بعدسة ناصر الكندي طيور عمان.. عالم مثير

مزاج الثلاثاء ١٣/مارس/٢٠١٨ ٠٤:٢٠ ص
بعدسة ناصر الكندي

طيور عمان.. عالم مثير

مسقط – لورا نصره

ناصر الكندي كاتب ومنتج أفلام وثائقية. حاصل على «جائزة السلطان قابوس للعمل التطوعي» لعام 2012 في مجال المحافظة على البيئة. لديه بكالوريوس في الأدب الأوروبي والدراسات المقارنة من بريطانيا، وماجستير إنتاج أفلام الحياة البرية– بريطانيا. وهو كاتب ومترجم للعديد من الكتب والأفلام، منها: الطيور في عمان، فن الحرب، قاموس شرح مصطلحات التصوير الضوئي والسينما (إنجليزي – عربي) (قيد الطباعة)، كما أنه أنتج وأخرج فيلم: براري ظفار (باللغة الإنجليزية). إلى جانب أنه يستعد قريباً لرابع إصداراته والثاني عن الطيور، كتاب «طيور شبه الجزيرة العربية» المخصص للأطفال.

عن سبب تخصصه بتصوير الطيور يقول الكندي: اتجهت نحو التخصص في تصوير الحياة البرية في نحو العام 2011، وكان الكثير من اهتمامي منصباً على رصد وتصوير الطيور وقد أدخلني هذا المجال لاستكشاف دهاليز عالم واسع ومثير وهو عالم الطيور. هذه الكائنات موجودة بيننا وحوالينا وتشاركنا سكنى كوكب الأرض إلا أنها مختلفة عنا في كثير من الأشياء، فهي- في المقام الأول- يمكنها أن ترف جناحيها وتطير وهو أمر يتحكم في تكوينها البيولوجي ويجعلها مختلفاً عن تكوين البشر والثدييات، وخلاف ذلك من كائنات ما عدا ما يمكنه الطيران منها كمثل الخفاش (الوطواط) وهو من الثدييات وليس الطيور، كذلك هناك طيور لم تعد تطير كمثل النعام والدجاج. تختلف الطيور عن كائن طائر من الثدييات- كالخفاش مثلا- في وجود الريش وهو في الحقيقة مجرد حراشف تغيرت عبر الزمن. وللريش وظائف كثيرة خلافاً عن الطيران، فهي تساعد على احتفاظ الطائر بالحرارة مثلا. ويكسو طرفي جناحي الطائر الأماميين ما نعرفه بالريش الأساسي وهو الريش الذي يساعد الطائر على الدفع إلى الأمام بينما الريش الذي يكسو بقية الجناحين يساعده على الارتفاع، ويعمل الريش بشكل مستقل وضمن منظومة متكاملة، وكثيراً ما نشاهد طائراً على غصن ينظف ريشف ويمشطه ويخرج منه ما لا يمكن إصلاحه.

ويضيف: «يعتمد حجم الجناحين على حجم الطائر وسرعته وخلاف ذلك من معطيات بينما تعمل العضلات المكونة لصدر الطائر على تحريك ودفع الجناحين، ويكون حجمها متسقاً مع حجم الجناحين أي أننا نجد صدر الطائر كبيراً كلما كان جناحيه كبيران، وإن كان ذلك بنسب معينة حيث إن العضل ثقيل وقد يمنعه عن الطيران أو يحد من قوته، ولذلك للطيور وزن خفيف فحتى عظام معظمها- خاصة الطيور الكبيرة- غير مملوءة من الداخل بل بها جيوب هوائية.

وفي الحقيقة فخفة الطائر هي مجالٌ واسع للحديث لكن يمكن أن نوجز بعض النقاط الأخرى عنه، فتكوين الطائر من الداخل مختلف أي أنه لا يمتلك نفس الأعضاء التي تملكها كائنات أخرى وبذلك فهو يقوم بوظائف بيولوجية مختلفة، وقد ذكرنا أعلاه الجيوب الهوائية والتي تساعد رئة الطائر على تنظيم عملية تنفس أحادية. كما أن الطيور ليس لديها مثانة وتتم تنقية الدم من الفضلات- بمساعدة الكلية- وتركيزها على هيئة حبيبات يوريك مِلحية تتخلص منها مع الخراج، ونرى أن الطائر كثيراً ما يتخلص من هذه المواد للتخفف وهو على أهبة الطيران، ويستثنى من ذلك طائر النعام.
كذلك يتطلب الطيران مجهوداً كبيراً، لذلك سمي جنس الطيور بآلة الأكل، لأنها تقضي معظم يومها- أو ليلها كما تفعل الطيور الليلية كالبوم مثلا- في الأكل أو البحث عن الغذاء. ويمكننا معرفة ما يتغذى عليه الطائر من خلال التعرف على صنف منقاره، ولغذاء الطيور فائدة كبيرة فمنها ما يأكل الحشرات والقوارض ومنها ما يأكل البذور أو يرتشف الرحيق فينقل اللقاح بين النباتات، وهي عملية مشتركة تلعب كل الطيور والنباتات دوراً مشتركاً فيها.

