تحديات إنسانية لإفريقيا

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢١/فبراير/٢٠١٨ ١٠:٢٨ ص
تحديات إنسانية لإفريقيا

فاتوماتا نافو-تراوري

في منتصف العام 2017، عندما هدد تفشي الكوليرا في الصومال باجتياح المستشفيات المحلية، توقع خبراء الصحة حدوث الأسوأ. ومع انتشار الجفاف وسوء التغذية والفقر المنتشر بالفعل، أدى شيوع الإسهال المميت في الصومال إلى انهيار الدولة الهشة. لكن على الرغم من التنبؤات القاسية، تم تجنب العجز المؤسسي. وعلى الرغم من أن المئات قد لقوا حتفهم وأصيب كثيرون آخرون بالمرض، فقد تمكنت الاستجابة الجماعية التي تديرها الحكومات والمنظمات غير الحكومية والمجتمعات المحلية، بما في ذلك جمعيات الهلال الأحمر الوطنية التي تدعمها حركة الصليب الأحمر، من احتواء هذا المرض.

إن تجربة الصومال تعطيني أملاً كبيراً لمستقبل إفريقيا. ولكنها تعتبر أيضا بمثابة تذكير بأن القدرة المحلية تضعف بسهولة في أوقات الأزمات. وبينما أصبحت بعض أجزاء إفريقيا مكتفية ذاتيا من حيث الصحة العامة، لا تزال بلدان أخرى تعتمد بشكل كبير على المعونة العالمية. وبالنسبة لهذه المجالات، فإن الشراكة هي أفضل وسيلة لتجنب المخاطر.

وعلى وجه الخصوص، من المرجح أن تشكل ثلاثة تحديات رئيسية هذا العام أشد الاختبارات على قدرة إفريقيا لإدارة الأزمات الإنسانية.
يكمن التحدي الأول في تزايد العنف الذي عرفته جمهورية الكونغو الديمقراطية. فقد نزح نحو 1.4 مليون شخص داخلياً بسبب نزاع دمّر منطقة كاساي الوسطى في جمهورية الكونغو الديمقراطية، ليصل العدد الإجمالي للنازحين إلى 4.1 مليون نسمة، وهو أكبر تجمع للاجئين الداخليين في معظم أنحاء إفريقيا. وقد أدى العنف إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي، حيث أصيب أكثر من ثلاثة ملايين شخصا بنقص حاد في التغذية.
ولسوء الحظ، من المتوقع أن تزداد أزمة كاساي سوءاً في العام 2018. ويحذر تقييم أجراه مؤخراً الصليب الأحمر لجمهورية الكونغو الديمقراطية من أن عدد النازحين سيستمر في الارتفاع، ومع تفشي وباء الكوليرا السريع الذي يهدد المنطقة، هناك حاجة ماسة إلى خطة عمل منسقة.
ويتمثل التحدي الثاني لهذا العام، وفقا لشبكة نظم الإنذار المبكر بالمجاعة، في انعدام الأمن الغذائي في الصومال، الذي من المتوقع أن يزداد سوءا في النصف الثاني من هذا العام، وذلك بسبب قلة الأمطار في العام 2017 والمحاصيل غير الكافية، كما لم تتعافى معظم المناطق بشكل كامل. وبينما توجه المساعدات الإنسانية إلى البلاد، يجب بذل المزيد من الجهود لاستهداف حلول طويلة الأجل، مثل تحسين الإنتاج الزراعي، والوصول إلى التعليم، والفرص الاقتصادية. ومن الناحية التاريخية، خُصصت معظم المعونة المقدمة إلى البلاد للإغاثة في حالات الطوارئ؛ كما ركزت الاستجابة الجماعية للكوليرا بشكل محدود على الصحة على المدى القصير. ولكن الصومال بحاجة ماسة إلى إستراتيجية إنمائية أكثر شمولية وطويلة الأجل.
وأخيراً، فإن الكارثة التي احتوتها الصومال في العام الفائت، ستستمر في الانتقال إلى أماكن أخرى من المنطقة. إن تفشي الكوليرا في اليمن يعد الآن الأسوأ في التاريخ، حيث تجاوز بالفعل مليون إصابة مؤكدة، وعلى الرغم من سنوات من المساعدات الدولية، لا يزال الوباء يهدد إفريقيا. وفى العقود الأربعة الأخيرة، أبلغت الدول الإفريقية عن أكثر من ثلاثة ملايين حالة يشتبه في إصابتها بالكوليرا إلى منظمة الصحة العالمية، وذكرت أن الحالات الجديدة تتزايد هذا العام في المناطق الشرقية والوسطى في إفريقيا. ومن حسن الحظ أن هناك أمل في أن يتكرر نجاح الصومال في العام 2017 في احتواء هذا الوباء، شريطة أن تكون المجتمعات المحلية والأفراد على وعي تام بالمرض والمخاطر ذات الصلة، وأن تتلقى الجهات الفاعلة المحلية الموارد اللازمة للتغلب عليه. وقد وضعت فرقة العمل العالمية المعنية بمكافحة الكوليرا، التي تسعى إلى تقديم دعم محلي ودولي لتحسين الرعاية الصحية والمرافق الصحية، إستراتيجية عالمية للقضاء على وباء الكوليرا بحلول العام 2030. وعلى الرغم من أن هذا الهدف طموح للغاية، إلا أنه يمكن تحقيقه إذا عملت المنظمات الدولية والحكومات المحلية معاً.
وسوف تستمر الأزمات الطبيعية والأزمات من صنع الإنسان في اجتياح إفريقيا، لكن المنظمات مثل التي لدينا تعمل بجد لتحقيق مستقبل أكثر إشراقا من خلال تحسين بناء القدرات. ولكي ينجح الشركاء الإنمائيون المحليون والدوليون في إعادة توجيه استراتيجياتهم؛ لن تكون المساعدات الإنسانية وحدها كافية لمواجهة تحديات إفريقيا العديدة. وفي حين أن هناك حاجة ماسة إلى الأموال، يجب أن تنفق بشكل أكثر إستراتيجية لتحسين نقاط الضعف الهيكلية التي تديم عدم الاستقرار. فعلى سبيل المثال، إذا خُصص المزيد من التمويل لمشاريع الرعاية الصحية على مستوى المجتمع المحلي، فإن المنظمات المحلية ستكون في وضع أفضل للقيادة عندما تواجه تهديد أوبئة مماثلة.

يجب على المجتمع الإنمائي الدولي أن يبذل المزيد من الجهود للاستثمار في الحلول الأساسية، وتمكين الأفارقة بدلاً من معاملتهم كمقاولين فرعيين لمعاناتهم. إن المنظمات المحلية في وضع يمكنها من تجاوز العقبات الثقافية واللغوية المعقدة؛ لكنها ستخسر الكثير إذا فشلت في القيام بذلك.

كان العام الفائت مدمراً بالنسبة لكثير من الأفارقة، حيث عانى الملايين من الجفاف والجوع والعنف. لكن في الصومال، أتاحت الاستجابة المنسقة لتهديد صحي خطير أملا جديدا لمستقبل أكثر أمنا. فعندما يتحد الإبداع المحلي والدعم الدولي، يمكن كسر سلسلة المعاناة. وبالنسبة للكثير من البلدان الإفريقية، فإن القدرة على النظر بثقة إلى ما بعد الأزمة المقبلة هي الخطوة الأولى على الطريق الطويل نحو الاعتماد على الذات.

المديرة الإقليمية لإفريقيا في الاتحاد الدولي

لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر