مسؤولية النخبة الخليجية

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢١/فبراير/٢٠١٨ ١٠:٢٨ ص
مسؤولية النخبة الخليجية

فريد أحمد حسن

استمرار المشكلة الخليجية وتعقدها أوصل البعض المنتمي إلى هذا الفريق أو ذاك إلى مرحلة صار يفرح فيها بخسارة الآخر وتمني تعرضه لمزيد من الخسائر في مختلف المجالات، وهذا أمر ما كان يمكن أن يحدث لولا أن المشكلة أوغلت في الزمن ولولا أن المجال صار مفتوحاً للجميع ليدلوا بدلائهم وليقولوا ما يعبر عن مستوياتهم التعليمية والثقافية وخلفياتهم.

حتى وقت قريب كان الخليجي من أي دولة خليجية يفرح بشدة لتحقيق هذه الدولة أو تلك نجاحاً مهماً كان صغيراً ويعود على مواطنيها بالخير، فهو يدرك أن الخير الذي سيصيب أخاه سيعود عليه أيضاً، ولكن ما حدث قبل سبعة أشهر أدى باستمراره وبسبب تعقد المشكلة إلى فرح هذا أو ذاك بتضرر الدولة التي تقف بلاده في مواجهتها وصار يعتبر عدم تمكنها من تحقيق النجاح في أي مجال انتصاراً له وسبباً لفرحه، وتعرضها للخسارة ربحا له.

ولأن هذا الأمر لا ينبغي السكوت عنه لذا فإن مسؤولية كل ذي فكر وثقافة تصير أكبر، ولم يعد مقبولاً من المنتمين إلى هذه الفئة تحديدا السكوت والاكتفاء بالتفرج وكأن الأمر لا يعنيهم، لأن هذا الفعل سيعود عليهم وعلى كل دول مجلس التعاون وبالمسيرة الخليجية بالضرر، فماذا أكثر من أن يشكل تضرر الآخر سببا لفرح هذا أو ذاك من المنتمين إلى هذا الفريق أو ذاك ؟
اليوم لم يعد مناسباً الحديث في أسباب ما جرى بين بعض دول مجلس التعاون وأدى إلى كل هذا الذي أدى إليه، فالأسباب لم تعد مهمة، كما لم يعد مناسباً اليوم تبادل اللوم والعتاب والاستغراق في التحليلات السياسية حتى تلك التي تنطلق من معلومات صحيحة ودقيقة، المناسب هو أن يتحرك كل ذي مسؤولية في مختلف القطاعات ويبادر بفعل موجب يضع قبل كل شيء حدا لهذا الذي وصل إليه البعض، حيث من المعيب أن يفرح هذا بسبب تعرض ذاك الذي يظل في كل الأحوال أخاه للأذى، ومن غير المعقول رؤية كل هذا والسكوت عنه، حيث السكوت في هذه الحالة مشاركة في تعزيز هذا السلوك الخاطئ.
وقوف مواطني كل دولة من دول مجلس التعاون وخصوصا الإعلاميين إلى جانب قيادتهم وتعزيز موقفها أمر طبيعي يفرضه الانتماء وحب الوطن والولاء، فلا أحد يقف مع الآخر في مثل هذه الظروف أيا كانت الأسباب وأيا كان قربه من الآخر أو فضل الآخر عليه، وعليه فلا يمكن توجيه اللوم والعتاب لأي مواطن خليجي وقف إلى جانب قيادته وصار جزءا من موقفها، لكن هذا لا يعني عدم التحرك بغية الإسهام في تقريب وجهات النظر وفي إيجاد مخارج مناسبة، ذلك أن الاستمرار في هذه الحال أمر يضر بالجميع ويفتح الأبواب على مصاريعها أمام الأجنبي ليستفيد وقد يتغلغل ويصعب من ثم إخراجه، وهذا هو دور المنتمين إلى فئة المثقفين والنخبة الذين ينبغي أن يتواصلوا فيما بينهم ومع القيادات في بلدانهم بغية توصيل أفكارهم ورؤاهم ومقترحاتهم، وقبل كل شيء للإسهام في «تبريد الساحة» وتهيئتها لمناقشة تلك الأفكار مع مختلف الأطراف ذات العلاقة، ففي هذا ضمان لنجاح مهمتهم.
التطورات المتلاحقة التي تشهدها العلاقات الخليجية الخليجية وتشهدها المنطقة والعالم أجمع تعين على القول بأن المشكلة قيد البحث ستستمر إلى حين وقد تطول، لذا فإن مسئولية المنتمين إلى تلك الفئة تكبر وعليهم أن يعملوا على ما قد يدونه التاريخ باسمهم ويفتخرون به ويحكونه لأحفادهم.
ما يجعل الكثيرين يتفاءلون بنجاح هذه الفئة في هذه المهمة هو أن الفعاليات التي أقيمت في دول محايدة في الشهرين الأخيرين على وجه الخصوص أكدت أن المشاركين فيها كانوا في مستوى يؤهل المنتمين إلى هذه الفئة القيام بهذا الدور، فكل من شهد تلك الفعاليات أكد أن المشاركين فيها من المنتمين إلى الدول ذات العلاقة بالمشكلة تعاملوا مع بعضهم البعض وكأن شيئا لم يكن وأكدوا أنهم إخوة وأهل وجسم واحد وأنهم لم يتأثروا بما جرى ولن يسمحوا لمثل هذه الأحداث والتطورات أن تؤثر فيهم وتحكم سلوكهم. ولأن لقاءات بين المنتمين إلى هذه الفئة يصعب عقدها في هذه الفترة في الدول طرفي المشكلة لذا فإن دولة الكويت وسلطنة عمان وغيرهما من الدول الشقيقة والصديقة يمكن أن تكون مكانا مناسبا لها، ففيها تتوفر الأجواء المعينة على تبادل الأفكار وتبني الأفضل منها، ومنها يمكن الانطلاق إلى مرحلة التواصل مع الجهات ذات العلاقة في الدول المعنية وصولا إلى القيادات التي ليس من طبعها رد أبنائها من المنتمين إلى هذه الفئة الذين تحسبهم من النخبة وتقدرهم، ولأنها تعلم ما يرمون إليه.
إن تحركا من هذا القبيل سيكون له دونما شك مردود إيجابي والأكيد أنه سيكون سبباً في وقف ذلك السلوك السالب المتمثل في الاحتفال بخسارة الآخر وتعرضه للأذى.

كاتب بحريني