تنوع هائل

وعن خلفيات توجهه لتتويج جهوده بسلسلة إصدارات يقول: «تقع سلطنة عمان على تقاطع خطوط هجرة أساسية فتأتيها الطيور من آسيا وإفريقيا وأوروبا، بعض هذه الطيور تشتي في عمان وتبقى حتى في الصيف وبعضها يأتي في الربيع أو الصيف والبعض منها زائر عابر قد يتوقف للاستراحة والتزود بالغذاء قبل إكمال رحلتها. يقول الكندي: «تم تسجيل مشاهدة 528 نوعاً من الطيور وهو الرقم الأعلى بين بلدان شبه الجزيرة العربية وهو بلاشك رقم عالٍ إذا ما وضعنا في الاعتبار جفاف البيئة واتساع الرقعة الصحراوية إضافة إلى الزحف العمراني. ومن هنا جاء إصداري لكتاب الطيور في عمان وهو أول كتبي عن الطيور للتعريف بهذا العالم الهام الذي يتقاسم معنا الحياة على هذا الركن الجميل من الكرة الأرضية وللتنوير بأهمية هذه الكائنات وتنوعها واختلاف سلوكياتها وطبائعها وغذائها. وقاد نجاح هذا الكتاب إلى عملي على إصدار كتاب آخر عن الطيور ولكن هذا الكتاب سيكون موجهاً للناشئة. إضافة إلى ذلك فإن الطيور شأنها شأن الكثير من تجليات وموائل الحياة البرية والفطرية تواجه تحديات صارخة قد تطيح ببعض الأنواع في غياهب الانقراض لذلك- وهو العامل الأهم بالنسبة لي- وجب علي التنوير والتوعية بوجودها وأهميتها ووجوب الحفاظ عليها وعدم المساس بها وبموائلها وبيئتها. أدرك أن قلمي وعدستي توثق كائنات لن تكون- ذات يوم؛ ومن خلال خبرتي الطويلة في هذا المجال شهدت عبر السنين الانزياح الكبير نحو تقلص أعداد وأنواع الكائنات البرية.

ذكريات الطفولة

يقول الكندي مستذكرا: «حين كنت طفلاً لم أكن أدرك أو آلاحظ وجود سوى أربعة أو خمسة أنواع من الطيور كمثل الحمامة والعصفور والنورس والغراب وما شابه ذلك من مسميات واسعة، إلا أنه ثمة عدد شاسع من أنواع الطيور يقدر بنحو 10400 منها ما انقرض ولم يعد موجوداً ومنها ما هو مهدد بالانقراض كما أن هناك أنواع لم يكتشفها الإنسان بعد، وفي الأعوام الخمسة عشرة الفائتة اكتشف الإنسان نحو 70 نوعاً لم تكن معروفة.
من هنا يهدف كتابي القادم «طيور عُمان وشبه الجزيرة العربية» إلى توسعة مدارك الناشئة وتنويرهم إلى التنوع المذهل في أنواع الطيور التي تقيم بيننا أو تلك التي تزورنا مهاجرة أو عابرة ومدهم بمعلومات علمية عن بعض الأنواع. يقع هذا الكتاب في 64 صفحة ويصدر في شهر أبريل باللغة العربية بينما تصدر النسخة الإنجليزية في شهر مايو. يحوي الكتاب معلومات عن نحو 55 طائراً مع صورة لكل منها، وأحياناً أكثر من صورة للطائر تبين مراحله العمرية أو الموسمية أو جنسه. كذلك يتضمن الكتاب مقدمة موجزة عن الطيور في المنطقة ونبذة علمية عنها. المعلومات مقدمة في جرعات مبسطة تهدف إلى توفير موجز عن الطائر.
ويهدف الكتاب إلى أن يكون منصة تتيح للقارئ التعرف على الطيور والانتباه إليها ويطمح إلى أن يكون وسيلة ترتقي بها اهتمامات بعض القراء إلى متابعة مسارات ودروب الدراسة العلمية المتعلقة بالحياة الفطرية سواء أكانت في أفرع الأورنوثولوجيا (علم الطيور) أو حقول البيولوجيا المتنوعة. وتتبع هذا الكتاب كراسة تلوين معدة للأطفال أيضاً، أتفرغ بعدها إلى حقول معرفية وفنية أخرى حيث أعكف حالياً على نشر كتابين آخرين قريباً أحدهما قاموس يشرح المصطلحات المتعلقة بالتصوير الضوئي والتصوير السينمائي وكتاب آخر في المجال الأدبي يمكن الحديث عنه لاحقاً. كما أعمل حالياً على وضع اللمسات الأخيرة لفيلم وثائقي عن الحياة البرية والفطرية.

الشغف والصبر

ويضيف الكندي: «يتطلب تصوير الحياة البرية وقتاً وصبراً وترحالاً لكنه يتطلب- في المقام الأول- شغفاً ومعرفة علمية بالموضوع الذي يتم تصويره. أما عن أماكن ومواقع التصوير فهي متعددة وأينما يوجد الماء توجد الحياة، فالماء ليس مورداً للشرب فحسب بل وتنمو بالقرب منه الأشجار وتأتي إليه الحشرات وكل هذه توفر الغذاء للطير».

ويختم الكندي منوها: «تم تصوير كافة الصور بالكتاب دون تدخل من المصور في حياة وسلوكيات الطير، وذلك باستخدام عدسات مقربة كعدسة 800 ملليمتر وعدسة 400 ملليمتر بمساندة حامل ثلاثي للكاميرا يوفر الثبات للعدسة أثناء إنتاج الصورة. معظم العمل يتم في اتخاذ الإعدادات المناسبة في آلة التصوير دون الرجوع إلى برنامج معالجة كالفوتوشوب إلا لتصحيح بعض الرتوش الخفيفة ورفع نسبة التباين، فالصورة الرقمية الخام بطبيعتها لا يوجد بها تباين».