رئاسة ترامب المرتبكة

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢١/فبراير/٢٠١٨ ١٠:٢٧ ص
رئاسة ترامب المرتبكة

إليزابيث درو

لقد بلغ الأمر النقطة التي قد يشعر المرء عندها بالأسف على دونالد ترامب. ورغم أن هذا يعكس «تقريباً» فجوة أوسع من أن يتمكن خصوم ترامب من عبورها، فبوسعنا أن نقول إن فبراير كان حتى الآن قاسياً على الرئيس الأمريكي، وإن كان من الواضح أنه ليس ضحية بريئة.

خلال الأسبوع الأول من هذا الشهر، واجه البيت الأبيض من المتاعب ما يزيد على كل ما قد يحل على أغلب الرئاسات من متاعب في غضون بضعة أشهر، أو أكثر. فقد انخفض مؤشر داو جونز الصناعي بنحو 1000 نقطة مرتين، فمحا ذلك الهبوط كل المكاسب التي حققتها السوق الصاعدة على مدار العام حتى الآن. ولم يكن أحد يعرف متى قد تستقر الأسواق أو ما إذا كانت تخفيضات ترامب الضريبية الضخمة، بين سياسات أخرى، تعمل على تغذية المخاوف من فرط النشاط الاقتصادي وارتفاع أسعار الفائدة.

