نهضة الروبوتات

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ١٩/فبراير/٢٠١٨ ٠٥:١٨ ص
نهضة الروبوتات

أليشا بولر

تُرى ما مدى التوجّه الفعلي لدول مجلس التعاون الخليجي نحو تبنّي الذكاء الاصطناعي؟

يقف عالمنا اليوم على أعتاب ثورة تكنولوجية مدفوعة بالتطوّر السريع في مجال الذكاء الاصطناعي، لن تستثني دول مجلس التعاون الخليجي. فقد وضعت هذه الدول الغنية بالنفط نفسها بشكل استراتيجي في صلب هذا التحوّل، وبدأت بالفعل تختبر قدراتها كداعم ومبتكر للتكنولوجيا على مستوى العالم.

في هذا السياق، تستعد دولة الإمارات العربية المتحدة لعالم جديد يُتوقّع أن تتولّى فيه الروبوتات واحدةً من أصل خمس وظائف روتينية بحلول العام 2022 بحسب شركة «غارتنر» للبحوث. وفي العام 2017.

وبحسب د. تيم ويلسون، مسؤول الصناعات الصحية في منطقة الشرق الأوسط في شركة «برايس ووترهاوس كوبرز» PwC، فإنّ «قرار حكومة الإمارات بالاستثمار في الذكاء الاصطناعي يضعها في صدارة دول العالم من ناحية تطوير السياسات، ويؤسّس لبيئة تدعم الابتكار وتنمّيه في هذا المجال».

تمضي دبي قدُمًا بطموحاتها في مجال النقل الآلي الذكي، طارحة نفسها كحقل تجارب رئيسي للتقنيات الناشئة في مجال النقل، بما في ذلك المركبات ذاتية القيادة (بدون سائق) والتكسي الطائر ذاتي القيادة، حتّى أنّ أنظمة المترو والترام في دبي بدأت بالفعل باستخدام مركبات ذاتية القيادة. ويرى الرئيس التنفيذي للعمليات في شركة «تحسين للاستشارات»، ويزلي شوالييه، أنّ «رعاية الحكومة لحلول النقل الذكية تُظهر استعداد المنطقة لتسبق بقية العالم في تبني حلول الذكاء الاصطناعي في مجال النقل، كما أنّ بعض المحلّلين يتوقّعون توفّر التكسي الطائر ذاتي القيادة للعلامة ابتداءً من العام 2020».
من جانبها، وضعت المملكة العربية السعودية هي الأخرى خططاً طموحة لتبني الذكاء الاصطناعي. فالشباب السعودي الشغوف بالتكنولوجيا وأنظمتها الطبية المتطورة وانتشار استخدام الهواتف الذكية وطموح المملكة بالريادة، كلّها عوامل تجتمع معًا لتجعل المملكة العربية السعودية سوقًا أساسيةً لاعتماد مثل هذه التقنيات. يعتقد شوالييه أنّ مشروع المدينة الذكية «نيوم» الذي كشفت عنه المملكة في أكتوبر 2017 دليلٌ إضافي على «موجة الذكاء الاصطناعي» التي تجتاح المنطقة. ويقول إنّ «المملكة العربية السعودية تنــــشئ مدينة تضمّ روبوتات أكثر من البشر ويقود فيها الذكاء الاصطناعي كل شيء تقريباً. هذه مهمّة شاقــــّة، غير أنّ المشروع قد يشكّل أرضية صلبة لاعتماد الذكاء الاصطناعي في المستقبل في عدّة قطاعات، في حال تنفيذه بحسب الخطة الموضوعة له».
إذًا هل ستسرق الروبوتات وظائفنا؟ على الرغم من الأخبار والتقارير التي تحذّر من أزمة عمل عالمية وشيكة، يبدو مستقبل الذكاء الاصطناعي مشرقاً. فقد أظهر تقرير جديد أصدرته شركة «غارتنر» أنّ الذكاء الاصطناعي، بحلول العام 2025، سيوجد وظائف يشغلها الإنسان أكثر من تلك التي سيلغيها، إذ ستزداد الحاجة إلى وظائف مرتبطة بهذه التكنولوجيا، مثل وظيفة مدير البيانات على سبيل المثال.

يقول د.ويلسون من «برايس ووترهاوس كوبر»، إنّه «يقع على عاتق قادة الدول ورؤساء المؤسسات أن يقرروا كيف يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين الإنتاجية والكفاءة، وبالتالي الوضع الاقتصادي».

وفي دول مجلس التعاون الخليجي والشرق الأوسط بشكل عام، قد يشكّل الذكاء الاصطناعي قوّةً ثوريةً إيجابية في حال استخدامه بالطريقة الصحيحة. فبحسب شوالييه، يمكن للذكاء الاصطناعي وتعلّم الآلة أن يساهما في توفير حلول مهمة للتحديات في مجالات الصحة وسوق العمل والتعليم في المنطقة.
يضيف شوالييه أنّ «الطلب على الرعاية المتخصّصة الملائمة لحاجات كل شخص يتزايد في ظلّ تزايد أعداد كبار السنّ بين السكّان وارتفاع معدّلات الإصابة بالأمراض المزمنة»، لافتاً إلى أنّ «الحكومات في المنطقة معنية أيضاً بتعزيز تأثير الاستثمارات في الرعاية الصحية، وهو ما يمكن تحقيقه من خلال الاستثمار في التكنولوجيا الناشئة في مجال الرعاية الصحية».
ويعتبر أنّ التركيز «الآن» ينصبّ على تكنولوجيا الرعاية الصحية الشخصية التي يمكن أن تقلّل من التفاعل بين المريض والطبيب وتوفّر متابعة صحية رقمية في الوقت الفعلي. وفي حين أنه يشير إلى الأجهزة الذكية القابلة للارتداء والتي يمكن من خلالها متابعة المريض عن بُعد، على سبيل المثال، يشرح أنّه «يمكن لمثل هذه الأجهزة التخفيف من زيارات المرضى إلى منشآت الرعاية الصحية، وتمكينهم من الحصول على الاستشارة الطبية بأسرع وقت ممكن، ما من شأنه تحسين نتائج الرعاية الصحية بشكل كبير، وخفض التكلفة في الوقت نفسه».
يقدّم شوالييه مثالاً آخر عن استخدام الذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الصحية، وهو الروبوتات الجراحية الموجّهة بالصور. «فبواسطة هذه الروبوتات يمكن إجراء عمليات جراحية معقّدة تتطلّب الكثير من الدقة، ما يُعتبَر عاملاً مساعداً في الحالات التي يرتفع فيها خطر الوفاة نتيجة خطأ جراحي».
من جهةٍ ثانية، يرى أيضاً أنّ الذكاء الاصطناعي قد يساهم في تحقيق قفزة عملاقة في مجال التعليم الطبي. ويقول إنّ «الذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي قد يشكّلان معاً أداة تعليمية رائعة لأطبّاء المستقبل، من خلال توفير بيئة تعليمية افتراضية لهم. إذ يمكن للأطباء الشباب التدرّب على ممارسة إجراءات طبية معقدة ضمن بيئة افتراضية، وتوقّع النتائج التي سيحصل عليها المرضى قبل تطبيق تلك الإجراءات على المرضى الفعليين».
وفي ما خصّ قطاع التعليم بشكل عام في الشرق الأوسط، يعتقد الرئيس التنفيذي للعمليات في شركة «تحسين للاستشارات» أنّ التحدي الأكبر الذي يواجه المنطقة يتمثّل في التقليل من عدم تلاؤم المهارات مع متطلّبات سوق العمل في المستقبل. ولكنّه يلفت إلى إمكانية استخدام الذكاء الاصطناعي كأداة للقيام بتحليلات تنبؤية لسوق العمل، استنادًا إلى بيانات القوة العاملة حول الأداء الوظيفي، «ما قد يمكّن صنّاع السياسات من تحديد الثغرات المرتبطة بالمهارات، والتوصية بالتدخلات التعليمية المناسبة بما يتماشى مع أولويات التنمية الوطنية».
أمّا على نطاقٍ أصغر، فيمكن، بحسب شوالييه، استخدام الذكاء الاصطناعي للقيام بعض الأعمال بشكل آلي مثل وضع العلامات وغيرها من المهام ذات الأنماط المتكررة، ما يخفف من العبء على الأساتذة ليتمكّنوا من التركيز على التطوير المهني وتحسين محصلات التعلّم لدى الطلاب.
بالإضافة إلى ذلك، يلفت إلى إنّ الذكاء الاصطناعي قد يحسّن أيضاً التعلّم التعاوني في المدارس مع الحرص على تلبية الحاجات الفردية لكل طالب. ويشرح أنّه «يمكن أن ينتج عن المزج بين الذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي بيئات تعليمية افتراضية لمجموعات من الطلاب لديهم الحاجات التعلمية ذاتها. وبالتالي، فإنّ التدريس الذكي المعدّ بحسب الحاجات الشخصية يمكنه تحسين أداء الطالب». تمر دول مجلس التعاون الخليجي بمرحلة حسّاسة على مستوى التكنولوجيا. فبحسب شركة «غارتر»، من المتوقّع بحلول العام 2021 أن يولّد ازدياد الاعتماد على الذكاء الاصطناعي 2.9 تريليون دولار ضمن قطاع الأعمال على المستوى العالمي، وأن يستعيد 6.2 بليون ساعة من إنتاجية العمّال. لذا لا بدّ من الحرص على التوازن وعدم التردّد في المخاطرة لضمان استعداد المنطقة لتحقيق النجاح مدفوعة بهذه التكنولوجيا سريعة التطور. وكما قال سام بلاتيس، الرئيس الأسبق للسياسة العامة لدى شركة «جوجل» في دول الخليج، والرئيس التنفيذي لشركة «كاتاليستس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا»: «يمكن للذكاء الاصطناعي مساعدة المنطقة كي تسبق بقية العالم لأنّه لا يوجد خوف من التكنولوجيا (في المنطقة) أو قوّة عاملة كبيرة يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحلّ محلها. كما يمكن للذكاء الاصطناعي أيضاً أن يساعد في تعزيز استجابة الحكومات للحاجات الاجتماعية-الاقتصادية لمواطنيها».