بات وسيلة تُتبادل من خلالها الشائعات والمعلومات غير الموثقة بسرعة مهولة، تتناول رسائل دينية ومعلومات علمية وأخباراً تعد في مجملها مجهولة المصدر.
الخبراء والمتابعون حذروا من تداول المعلومات العشوائية، معتبرين أنها قد تدخل في باب الجريمة الإلكترونية، خاصة إذا اقترنت بشائعات تتبنى الحديث عن أخبار كاذبة تتعلق بالجهات الحكومية مما يثير الفوضى.

الجانب التقني

في البداية يقول وديع اللواتي وهو أحد المتخصصين في تقنية المعلومات: «إن وسائل التواصل الاجتماعي باتت من الأمور الضرورية التي لا يمكن الاستغناء عنها لما لها من دور في تسهيل التواصل وتقريب المسافات، وبالنسبة للرسائل مجهولة المصدر فإنها ولا شك تمثل مصدر إزعاج للمتلقين، وما عادت هذه الرسائل تقتصر على وسيلة واحدة بل باتت في معظم وسائل التواصل ومن الطرق المستخدمة للاحتيال الإلكتروني. لذا فإن الانتباه والحذر منها واجب وضروري.
وتكون مصادر هذه الرسائل مختلفة ومتنوعة. بعضها من الشركات التي تسعى لاستخدام وسائل التواصل للترويج عن منتجاتها. وبعضها من بعض المخترقين الساعين لاختراق جهاز الضحية والمرسل إليه. وبعضها من المحتالين الذين يسعون لإيهام الناس بفوزهم بجوائز والهدف سرقتهم عن طريق استدراجهم لمعرفة معلوماتهم البنكية أو تحويل المبالغ لهم وغيرها من الوسائل. وهناك مصادر أخرى متنوعة تبرز كل يوم.
والتعامل مع مثل هذه الرسائل يقتضي الحذر والحيطة، فالمؤمن كَيِّسٌ فطن. لذا الواجب علينا في حال حصول هذه الرسائل التريث قبل إعادة نشرها أو الضغط على الوصلات المرفقة في الرسالة. فكما أن إرسال هذه الرسائل سهل ويسير، فإن التحقق منها أيضاً سهل من خلال الإنترنت إذ يمكن من خلاله معرفة مدى صحة الرسالة أو غيرها. حتى بالنسبة للرسائل الإحتيالة فالواجب معرفة أن الشركات والمؤسسات لا ترسل وصلات وتدعي فوز المتلقي ولا تطلب البيانات البنكية أو تطلب مبلغاً مالياً للحصول على الجائزة. لذا لا بد من الحيطة والحذر وعدم الوقوع في مصيدة هذه الرسائل».

جريمة إلكترونية

أستاذة القانون د.زبيدة البلوشية، نقلت بعض الأمثلة للشائعات التي انتشرت مؤخراً قائلة: «ظهرت في الفترة الأخير الكثير من الشائعات وبشكل يومي نجدها في تزايد بين أفراد المجتمع، مثل مظاهرات للقوى العاملة الوافدة في مسقط، في حين إن المقطع المتداول هو تجمع لاستقبال ومشاهدة الممثل الهندي شاروخان في افتتاح أحد المراكز التجارية بمسقط، كما ظهر مقطع آخر يوضح تداول الخبر حول استحداث لوحات أرقام مركبات جديدة، وحين نشر الخبر ووصل للجهات المختصة بالإدارة العامة للمرور نفته على الفور، وأوضحت أن مصدر هذا الخبر ليس الإدارة العامة للمرور، كما ظهر خبر آخر بتوفير الوقود 91 بشكل مجاني مع بداية العام 2018م، في حين إن حساب نظام الدعم الوطني للوقود أوضح عدم صحته، وأن الصحيح هو أن المستحق للدعم سيحصل على 200 لتر شهرياً بقيمة 180 بيسة/‏‏ لتر بدءاً من 1 يناير 2018م، كما تظهر بشكل يومي إعلانات رسائل بواسطة جهات وهمية بفوز الشخص بمبلغ 20,000 ر.ع ويطلب تفاصيل حسابه لإيصال المبلغ إليه، فيقع فريسة للأوهام والأكاذيب».
وأضافت: «يقصد بالشائعة: انتشار الأمر وذيوعه بين الناس دون أن يستند إلى دليل، أو يُعرف له مصدر. وتتناقل من شخص إلى شخص دون أن تكون لها معايير أكيدة للصدق. وهي تنتقل عادة كتابة أو شفاهاً دون أن يتطلب ذلك مستوى من البرهان أو الدليل، وقد تناولها القرآن الكريم، قال تعالى في كتابه الحكيم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}، أما في القانون فقد أشار إليها قانون الجزاء العماني، المادة 135- الفقرة (ط) بما نصه: يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تزيد على ثلاث سنوات وبغرامة لا تقل عن مئة ريال ولا تزيد على خمسمئة ريال كل من حرض أو أذاع أو نشر عمداً في الداخل أو الخارج أخباراً أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو مغرضة، أو بث دعاية مثيرة وكان من شأن ذلك النيل من هيبة الدولة أو إضعاف الثقة بمكانتها المالية.

وتكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على عشر سنوات إذا وقعت الجريمة في زمن الحرب.

المادة 182: يعدّ مفترياً ويعاقب بالسجن من عشرة أيام إلى ثلاث سنوات وبالغرامة من عشرة ريالات إلى خمسمئة ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين كل شخص: أقدم بأية وسيلة على نشر خبر ارتكاب جريمة لم ترتكب فعلاً وهو يعلم أنها لم ترتكب، أو أبلغ السلطات المختصة بملاحقة الجرائم عن هذه الجريمة وهو يعلم أنها لم ترتكب، أو كان سبباً لمباشرة التحقيق بها باختلاقه أدلة مادية على وقوع مثل هذه الجريمة.
ويمكن تصنيف الشائعات عبر شبكات التواصل الاجتماعي من حيث أهداف نشرها إلى قسمين، شائعات مع سبق الإصرار والترصّد، وهي الأخبار التي ينشرها أصحابها، وهم على يقين ودراية تامة بكون هذه الأخبار عارية عن الصحة. عادة ما يكون لديهم هدف أو غرض محدّد، فإما أن يكون الغرض تجارياً بحتاً، يسعى لزيادة الإقبال على منتج معين عن طريق استخدام الإشاعة كآليّة تسويقية مبتكرة، أو لغرض التشويش على هيئة أو شركة أو شخص منافس عن طريق تحريف الحقائق. في بعض الحالات يجري بناء مواقع كاملة، هدفها الأول تسويقي، تُنسب لمجموعة هواة في ما هي في الأصل من طرف الشركات المعنية بهذه المنتجات نفسها.

أو يجري نشر هذه الشائعات لأسباب أخرى. وشائعات عن قلة دراية وتحقيق، وتنتشر بشكل عفوي غير مقصود، سواء بسبب التسرّع في نشر الأخبار دون التحقق من مصادرها الأصليّة، أو عن طريق تحريف الكلام الصادر عن المصدر الأصلي نتيجة التجزئة أو الاقتباس المخلّ بالمعنى -وهذا ما ينبغي تحريه بدقة».

الشائعة والاحتيال

في بعض الأحيان يتجاوز الأمر من مجرد شائعة إلى احتيال، وحول هذا الأمر أوضحت شرطة عمان السلطانية: «أنه يتوجب على المجني عليه التوجه إلى الادعاء العام والذي بدوره يقوم بتوجيه شكوى المجني عليهم إلى المركز المختص لفتح بلاغ جرمي واتخاذ الإجراءات المتبعة لدى شرطة عمان السلطانية، والتي تتكفل بمعرفة ماهية الجريمة والأسلوب المستخدم في ارتكابها وضبط مرتكبيها ليتسنى لهم تحويلهم إلى الادعاء العام، ثم إلى عدالة المحكمة». ووجهت الشرطة كل من يتلقى اتصالات أو رسائل من هذا النوع بأنه يجب عليهم عدم التواصل مع الشخص المحتال وقطع الاتصال معه، وعدم تحويل أي مبالغ مالية، أو الإفصاح عن رقم بطاقة السحب الآلي التابعة لحسابه البنكي، وعدم تلبية أي مطالب للمحتال كطلب إرسال أرقام معينة أو صورة البطاقة الشخصية أو بطاقة الصرف الآلي التابعة للبنك أو إعطائه أي بيانات أخرى يطلبها، وتجنب المشادة مع المحتال وعدم تهديده بالشرطة إذا وقعت جريمة الاحتيال، والقيام بإبلاغ الشرطة عن ذلك.