ابنوا ولا تهدموا

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢١/فبراير/٢٠١٨ ١٠:٣١ ص
ابنوا ولا تهدموا

محمود بن سعيد العوفي

alaufi-992@hotmail.com

مما لا شك فيه أن البناء صعب جداً ويأخذ وقتاً وجهداً ومالاً، أما الهدم فيسير، لا يكلّف وقتاً، والجهد المبذول والمال فيه قليل جداً، إذا قورن بالمبالغ المصروفة في البناء، وعلى ذلك فإن الهدم أسهل من البناء، ويُجيده أي شخص، وكل شخص، بينما البناء ليس كذلك.

إن من أسوأ الأمور وأقساها على النفس أن تبني شيئا ثم يأتي غيرك من خلفك حاملا معه معولا ليهدم ما بنيت، حيث إن زمن البناء لأي مبنى يستغرق تخطيطا ووقتا وجهدا طويلا، ويستهلك كذلك المال الكثير، ويصف الناس ما يُبنى ويُشيّد أنه عمران، وما تفعله هو تعمير، ويتنافس الناس للحصول على مثل ذلك البناء أو ربما بناء مثله، أما بعد الهدم فيُسمّى ذلك البناء خرابا ودمارا لا قيمة له بين الناس. وهدم البناء ونقضه سهل وسريع كما أسلفنا وأقل كلفة من التشييد بكثير، وما يُبنى في سنوات يمكن أن يُهدم في زمن وجيز جداً.

وبالتالي فإن البناء والهدم ثقافتان متعارضتان تسيران في خطين متعارضين لا يمكن أن يلتقيا، ولكل ثقافة رموزها وروّادها وآلياتها وقيمها، وهما متلازمتان في كل مجتمع وكل عصر لا ينفك أحدهما عن الآخر، وشتان بين هاتين الثقافتين، فالبناء حياة ونجاح وإنجاز وتنمية وإيجابية ونهوض وتطوّر وارتقاء وانتماء، أما الهدم موت وتخريب وانحدار وانتكاس وتقازم ودناءة، وإثارة الفتن في أوساط المجتمع.
وعلى ذلك، لا يخفى على أحد أن الإعلام يقوم بدور مهم في عملية البناء كما أنه يُعدّ بمثابة أداة قوية ومؤثرة في الأحداث التي نشهدها اليوم في مختلف أنحاء المعمورة، وأصبح المرآة العاكسة التي نرى من خلالها أنشطة العالم الإيجابية وأحداثه المتواترة على مدار الساعة، ومما لا شك فيه أنه أيضا عامل مهم في الدفع بعملية تبادل المعلومات بشتى صورها وأنواعها، فهو دافع قوي للمساعي الإنمائية الرئيسية لجميع البلدان لا سيما البلدان التي تقوم بالعمل ليل نهار وبصورة حثيثة نحو تحقيق نمو اقتصادي بعيد المدى من شأنه أن يدفع بعملية التنمية الشاملة.
إن الإخلاص الذي ينبغي أن يُصاحب عملية البناء لكي تدخل نطاق الأعمال المرضية هو عنصر ضروري في عملية الهدم لتحريرها من نزوات العواطف وطيش الأهواء المتسترة عادة بالدين والنية الطيبة وخدمة الصالح العام.
إن العمل التغييري يحتاج إلى مقادير وحسابات لكل خطوة، فإذا غاب التقدير الصحيح يمكن أن يؤدي التركيز على إزالة ما هو قائم بأي ثمن وكشرط مسبق للإنجاز القويم إلى تجذر روح الهدم وحب الانتقام والتلذذ بالتحطيم حتى إذا حان وقت البناء كما كانوا يعدون، كانت السلبية والتآكل والاستمرار في الهدم.
فليس صعبا على الإنسان أن يحطم شيئا بناه أو سواه في دقائق معدودات، إنما الصعوبة تكمن في قدرته على البناء، فالبناء مهما كان نوعه ومستواه، يتطلّب أضعاف الجهد الذي يتطلّبه الهدم.
وأخيراً، إن نزعة البناء لدى الإنسان تكمن في أعماقه، كذلك تكمن في تلك الأعماق المجهولة نزعة الهدم والتحطيم، وطبيعي أن الفارق بين هاتين النزعتين كبير جدا، كالمسافات التي تفصل الأرض عن أقرب كوكب إليها.‏