هل الاحتباس الحراري يجعلنا أكثر جوعاً؟

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢٣/يناير/٢٠١٨ ٠٣:٥٨ ص
هل الاحتباس الحراري يجعلنا أكثر جوعاً؟

بيورن لومبورج

منذ أكثر من عقد من الزمن، أظهرت البيانات السنوية أن نسبة الجوع في العالم عرفت انخفاضا ملحوظا. غير أن ذلك قد تغيّر: وفقا لآخر البيانات الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (FAO)، أثر الجوع على 815 مليون شخص في العام 2016، أي 38 مليون نسمة إضافية مقارنة بالعام 2015، كما تهدد سوء التغذية حياة الملايين من الناس.

وقد ساعد فريق البحث لديّ، وإجماع كوبنهاجن، منذ فترة طويلة في تركيز الاهتمام والموارد على أكثر الاستجابات فعالية لسوء التغذية، وذلك على الصعيد العالمي وفي بلدان مثل هايتي وبنجلاديش. لكن لسوء الحظ هناك دلائل مثيرة للقلق على أن الاستجابة العالمية قد تُوجه في الاتجاه الخاطئ.
وتلقي منظمة الأمم المتحدة باللوم بشأن ارتفاع نسبة الجوع على انتشار الصراعات العنيفة و«الصدمات المرتبطة بالمناخ»، مما يعني أحداثا خطيرة ونكبات محددة مثل الفيضانات والجفاف.
لكن في التقرير الصحفي لمنظمة الأغذية والزراعة، تحوّلت «الصدمات المتعلقة بالمناخ» إلى «تغيّر المناخ». ويربط هذا التقرير بين الاثنين دون الاستشهاد بالأدلة، ولكن بيان المنظمة يشير إلى وضع أسوأ، معلنا بشكل صارخ: أن «معدل الجوع في العالم بدأ في الارتفاع مجددا؛ وذلك راجع للنزاعات وتغيّر المناخ».
قد يبدو ذلك بمثابة تقدّم بسيط، من إلقاء اللوم على «الصدمات المتعلقة بالمناخ» إلى إلقاء اللوم على «تغيّر المناخ». لكن كلتا العبارتين تتعلقان بالطقس. لكن هذا الفارق الصغير يعني الكثير، خاصة عندما يتعلق الأمر بسؤال مهم: كيف يمكننا المساعدة في إطعام العالم بشكل أفضل؟
وقدّمت لجنة الأمم المتحدة المعنية بتغيّر المناخ أدلة قاطعة، والتي أظهرت بوضوح أنه لم يحدث ارتفاع عام في معدلات الجفاف. وتشير لجنة الأمم المتحدة المعنية بتغيّر المناخ إلى أنه بحلول نهاية القرن، من المرجح أن تؤثر حالات الجفاف الشديد على بعض أجزاء العالم. كما تتوقع -وإن كان بثقة منخفضة- حدوث فيضانات أكثر في بعض الأماكن.
إن الاعتماد على السياسات المناخية لمكافحة الجوع لن يُفيد. وأي تخفيضات حقيقية في الكربون ستكون مكلفة، ولن يكون لها أي تأثير فعلي على المناخ بحلول نهاية القرن. ووفقا للأمم المتحدة، حتى في حال نجاح اتفاق باريس حول المناخ بحلول العام 2030، فســـيحقق 1% فقط من التخفيضات اللازمة للحفاظ على درجة حرارة «أقل من 2 درجة مئوية». وذلك سيكلف تريليون دولار سنويا أو أكثر -وهي طريقة جد مكلّفة لإحداث تغيير في الارتفاع المحتمل لمعدلات الفيضانات والجفاف في نهاية القرن.
والواقع أن السياسات الصادقة في مكافحة الاحتباس الحراري قد تؤدي إلى تفاقم الجوع. وقد تبنّت البلدان الغنية الوقود الحيوي -الطاقة المستمدة من النباتات- للحد من اعتمادها على الوقود الأحفوري. لكن الفوائد المناخية تكاد تكون منعدمة: وفقا للمعهد الدولي للتنمية المستدامة، فإن إزالة الغابات، والأسمدة والوقود الأحفوري المستخدم في إنتاج الوقود الحيوي يعادل حوالي 90% من ثاني أكسيد الكربون «المحفوظ».
وعلاوة على ذلك، فقد حوّلت السياسات المناخية الموارد عن التدابير التي تقلل الجوع بشكل مباشر. وقد انحرفت أولوياتنا عندما وعدت سياسات المناخ بأن تأثيرا ضئيلا في درجة الحرارة سيكلّف تريليون دولار سنويا، بينما تبلغ ميزانية برنامج الأغذية العالمي 169 مرة أقل، أي 5.9 بليون دولار.
هناك طرق فعّالة لإنتاج المزيد من الغذاء. وتكمن أفضل هذه الطرق، كما أظهرت أبحاث إجماع كوبنهاجن، في التعامل بجدية بشأن الاستثمار في البحث والتطوير لتعزيز الإنتاجية الزراعية. ومن شأن استثمار مبلغ إضافي قدره 88 بليون دولار في مجال البحث والتطوير الزراعي خلال السنوات الـ32 المقبلة أن يرفع المحاصيل بنسبة 0.4 نقطة مئوية إضافية كل عام، مما سيساعد على إنقاذ 79 مليون شخص من الجوع ومنع خمسة ملايين حالة وفاة للأطفال الذين يعانون من سوء التغذية. وهذا من شأنه أن يساوي ما يقرب من 3 تريليون دولار لصالح المجتمع، مما يعني عائدا هائلا قدره 34 دولارا مقابل كل دولار يُنفق.
وبحلول نهاية القرن، ستكون الزيادة الإضافية في الإنتاجية الزراعية أكبر بكثير من الأضرار التي لحقت بالإنتاجية الزراعية والتي أشارت إليها أسوأ السيناريوهات حول آثار الاحتباس الحراري. وستكون هناك فوائد إضافية: فقد وجد البنك الدولي أن نمو الإنتاجية في الزراعة يمكن أن يصل إلى أربع مرات أكثر فعالية في الحد من الفقر من نمو الإنتاجية في القطاعات الأخرى.
نحن نمرّ بنقطة تحوّل. وبعد تحقيق مكاسب هائلة ضد الجوع والمجاعة، فإننا نواجه خطر التراجع، وذلك بسبب الخيارات السيئة. إن وضعنا لا يسمح باختيار سياسات خاطئة.

مدير مركز إجماع كوبنهاجن وأستاذ زائر في كلية الأعمال في كوبنهاجن.