كما زاد ترامب من سوء موقفه عندما فعل ما كان الرؤساء الذين سبقوه في المكتب البيضاوي حريصين على تجنبه بحكمة. فقد نسب الفضل إلى نفسه بانتظام عن المكاسب التي حققتها البورصة. ويبدو أن رجل الأعمال العظيم المفترض نسي أن ما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع.
في ذلك الأسبوع أيضا، أقر الكونجرس الأمريكي اتفاقاً حول الميزانية يمتد لسنتين. وفي العادة، كان الاتفاق الأطول أمدا بين الحزبين ليُعَد من الأخبار السارة؛ لكن بعض التقديرات أشارت إلى أن الاتفاق يضمن عجزاً هائلاً في الميزانية قد يبلغ تريليون دولار سنويا. وخسر الحزب الجمهوري هويته التي ادعاها لفترة طويلة بوصفه حزب المسؤولية المالية. كان الديمقراطيون والجمهوريون في الكونجرس قادرين على التوصل إلى اتفاق من خلال إعطاء كل جانب الآخر ما يريد في الأساس في ما يتصل بالإنفاق الجديد ــ دون تخفيضات في الميزانية أو زيادات ضريبية للتعويض عن التأثير على العجز.
أشرف كل من الرؤساء الثلاثة، رونالد ريجان، وجورج دبليو بوش، وبِل كلينتون، على زيادات ضريبية، وقد عملت سياسة كلينتون المالية فعليا على توليد فائض في الميزانية في السنوات الأخيرة من ولايته الثانية. ثم أتى جورج دبليو بوس، الذي زعم أن الفائض لابد أن يُعاَد إلى الناس. وهكذا كان. ومنذ ذلك الحين، أصبحت زيادة الضرائب لعنة في نظر الجمهوريين، وبمرور الوقت أصبحت أغلب تخفيضات بوش الضريبية «المؤقتة» دائمة.
يُنظَر إلى وعد ترامب بخفض الضرائب مرة أخرى على نطاق واسع باعتباره سبباً رئيسياً وراء الدعم الذي قدمه قادة الحزب الجمهوري في الكونجرس ــ وكبار المانحين للحزب ــ للرئيس ترامب في العام 2016، ثم استمرارهم في دعمه. لكن أعضاء الكونجرس أصبحوا أيضا متخوفين من «قاعدة» ترامب، التي ربما لا تمثل أكثر من ثلث الناخبين ولكنها بالغة القوة في دوائر الكونجرس الجمهورية وقد تدعم منافسا أكثر ميلا إلى اليمين في انتخابات الحزب الأولية.
تظاهر الجمهوريون بأن التخفيضات الضريبية كانت تستهدف الطبقة المتوسطة، لكنها ساعدت في الأغلب الأثرياء ورجال الأعمال. وقد حاول ترامب وحلفاؤه باستماتة إقناع البلاد بتقبل التخفيضات الضريبية، والتي جرى تغطية تكاليفها مقدما لمساعدة الناس قبل انتخابات التجديد النصفي في العام 2018، حيث سيكون مجلس النواب بأكمله، وثلث مجلس الشيوخ، والعديد من مناصب حكام الولايات والهيئات التشريعية متاحة للراغبين. وسادت حالة من الذعر بين الجمهوريين إزاء احتمالات خسارتهم لكل من المجلسين، وإن كانت الخسارة في مجلس الشيوخ أقل ترجيحا، لأن عددا من الديمقراطيين أكبر كثيرا من الجمهوريين الشاغلين للمقاعد يتعين عليهم أن يدافعوا عن مقاعدهم. وقد تحدث أمور كثيرة حتى ذلك الوقت لتغيير المعادلة الانتخابية.
وكأن كل هذا لم يكن كافيا، فإذا بالبيت الأبيض يواجه فجأة موجة من الاتهامات بضرب الزوجات. وكان الحزب الجمهوري في مأزق بالفعل في ما يتصل بالنساء، ولم تكن الطريقة التي تعامل بها ترامب ومعاونوه مع الموقف مفيدة على الإطلاق. ففي وقت مبكر من الأسبوع، بات من المعروف أن اثنتين من زوجات المغمور روب بورتر السابقات ــ والذي كان لقبه الوظيفي كسكرتير لهيئة العاملين يكذب أهمية وظيفته (الحصول على الأوراق الصحيحة لتقديمها للرئيس) ــ أبلغتا مكتب التحقيقات الفيدرالي أن بورتر كان عنيفا على المستويين البدني والعاطفي في التعامل معهما خلال فترة زواج كل منهما به (والتي كانت وجيزة).
ونتيجة لهذا، لم يحصل بورتر قَط على التصريح الأمني الكامل الذي تطلبته وظيفته؛ وحتى بعد عام كامل، لم يكن يحمل سوى تصريح «مؤقت». ومن غير المعتاد أن يدوم عدم اليقين حول مدى لياقة أحد كبار المسؤولين في البيت الأبيض أمنيا لفترة طويلة إلى هذا الحد ــ كما كانت الحال أيضا مع زوج ابنة ترامب، جاريد كوشنر، الذي يتعامل مع قضايا السياسة الخارجية. ومكمن التخوف في مثل هذه الحالات هو أن الأمر ربما ينطوي على معلومات قد تعرض المسؤول للابتزاز. وكان لزاما على كاتب خطابات ترامب أيضا أن يتنحى بعد شكاوى من قِبَل زوجته السابقة.
ثم ازداد الطين بلة عندما بات من المعروف أن رئيس أركان ترامب، جون كيلي، ومحامي البيت الأبيض دون ماكجان كانا على عِلم بمسألة بورتر لبعض الوقت (كان ماكجان على علم منذ عام، وكان كيلي على علم بالأمر لعدة أشهر على الأقل)، ومن الواضح أنهما لم يتخذا أي خطوة لمنع بورتر من تناول معلومات بالغة السرية. وعلى هذا فسرعان ما تحولت فضيحة الإساءة للزوجات إلى فضيحة حول هفوات أمنية محتملة.
لقد انطوت رئاسة ترامب على سلسلة طويلة إلى حد غير مألوف من مساعدين أُجبِروا على الاستقالة أو فُصِلوا لأسباب عديدة. لم تنجح محاولات استقطاب الموظفين القدامى الأكثر خبرة في السلطة التنفيذية للعمل مع ترامب، وكان هو ودائرته من المستشارين يصوتون ضد كل من عارضه خلال انتخابات 2016. ولهذا، لم تبدأ رئاسة ترامب بموظفين من الطراز الأول، ولم تتحسن هيئة الموظفين.
وهذا ليس بالأمر المستغرب. فمن المعروف عن ترامب أنه شخص بالغ الصعوبة في التعامل مع كل من يعمل معه: فهو مندفع ومتهور ومتطرف في انفعالاته، ويصرخ بشكل روتيني في معاونيه. وقد ارتفع ناس وسقطوا في تقديره في غضون أيام، وكانت الفصائل داخل البيت الأبيض تتخاصم وتتناوش على نحو لا ينقطع.
صحيح أن كيلي، الجنرال البحري المتقاعد الحاصل على أربعة أوسمة والذي تحول في أواخر يوليو 2017 من وزير للأمن الداخلي إلى رئيس أركان البيت الأبيض، نجح في إرساء بعض النظام في الجناح الغربي. لكنه تخلى عن محاولة تغيير سلوك ترامب ــ من تغريداته التي لا يكمن التنبؤ بها والوخيمة العواقب، إلى المكالمات التي يجريها على هاتف شخصي من مقره الخاص (حتى لا يتمكن كيلي من رصدها أو الاستماع إليها).
وقد تبين أن كيلي متبلد أخلاقيا مثل رئيسه تقريبا: فقد أظهر بالفعل فظاظة عنصرية، ولم يجد ما يقول عندما تعلق الأمر بالعنف المنزلي. ولم يهتم إلا بأن بورتر كان يقوم بعمل جيد وكان مطلوبا، ولهذا ألقى بتعليق امتدح فيه بورتر رافعا إياه إلى عنان السماء، ثم استحثه بشكل شخصي على البقاء في الوظيفة.
ولكن مع انتشار العاصفة الإعلامية، غير كيلي روايته وأصدر توجيهاته إلى موظفي البيت الأبيض بالكذب نيابة عنه ــ لكي يؤكد أنه استجاب بسرعة وبشكل سلبي إزاء الأخبار عن زوجتي بورتر السابقتين. واليوم بات مصير كيلي غير مؤكد.
وماذا عن ترامب، الذي كان موضوع شكوى 10 نساء على الأقل في ما يتصل بمفاتحات جنسية غير مرغوبة (إن لم يكن أسوأ)؟ في نهاية أسبوع حافل بالأحداث، أشعل ترامب شرارة عاصفة جديدة، عندما تحدث عن تعاطفه مع بورتر واقترح أن النساء اللاتي يتقدمن بمثل هذه الشكاوى لسن صادقات بالضرورة.

كاتبة مساهمة في مجلة الجمهورية الجديدة، وهي مؤلفة كتاب «يوميات واشنطن: تقرير واترجيت وسقوط ريتشارد نيكسون».